تعيش المرأة السورية في ظل ثقافة مجتمعية تحرمها حقها في المساواة مع الرجل على كافة الأصعدة، وتأتي التجربة الثقافية والمعرفية التي تتخذها بعض الجمعيات النسوية المستقلة، لتمكن المرأة وتوسع دورها وتغير صورتها النمطية، وفي هذا المجال نجد جمعية “تاء مبسوطة” السورية المستقلة، وهي من الجمعيات النسوية الرائدة، وتعد ورشة كتابة القصة القصيرة أحد نشاطاتها المتعددة. احتفلت جمعية “تاء مبسوطة” منذ أيام بصدور مجموعتها القصصية الأولى “ليلكي غامق” وهي عبارة عن مجموعة قصص قصيرة جاءت نتاجا لورشة الكتابة السردية التي أقامتها الجمعية في فترة سابقة من العام 2019، وصدرت بالتعاون مع الهيئة العامة السورية للكتاب ممثلة بالدكتور ثائر زين الدين. أشرف على الورشة الروائي والشاعر السوري خليل صويلح، الذي سبق وأن حصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الأدب، عن روايته “اختبار الندم” (2018)، وهي رواية رصدت الواقع السوري الحالي إبان الحرب، وهي ليست الجائزة الأولى التي يحصل عليها الكاتب فقد سبقتها بسنوات روايته “وراق الحب” 2009 التي توجت بجائزة نجيب محفوظ ضمن المسابقة التي تنظمها الجامعة الأميركية في القاهرة. تجارب أدبية تأتي مبادرة “تاء مبسوطة” لإقامة ورشة الكتابة السردية كهدف من أهداف تمكين المرأة على صعيد الثقافة والمعرفة، في محاولة جادة للابتعاد عن الصورة النمطية التي وسمت بها المرأة وكرستها إلى حد ما الدراما السورية، مقيدة إياها بالأدوار المنزلية وبعض المهن النسوية، وهي ليست الورشة الأولى للجمعية على صعيد الثقافة والكتابة، فقد سبق لها وأن أقامت ورشة للكتابة المسرحية، أشرفت عليها الأستاذة ميادة حسين وكانت نتيجتها أيضا كتابا، بالإضافة إلى ورشة كتابة السيناريو، وورشة الصحافة التي روعي فيها موضوع الجندر في التغطية الصحافية خلال الحروب. وتحتوي “ليلكي غامق” على عشر قصص، كتبتها تسع متدربات، تراوحت كل قصة ما بين الصفحتين والخمس صفحات. تقول الناقدة ديانا جبور، رئيسة مجلس إدارة جمعية “تاء مبسوطة”، عن المتدربات “كن شغوفات ومتحمسات ومخلصات وصادقات، سنكتشف بعد قراءة القصص قربهن من محيطهن الذي نقلنه بتكثيف إبداعي إلى المتلقي”. شاركت في كتابة المجموعة سيدات سوريات، بعضهن سبق وأن كتبن في الأدب ونشرن قصصا مثل سلوى زكزك، وهو الاسم المستعار الذي تستخدمه الكاتبة لتنشر يومياتها السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي يوميات تروي بشكل تفصيلي ودقيق تفاصيل الحرب على لسان سوريين وسوريات يعشن تداعياتها، شاركت الكاتبة بشكل خاص بنشر قصتين ضمن المجموعة، الأولى بعنوان “النوم في تابوت” والثانية بعنوان “فائض عن الحاجة“، وسلوى أكبر المشاركات سنا في الورشة، سبق وأن صدرت لها مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان “المرأة الملونة” في العام 2008، أما الثانية فقامت بنشرها مطلع هذا العام 2020، أي بعد انتهاء ورشة الكتابة بزمن، ولكن قبيل صدور المجموعة القصصية المشتركة، وكانت بعنوان “يوم لبست وجه خالتي الغريبة”، وهي عبارة عن مجموعة قصص تروي حكايات النساء في زمن الحرب. كما شاركت في الورشة روعة سنبل بقصة بعنوان “في حياة أخرى” وقد سبق لها أن حازت مجموعتها القصصية “صياد الألسنة” على المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها العشرين، ونشرت لها دار «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان مجموعتها القصصية المعنونة بـ”زوجة تنين أخضر وأحلام ملونة أخرى”. كتابات صادقة وشاركت بالورشة متدربات سبق وأن كانت لهن مشاركات بسيطة في كتابة القصة القصيرة، مثل تقى البوش، صاحبة قصة “قف وعيناك في الأرض”، وهي أقصر قصص المجموعة وأكثرها تكثيفا واختزالا، لدرجة أنها تشبه النثر في الكتابة، والمشهد السينمائي في التخيل، وحاولت الكاتبة عبر قصتها نقل صورة لمداهمة شرسة وعملية اغتصاب تتعرض لها سيدة برفقة رجل. أما أصالة القسام خريجة كلية الآداب فشاركت بقصة “لو أنني سألتها عن الطقس؟”، ويمكننا اعتبارها قصة نسوية بامتياز، دون نواح أو بكاء، وتحكي فيها عبر مشهدية شبه سينمائية حكاية فتاة “عطشى للحب، تستجدي ظل رجل يقيها شمس الصيف الحارقة”. فيما شاركت بعض المتدربات ممن لم يسبق لهن أن كتبن في مجال القصة؛ مثل ميليا حسن، وهي سيدة عملت لسنوات طويلة في حياكة الألبسة، ثم اتجهت إلى القراءة ومن ثم إلى الكتابة بتشجيع من عائلتها (بناتها) وقدمت قصة بعنوان “فساتين وستائر”، حاولت عبرها سرد تجربة إنسانية صادفتها أثناء عملها في الخياطة، مقدمة لمحة تفصيلية أنيقة عن تلك المهنة التي زاولتها قرابة ثلاثين عاما من حياتها، والملاحظ أن الكاتب خليل صويلح قد اقتبس منها عنوان المجموعة “ليلكي غامق”. وقدمت فاطمة سيد محمد قصة بعنوان “خمسة أيام”، حاولت من خلالها سرد أحداث قصة حقيقية حصلت في مدينة تدمر الأثرية وتحديدا في نقطة عسكرية بالقرب من المطار، حين حاصر داعش لمدة خمسة أيام مجموعة من العساكر السوريين، الملفت في القصة أن الكاتبة جعلت من حسن، وهو أحد الجنود المحاصرين، صاحب القصة وراويها، ويبدو أن السرد جاء على هذا الشكل في محاولة من الكاتبة لتوخي الصدق، فالقصة حقيقية كان قد رواها حسن لفاطمة لتقوم بكتابتها أو تدوينها. وكتبت رنا طه خريجة كلية الحقوق، والتي سبق أن تخرجت من معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، في قصتها “فشل”، حول محام يعمل مستشاراً قانونياً لمنظمة تناهض العنف ضد المرأة، ولكن رغم ذلك يتعامل مع زوجته بعقلية شرقية بحتة، فهو لا يكتفي بتدميرها والقضاء على مستقبلها وسمعتها، بل ويستثمر ذلك في الحصول على لقب سفير للنوايا الحسنة وأكبر مدافع عن حقوق الإنسان، كما تشير إلى ذلك نهاية القصة. أما فاطمة تلمساني فتكتب في قصتها “اللجوء إلى الحالة صفر”، عن تجربة سيدة مع مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدا فيسبوك، كمكان ينقلها إلى العالم الخارجي بعيدا عن عالمها الواقعي، فهي سجينة بيت سجانه زوج، لتنهي حياتها بالموت شنقاً، وتعتبر تلك القصة واحدة من آلاف القصص التي تعيشها المرأة قهراً وظلما ًفي حالات كثيرة، وتموت دون أن يعلم أحد بسبب موتها الحقيقي. وتحاول براءة خضرة في قصتها “لبلاب”، وهي أطول قصة في المجموعة تقريبا، أن تبتعد عن المواضيع النسوية وتتجه إلى الرمزية لتكون مسرحا لأحداثها، ولكنها عبر تلك القصة تروي واقعا ملموسا وحقيقيا تعيشه بعض البلدان وخاصة البلدان العربية.
مشاركة :