الرياضيون يخوضون حروبا رمزية على حلبة المجتمع | | صحيفة العرب

  • 6/13/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان يجب أن نعيد التفكير في ماهية الرياضة فتجب العودة إلى رسالة مؤسس الألعاب الأولمبية بيير دي كوبرتين الذي تبنى أسلوب الرياضة الإنساني. فقيم كوبرتين تكونت على أساس خلق بيئة عادلة حيث يقوم العديد من الرياضيين باختلاف خلفياتهم بتحدي بعضهم بعضا تبعا لنفس القواعد ونفس الرغبة بالمشاركة في مجتمع الرياضة المتماسك. وعلاوة على ذلك، يجب ترك الكراهية والمسائل السياسية والعرقية في غرف خلع الملابس قبل الدخول إلى حلبة التنافس. في الواقع، ينبغي أن تكون هذه هي الروح الحقيقية حتى لو كان الأمر يبدو مثاليا. لندن - تسمح الاحتفالات الرياضية لكل مجتمع تمجيد نفسه من خلال تعزيز الهوية المشتركة من قبل المشاركين والمتفرجين. وإن كان الرياضيون يتنافسون من أجل شرفهم وسمعتهم، فهم في الوقت نفسه، يمثلون أعلامهم وبلدانهم ليضمنوا أن الناس سوف يتذكرون جنسياتهم بعد عدة سنوات. ويذكر التاريخ دورة الألعاب الأولمبية الحادية عشرة في الأول من أغسطس والتي افتتحها الزعيم النازي أدولف هتلر عام 1936. صدحت الأبواق الموسيقية التي كان يقودها المؤلف الموسيقي ريتشارد شتراوس معلنة عن وصول الدكتاتور إلى الحشد الجماهيري الألماني الضخم. ومثل الولايات المتحدة الأميركية، ذاك العام، ثمانية عشر رياضيًا أسود. سيطر الرياضيون الأميركيون من ذوي الأصول الأفريقية على ألعاب المضمار وألعاب القوى الميدانية في ضربة قاصمة لأسطورة التفوق الآري النازية. حينها، وبحسب أحداث فيلم “رَيس” (السباق) الذي صورته المخرجة الألمانية ليني ريفينشتال، يصر جوزيف غوبلز، وزير الدعاية في العهد النازي، على إيقاف التصوير، فهو لم يرغب في أن يشاهد العالم الرياضيين الألمان، الذين يمثلون نموذج القوة والفتوة والشباب الألماني الخارق الذي كان يروج له النازيون، وهم يُهزمون على يد رياضي أميركي من أصل أفريقي. وفي سياق آخر، منعت الرقابة، التي فرضها غوبلز على الصحافة، المراسلين الألمان من التعبير عن تحيزهم بحرية، لكن صحيفة نازية كبيرة أعربت عن احتقارها للرياضيين السود بالإشارة إليهم باعتبارهم “مجرد أشخاص مساعدين”. وقد أبرز التمييز الاجتماعي والاقتصادي المستمر الذي واجهه الرياضيون السود الحائزون على الميداليات لدى عودتهم للوطن المفارقة الساخرة لفوزهم الذي حققوه في ألمانيا العنصرية. خاض الرياضيون السود، ولا يزالون، على مدى التاريخ حروبا رمزية. وتحولت الحلبات الرياضية إلى ميادين معارك توثق الذكريات الاجتماعية الوطنية. مقاومة العنصرية مارادونا مثال للثورة على الفقر مارادونا مثال للثورة على الفقر حرص الفرنسي ماركوس تورام، مهاجم بوروسيا مونشنغلادباخ على التضامن مع المواطن الأميركي جورج فلويد، الذي توفي خنقاً تحت أقدام شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية، وذلك عقب تسجيله هدفاً ضد يونيون برلين، ضمن منافسات الجولة الـ29 لبطولة الدوري الألماني لكرة القدم. واحتفل نجل الظهير الأيمن الفرنسي السابق ليليان تورام، بالهدف برسالة سياسية في مواجهة العنصرية، حيث ركع على رجل واحدة وأحنى رأسه دعماً لحملة حركة Blacklivesmatter (أرواح السود مهمة)، التي انطلقت مجدداً إثر مقتل جورج قلّد تورام (22 عاماً) حركة لاعب كرة القدم الأميركية كولين كايبرنيك في عام 2016، حينما كان يلعب مع فريق سان فرانسيسكو، حيث فضّل الركوع أثناء عزف النشيد الوطني الأميركي بدلاً من الوقوف احتراماً، وذلك احتجاجاً على إطلاق الشرطة النار على رجال سود غير مسلحين وقتها. ونشر الحساب الرسمي لنادي بوروسيا مونشنغلادباخ صورة احتفال تورام على طريقة كولين كايبرنيك مع تعليق مقتضب قال فيه “لا حاجة للتفسير”. وتداولت عشرات المواقع والحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي صورة ولقطة احتفال تورام، من بينها موقع GOAL “غول” الشهير الذي علّق “لقد جلس ماركوس تورام على ركبتيه.. أكثر من كرة القدم”. ولقيت طريقة احتفال تورام إشادة واسعة من متابعي كرة القدم حول العالم، معتبرين أنها تحمل دلالات واضحة حول ضرورة التصدي لظاهرة العنصرية ضد السود. بالإضافة إلى صنع مشاهير وأساطير كانوا في بعض الحالات بمثابة الأنبياء لأوطانهم يمكن للرياضة أن تهب السلام وأثار كايبرنيك عام 2016 ضجة واسعة في الولايات المتحدة، بعدما رفض الوقوف احتراماً للنشيد الوطني الأميركي قبل إحدى المباريات، احتجاجاً على إطلاق الشرطة النار على رجال سود غير مسلحين. وبرّر اللاعب آنذاك عدم وقوفه احتراماً للنشيد قائلاً “إن ما قام به نوع من الاحتجاج على الظلم الذي يطال الأميركيين من ذوي البشرة السوداء”، مضيفاً “هناك أموات في الشوارع الأمريكية والجناة أحرار”. وبعد حادثة مقتل جورج فلويد أُعيد على نطاق واسع تداول صورة كايبرنيك الشهيرة، بينما نشر نجم كرة السلة الشهير ليبرون جيمس الصورة عبر حسابه في تطبيق إنستغرام وقد تم تركيبها إلى جانب صورة الشرطي الأميركي لحظة دوسه بركبته على رأس جورج فلويد. وأرفق جيمس نجم لوس أنجلس ليكرز، مع الصورة تعليقاً أكد فيه أن السود يتعرضون على الدوام لاضطهادات وتصرفات غير مقبولة. مضيفاً إنهم مطارَدون كل يوم، ولا يمكن أن يتحرك أحد بِحرية. يذكر أن ماركوس تورام هو نجل نجم منتخب فرنسا السابق ليليان تورام، الذي يعتبر أحد أبرز الناشطين المعروفين في مجال مكافحة العنصرية على مستوى العالم، وقد أنشأ بعد انتهاء مشواره مؤسسة تحمل اسمه لمكافحة العنصرية والتمييز. ووجّه تورام انتقادات لاذعة لنجوم الرياضة الذين لا يحاربون العنصرية ضد السود بشكل واضح، واختص أسطورة الكرة البرازيلية بيليه، متهماً إياه بالتقاعس عن الوقوف ضد العنصرية. وكان النجم الانجليزي رحيم ستيرلينغ، مهاجم فريق مانشستر سيتي، أعرب من جانبه عن تضامنه مع المحتجين ضد العنصرية في بلاده. وقال ستيرلينغ “المرض الوحيد في الوقت الحالي هو العنصرية التي نكافحها، فهو مستمر منذ زمن طويل”. وشدد اللاعب الإنجليزي (25 عاما)، على ضرورة بذل جهود كبيرة لإيجاد حل لظاهرة العنصرية، مثل الجهود المبذولة لإيقاف جائحة كورونا. وتابع قائلا “هذا ما يفعله المتظاهرون، هم يحاولون الوصول إلى حل لإيقاف الظلم الذي يرونه، وسيستمرون في مظاهراتهم بشكل سلمي ودون إلحاق أضرار بالممتلكات العامة والخاصة”. ومنذ أيام تشهد المدن البريطانية مظاهرات ضد العنصرية. فرصة للسلام دروغبا ورفاقه صنعوا السلام لوطنهم دروغبا ورفاقه صنعوا السلام لوطنهم بغض النظر عن جنسهم، لونهم، أعمارهم، جنسياتهم أو دينهم، في أيامنا هذه تعتبر الرياضة طريقة يستخدمها الناس للتعبير وهي وسيلة هامة لهزيمة كل شكل من أشكال العنصرية والتمييز بين الجنسين، وبالتالي لها القدرة على لعب دور هام في خلق مجتمع شامل ومستدام. الرياضة تتجاوز المسائل السياسية، الحروب، والخلافات، أو على الأقل هذا ما ينبغي عليها القيام به. يمكن للرياضة أن تحمل رسائل؛ وبالإضافة إلى صنع المشاهير والأساطير الذين كانوا في بعض الحالات التاريخية بمثابة الأنبياء لأوطانهم يمكن للرياضة أن تهب السلام للأوطان، إذ تقف الرياضة على الضد من الاقتتال، ونشوب الحرب بين الأمم والشعوب، وتعتبر وسيلة تعبر عن رغبة أبناء الأرض في أن يسود السلام في ما بينهم، وفي توقف الحروب والصراعات التي تستنزف طاقاتهم، وتحطم أحلامهم بشكل لا نظير له. فلم يمكن لأحد أن يعتبر ستاد المريخ في أم درمان في السودان واحدا من أعظم ملاعب كرة القدم في العالم. ولكن هذا الملعب الصغير – المعروف بالقصر الأحمر– شهد واحدة من أكثر القصص إثارة في تاريخ الكرة. التاريخ: 8 أكتوبر 2005. كانت حسابات التأهل لنهائيات بطولة كأس العالم 2006 بسيطة وواضحة. فاذا فازت الكاميرون في مصر، ستتأهل لنهائيات البطولة للمرة السادسة. أي نتيجة أقل ستسمح لساحل العاج – التي كانت تواجه السودان والتي كان الفرق بينها وبين الكاميرون نقطة واحدة فقط – بتخطي الكاميرون والتأهل للمرة الأولى. كان المنتخب العاجي آنذاك يمثل الجيل الذهبي للكرة في البلاد. كان يقود المنتخب ديديه دروغبا وكان يضم في صفوفه لاعبي الدوري الانجليزي الممتاز كولو توريه وإيمانويل إيبوي وديديه زوكورا، أما يايا توريه، الذي كان في بداية مشواره الدولي، فقد كان من دكة الاحتياط. كان منتخب ساحل العاج شعلة الأمل الوحيدة بوجود فريق لم تمنعه أعراقه المختلفة عن عشق قميص المنتخب، ليقطع وعد التأهل لمونديال ألمانيا 2006. ولأول مرة، وضع القوم السلاح وأعلنوا هدنة عمرها 90 دقيقة، يوم 8 من أكتوبر 2005، كان تاريخيًا، حيث جلست ساحل العاج بكل أطيافها لمشاهدة منتخب بلادها يتأهل للمونديال لأول مرة. ومحاطًا بزملائه بالفريق وأمام الكاميرا جثا دروغبا على ركبتيه وبقية لاعبي الفريق ويقول “يا رجال ونساء ساحل العاج، في الشمال والجنوب والوسط والغرب، أثبتنا اليوم أن بإمكان العاجيين أن يتعايشوا في سبيل هدف مشترك، وعدناكم بأن الاحتفالات ستوحد الشعب. واليوم نلتمسكم: يجب ألا ينحدر بلدنا الإفريقي الغني إلى الحرب. أرجوكم، ألقوا أسلحتكم وأجروا انتخابات». انتشر تسجيل لخطبة دروغبا على نطاق واسع. لم يتغير الوضع في ساحل العاج بين ليلة وضحاها، ولكن الأسابيع والأشهر التالية شهدت تغيرا دراماتيكيا، إذ اقترب جانبا الصراع من طاولة المفاوضات ووقعا في نهاية المطاف على اتفاق لوقف اطلاق النار. الترقي الاجتماعي لم يكن لبيليه موقف في مقاومة العنصرية، لكنه مثل في بلاده أيقونة ومثالا لثورة الفقراء من خلال الرياضة. وطبقًا للأبحاث، فالكثير من الرياضات تمثل للفقراء، أملًا في الثراء السريع، وتغير حال أسر بأكملها إذا بزغ فيها نجم، كما أن الفقراء يجدون في النجم الصاعد من القاع شيئًا الأمل. نجاحاته تجعل الحياة الصعبة أكثر قبولًا. يمكن فهم هذا المعنى في أميركا اللاتينية، من خلال جنون الناس بكرة القدم، وخصوصًا بنجمين هما مارادونا وبيليه. وحسب التقارير فالبرازيل بها مليونا لاعب كرة قدم محترف، غير الهواة واللاعبين غير المسجلين. كل واحد من هؤلاء يطمح أن يكون بيليه. هذا العشق للاعبين، لا يبدو أنه يتعلق بمهاراتهم الأسطورية، ولا بحب كرة القدم فحسب. ففي حوار مع جريدة الدايلي ميل، يقول الصحافي الأرجنتيني هوراشيو غارسيا عن الفرق بين ميسي ومارادونا “ميسي لاعب كرة قدم رائع، ومحبوب في كل العالم، إلا أن الأرجنتينيين يجدون صعوبة في حبه، لأنه عاش أغلب حياته في إسبانيا، وليس له علاقة بفقراء الأرجنتين كمارادونا”. ويضيف غارسيا “أما مارادونا فهو أيقونة، والكل يعبدونه هنا، مارادونا هو الأرجنتين، ويحبه الناس أكثر عندما يحكي قصة أبيه الذي كان يجبره على العمل الشاق وهو طفل، ليأخذ ما يكسبه الابن ويسكر به”.

مشاركة :