تونس – تسبب بيان قيادة أفريكوم (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا) الذي أعلن فيه عن نشاط عسكري مرتقب لقوات أميركية انطلاقا من تونس، في خلق حالة من الجدل في البلد وسط صمت تام للسلطات التونسية وكشف البيان أنّ وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، وقائد “أفريكوم” ستيفن تاونسند، قد تباحثا في مكالمة هاتفية “طرقا جديدة لمعالجة المخاوف الأمنية المتبادلة، وبينها استخدام لواء (وحدة عسكرية) للمساعدة الأمنية”. ونقل البيان عن تاونسند قوله إنه “بينما تواصل روسيا تأجيج نيران النزاع الليبي، فإن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا يشكل مصدر قلق متزايد”. وكانت واشنطن قد اتهمت روسيا، في وقت سابق، بإخفاء هوية ما لا يقل عن 14 مقاتلة حربية في قاعدة عسكرية بسوريا، قبل إرسالها إلى ليبيا، لدعم عناصر روسية تقاتل إلى جانب الجيش الوطني الليبي، على الرغم من إصرار روسيا على نفي صحة الاتهامات. وبعد 24 ساعة من نشر البيان المثير للجدل، نشرت “أفريكوم” توضيحا قالت فيه إنه “لن تكون لها مهام قتالية انطلاقا من تونس، بل ستكتفي بإرسال وحدة تدريب”. وأثار البيان الأول تحذيرات في الأوساط السياسية التونسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، من إقحام البلاد في “الصراعات الدولية والمسّ بسيادة أراضيها”، ورفض البعض ما اعتبروه “قبول تونس بتدخل أميركي وتكتمها عليه”. في حين تلازم السلطات الرسمية التونسية الصمت تجاه التصريحات الأميركية التي تضع تونس في قلب الحرب الليبية، وما تحمله من أخطار أمنية، لكن ما يلفت الانتباه أن كل التصريحات من قادة عسكريين وأن الاتصال مع وزير الدفاع التونسي تم من قائد عسكري مشرف على ملف أمني إقليمي وليس من وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أو من أيّ جهة سياسية أميركية. وتشهد تونس منذ سنوات وتحديدا بعد ثورة يناير 2011، نقاشات متكررة على فترات متباعدة لملف الحضور العسكري الأميركي في البلاد وحقيقته، وسط حديث عن وجود قواعد عسكرية لواشنطن جنوبي البلد، وفي محافظة بنزرت بأقصى الشمال، وهو ما نفته السلطات التونسية مرارا. وخلال جلسة استماع برلمانية، في نوفمبر 2017، قال وزير الدفاع حينها، عبدالكريم الزبيدي إنه “لا يوجد شبر من التراب التونسي خارج عن السيادة التونسية.. وكل الموجود هو في إطار تبادل عسكري مع عدد من الدول”. في حين تحدثت وسائل إعلام أميركية عن وجود قاعدة استطلاع جوية لواشنطن في القاعدة العسكرية سيدي أحمد، بمحافظة بنزرت، وتضم طائرات استطلاع من دون طيار، إلا أن العميد مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بتونس (حكومية)، يشكّك في مصداقية المعلومات المتداولة. ويقول بن نصر إن “القواعد العسكرية لا يمكن إخفاؤها، فلها مواصفات، منها رفع العلم والحراسة ووجود عسكريين ويكون لها امتيازات. الولايات المتحدة لها 117 قاعدة عسكرية في العالم معروفة ومنشورة عنها معطيات رسمية، وتونس ليست من بينها”. ويضيف أنه “لا توجد قاعدة عسكرية بتونس، فهذا ضد مبدأ الحياد الذي تقوم عليه السياسة التونسية”، موضحا أن “مجلس الأمن القومي، برئاسة رئيس الجمهورية التونسي، هو الجهة التي تتخذ أي قرار في هذا الشأن، ويكون ذلك معلوما للجميع”. اتهامات متكررة بوجود قواعد أميركية على الأراضي التونسية اتهامات متكررة بوجود قواعد أميركية على الأراضي التونسية وبشأن ما يتردد عن استخدام الأجواء التونسية في أعمال قتالية، يقول بن نصر إنه “لم يتم استخدامها وإن حصل ذلك، ولو عن طريق الخطأ، يتم التخاطب بشأنه رسميا عبر وزارة الخارجية، مثلما هو معمول به”. ويذكّر بأن تونس رفضت طلبا أميركيا، في سبتمبر 2011، بإرسال عناصر من “المارينز” لتعزيز حماية مقر سفارة واشنطن عندما هاجمها متظاهرون إسلاميون وأحرقوا سيارات بمحيطها. وتعتبر أوساط سياسية تونسية إن قائد أفريكوم وضع تونس، وخاصة الرؤساء الثلاثة، في موقف حرج؛ وأن سكوتهم عن هذه التصريحات سيعتبر اعترافا بالأمر الواقع، وهو ما يعطي مصداقية لتقارير سابقة تحدثت عن وجود عسكري أميركي في تونس ومساهمة في الحرب على الإرهاب، وهو ما حرصت حكومات سابقة على التقليل منه وربطه بتنسيق أمني لا يتجاوز المشورة والتدريب. من جانبه، يرى صلاح الدين الجورشي، كاتب ومحلل سياسي، أن الاقتراح الأميركي الوارد في بيان أفريكوم، الأول “ليس في محله، وغير مقبول، ولن تقبل به السلطات التونسية، ولا المعارضة”. ويضيف الجورشي أن “القيادة الأميركية اضطرت للتصحيح؛ لأنّها أدركت أن تونس لن تقبل به، وسيعطي رسالة سلبية، ولا يوجد له مبرر حتى الآن”. مختار بن نصر: لا توجد قاعدة عسكرية بتونس، فهذا ضد مبدأ الحياد الذي تقوم عليه السياسة التونسية مختار بن نصر: لا توجد قاعدة عسكرية بتونس، فهذا ضد مبدأ الحياد الذي تقوم عليه السياسة التونسية واعتبر المحلل أنه “إذا حصل ذلك فسيكون مثيرا للتوتر السياسي، خاصة مع وجود تيارات أيديولوجية معادية للولايات المتحدة”. ويردف الجورشي أن “أي تعاون مع واشنطن على مستوى التدريب والدعم المالي والجيوسياسي، تعتبره تونس شكلا من أشكال حمايتها وحماية أمنها” معتبرا أن بيان “أفريكوم” كان “رسالة أميركية لروسيا، وأيضا لبعض حلفاء موسكو في المنطقة (بشأن ليبيا جارة تونس)”. من ناحيته، رأى نور الدين الطبوبي، الأمين العام للمنظمة الشغيلة في تونس، أن التهديدات تفاقمت في تونس، بعد تورط جهات سياسية تونسية في دعم بعض الأطراف، في ظلّ تصاعد الأحداث في ليبيا، معتبرا أن الوضع أصبح أكثر خطورة بعد التدخّل المباشر لعدد من الدول، وبعد نقل الآلاف من الإرهابيين الذين منيوا بأشنع الهزائم في سوريا، لتحويل المواجهة من الجبهة السورية إلى الليبية ومنها إلى جبهات أخرى في إفريقيا لتقاسم مواقع النفوذ والهيمنة على الثروات. واعتبر الطبوبي أن هذا الوضع يمثّل تهديدا مباشرا لتونس على جميع الأصعدة السيادية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأن التهديدات تفاقمت بتورط جهات سياسية تونسية في دعم طرفي النزاع، بالإضافة إلى تصريحات قيادة القوات الأميركية في أفريقيا والتي كشفت عن خطّة لاستخدام الأراضي التونسية لدخول الولايات المتحدة الصراع الليبي مباشرة. وتحمّل أطراف سياسية تونسية الإسلاميين مسؤولية التطورات الجديدة التي تقود إلى توريط تونس في الملف الليبي لأنهم ساهموا بشكل أو بآخر في استدعاء التدخل الأميركي من خلال إلزام تونس بسياسة المحاور وفتح الطريق سياسيا أمام التدخل التركي، فضلا عن العلاقة القوية بإسلاميي ليبيا. وحمّل عبيد البريكي، أمين عام حركة تونس إلى الأمام، حركة النهضة مسؤولية ما يجري من خلال جر تونس إلى مربع المحور التركي القطري، معتبرا أن “النهضة هي الطرف الضالع في التدخل السافر في ليبيا وتحويل تونس إلى منطقة عبور”. في سياق آخر، يقول العميد بن نصر إن “التعاون مع الولايات المتحدة قديم ومتجدد، باعتبارها بلدا صديقا، وذلك في مجالات التدريب وحماية الحدود ومكافحة الإرهاب”، معتبرا أن “تونس لها امتيازات في الحصول على المعدات والتقنيات الحديثة من أميركا، باعتبارها دولة حليفة”. ويرى بن نصر أنه “من الطبيعي أن يحضر إلى تونس خبراء عسكريون للتدريب على الاستخدام والصيانة، ضمن صفقات المدرعات والطائرات”. وبشأن الجدل السياسي حول العلاقات العسكرية مع واشنطن والتحذيرات من المساس بالسيادة التونسية، يقول إن “موضوع السيادة تغيّر بشكل جوهري، فمنذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) هناك اتفاقيات أتاحت وجود قواعد عسكرية في بلدان أوروبية، فهل يمكن أن نقول إن تلك الدول فاقدة للسيادة (؟!)”. ويرى بن نصر أن “موضوع السيادة يُطرح الآن في تونس من رؤية كلاسيكية جدا، فكلما أبدت دول استعدادها للمساعدة على النمو والاستثمار وحماية الأمن، ضمن تمتين التعاون والتحالف، تُثار اعتراضات سياسية باسم السيادة”. أما الجورشي فيشدّد على أن “تونس تاريخيا واستراتيجيا من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وبُنيت السياستان الخارجية والدفاعية منذ عهد (الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة (1957 ـ 1987) على هذا الأساس”، موضحا أنه "عندما تصبح هناك قاعدة وقوات أميركية تتحرك في تونس، فذلك سيعتبر تدخلا من المنظور التونسي”. ويقدر حجم القوات العسكرية في تونس بنحو 36 ألف عنصر، ويُصنف جيشها في المرتبة 81 عالميا، بحسب تصنيف لسنة 2020، أصدره موقع “غلوبال فاير باور” المختص ويتعلق بـ 138 دولة. وكشفت وثائق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، نشرتها على موقعها الإلكتروني في يناير 2017، أن واشنطن كانت قلقة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، بسبب ضعف القدرات العسكرية التونسية. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :