من الخطأ أن يسعى الإنسان لتحقيق هدف جميل بوسيلة سيئة، ومن المؤسف أن تسيء أعمال فردية إلى مجتمع كامل. أميركا التي قامت على التنوع واستطاعت أن تكون بلد المؤسسات والعلوم والإدارة والتنوع، وأن تكون رائدة في هذه المجالات تتعرض سمعتها الدولية للاهتزاز بسبب تصرفات فردية من قبل بعض أفراد الشرطة يستخدمون أساليب عنف مفرطة، وتصرفات فردية من متظاهرين يطالبون بالعدالة بوسائل مرفوضة مثل التخريب والسرقة والاعتداء على أفراد الشرطة. سلوك بعض أفراد الشرطة يسيء، وسلوك بعض المتظاهرين يسيء إلى سمعة أميركا، وقد يؤدي إلى اتخاذ قرارات قد تكون عبارة عن ردود فعل متسرعة قد تساهم في إطفاء الحريق ولكن لا تعالج أسبابه. خذ على سبيل المثال أن مدينة منيابولس بدأت تفكر في إعادة هيكلة الشرطة وخفض الميزانية وابتكار أساليب وأنظمة جديدة لحفظ الأمن. ومن يدري قد يصبح عمل الشرطة مستقبلاً بيد الروبوتات، ولو حصل هذا فهو حل آلي وليس اجتماعياً أو ثقافياً لمعضلة العنصرية. هذه معضلة مستمرة تعاني منها أميركا ولم تتمكن حتى الآن رغم تقدمها في مجالات كثيرة من التوصل إلى حل نهائي لها. العنصرية في أميركا وفي غيرها من الدول قضية ثقافية وتربوية وإعلامية. هذه القضية أو المعضلة لا تنتهي بمجرد صدور قرار يجرمها أو إعادة تنظيم جهاز الشرطة. الحلول تأتي من خلال منظومة تعالج الأسباب، وتتعامل مع الممارسات العنصرية بالقانون، وتبعد القضية عن المنافسات الحزبية السياسية. هذه القضية لا تنتهي إلا بالتعامل معها كقضية وطنية تشكل خطراً على وحدة الوطن، وخطرها الأكبر يتمثل في تحويلها إلى ميدان للاستغلال السياسي مما يؤدي إلى انقسام وطني. في الظروف الصعبة التي مرت بها أميركا خلال التظاهرات المطالبة بالعدالة والسلام، كان الشعب الأميركي ينتظر تجاوز الخلافات السياسية بين الحزبين السياسيين وتوحيد الفكر والجهود لمكافحة العنصرية. هذا التضامن لم يتحقق حتى الآن لأن الانتخابات الرئاسية هي صاحبة الكلمة الأعلى. أميركا بلد المؤسسات والعلوم والإدارة لن تعجز إذا تجاوزت انقساماتها الحزبية عن إيجاد رد فعل علمي وثقافي ونظامي وإداري لا يعالج أعراض المرض بالمسكنات بل يشخص الأسباب ويعالجها لمصلحة الجميع وحقوق الجميع. الطريق إلى تطبيق القانون يمر عبر المحاكم وليس من خلال التخريب والسرقات وإهانة الأجهزة الأمنية.
مشاركة :