بوادر تصعيد عسكري يهدد جهود التسوية في ليبيا | الجمعي قاسمي | صحيفة العرب

  • 10/10/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - ارتفعت لهجة التصعيد الكلامي والعسكري لميليشيات حكومة الوفاق الليبية بشكل مفاجئ، وسط تلويح بتحريك محاور القتال من جديد، بما يُقوض الهدوء الحذر الذي تشهده منذ اتفاق وقف إطلاق النار المُعلن في 21 أغسطس الماضي، بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والبرلمان الليبي. وساهم هذا التصعيد في تعكير أجواء التفاؤل التي تُخيم على المسار السياسي بعد الإعلان عن تفاهمات “بوزنيقة 2″، بين وفدي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، وما يُحيط بها من حراك إقليمي ودولي مُتواصل بحثا عن حل سياسي سلمي للأزمة الليبية قبل نهاية الشهر الحالي. وأعلنت ميليشيات “بركان الغضب”، الموالية لحكومة الوفاق، عن استنفار قواتها ووضعها في أعلى درجات الاستعداد والتأهب، وذلك في خطوة تؤكد استمرارها في التصعيد في ليبيا. وزعمت ميليشيات “بركان الغضب”، في بيان مُقتضب وزعته فجر الجمعة، أن هذه الخطوة جاءت بناء على معلومات وردت إليها، تفيد باحتمال شن الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، هجوما على عدد من المدن الواقعة غرب ليبيا، منها غريان وبني وليد وترهونة. وجاء في بيانها أن “قواتنا البطلة بدأت بالاستعداد والتجهيزات، تنفيذا لتعليمات وزير الدفاع العقيد صلاح الدين النمروش باتخاذ كافة التدابير لصد ومنع أي هجوم محتمل مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر”. وقبل ذلك، أعلن النمروش في تغريدات متتالية ليل الخميس – الجمعة، نشرها الحساب الرسمي لميليشيات “بركان الغضب” على موقع تويتر، أن لديه معلومات وردته من إدارة الاستخبارات العسكرية أعلمته فيها باحتمال قيام قوات الجيش الليبي بالهجوم على مدن بني وليد وترهونة وغريان. وأشار في تلك التغريدات إلى أن “التعليمات صدرت بالاستعداد التام وانتظار تعليمات القائد الأعلى (رئيس حكومة الوفاق فايز السراج) للتعامل بالرد على مصادر النيران في المكان والزمان المناسبين”. وأكد في المقابل عزمه على خرق اتفاق وقف إطلاق النار عندما قال “هناك وقف إطلاق نار حاليا برعاية المجتمع الدولي، لكن حفتر حاول أكثر من مرة اختراقه، … لن نتخلى عن سرت أو الجفرة أو أي شبر من ليبيا وماضون إلى إعادة السيطرة على التراب الليبي بالكامل”. ونفت مصادر عسكرية من الجيش الليبي، مزاعم النمروش حول تحريك وحدات باتجاه تلك المدن، ومع ذلك أعلنت ميليشيات حكومة الوفاق النفير في مدينة غريان ومحيطها، وكذلك في ترهونة. ورصدت مصادر إعلامية ليبية تحركات لأرتال من المدرعات والعربات المُصفحة، والسيارات رباعية الدفع على متنها العشرات من أفراد الميليشيات في مدينة غريان، إلى جانب سماع دوي إطلاق نار عشوائي ومجهول المصدر في مدينة ترهونة. وأثارت هذه التطورات مخاوف جدية ومشروعة من احتمال عودة ليبيا إلى مربع القتال بما يُفسد جهود التسوية الجارية حاليا على أكثر من صعيد، لاسيما أنها جاءت مباشرة بعد عودة النمروش من تركيا في زيارة غامضة التقى خلالها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار. وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حمّل الأسبوع الماضي تركيا وروسيا مسؤولية عرقلة العملية السياسية في ليبيا، محذرا من سورنة الصراع. ودفع ترابط هذه التطورات مع زيارة النمروش لتركيا، العديد من المراقبين إلى القول إن توقيت هذا التصعيد يشير بوضوح إلى أن خطط ميليشيات حكومة الوفاق لن تتغير، وأنها ليست في وارد الاستمرار في الالتزام بوقف إطلاق النار، أو الالتزام بأي حل سياسي قد يتم التوصل إليه في قادم الأيام. وبالتوازي مع ذلك، لم يتردد البعض من المتابعين للشأن الليبي في ربط هذه التطورات بدور تركيا التخريبي لجهود التسوية، ورأوا أن أنقرة تكون بهذا التصعيد قد بعثت عبر الميليشيات التي حولتها إلى أدوات وظيفية، برسائل إلى مختلف الأطراف الإقليمية والدولية تفيد بأنها لن تقبل بأي تسوية للأزمة الليبية تتجاهل مصالحها. وفي هذا السياق قالت سلطنة المسماري، النائب في البرلمان الليبي، في اتصال هاتفي مع “العرب” من مدينة بنغازي بشرق ليبيا، إن تلويح وزير الدفاع المفوض لحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش بالتصعيد العسكري “يأتي بعد عودته من تركيا مباشرة، وهذا يؤكد دور تركيا المشبوه في ليبيا الداعم دائما لحالة عدم الاستقرار وتقويض أي مساع للسلام والتسوية السياسية”. واعتبرت أن تركيا “تُحرك بذلك ميليشيات الوفاق حسب مصالحها لأنها قلقة على المعاهدة غير الشرعية التي أبرمتها مع فايز السراج، وبالتالي تدرك أن تغيير المجلس الرئاسي سيفقدها حليفا لن تستطيع تعويضه”. ويُشاطر هذا الرأي المحلل السياسي الليبي عبدالحكيم فنوش، الذي أعرب في اتصال هاتفي مع “العرب” عن اعتقاده أن “تصريحات ميليشيات الوفاق ومن يدعي صفة وزير الدفاع، تأتي ترجمة للخلافات في ما بين الأطراف المشكلة لما يسمى بالوفاق حول كيفية التعامل مع المسار السياسي والذي من الممكن أن يطيح ببعضهم وقد يفرض تصورا للسلطة بعيدا عن هيمنتهم السابقة”. وأضاف أن تلك التصريحات “تأتي بعد زيارة النمروش لتركيا وعودة رجب طيب أردوغان إلى تهريجه بتبيان عدائه لقائد الجيش الليبي، وفي كل الأحوال فإن هذه التصريحات يبتغى منها عرقلة المسار السياسي تماشيا مع رؤية الأتراك لكيفية إدارة الملف الليبي وعدم وصول أردوغان إلى صفقات ترضيه في أماكن عديدة”.

مشاركة :