منذ سنوات طويلة وقضية الخدمات الصحية لم تعالج جذريا لا على مستوى الجودة ولا على مستوى معادلة الطلب بالعرض. ومازالت المشكلة قائمة رغم حرص القيادة السعودية على تخصيص البلايين لميزانية وزارة الصحة. وتعتبر ميزانية الصحة والتعليم هي الأعلى نسبيا مقارنة بميزانية الخدمات الأخرى في أي وزارة. ورغم تغيير القيادات على مستوى الوزراء أو الوكلاء والنواب في وزارة الصحة إلا أن القضية أكبر من تغيير مسؤول. وإن المشكلة قد كبرت وتفاقمت نتيجة تراكمات الماضي ونتيجة المعوقات التي واجهت وزارة الصحة سواء في الحصول على الاعتمادات المالية أو تعثر المقاولين أو صعوبة الحصول على الكفاءات السعودية المؤهلة أو الأجنبية صاحبة الخبرة المتميزة. وتعثرت العديد من المشاريـع الصحية وعلى وجه الخصوص بسبب تعثر مقاولي البناء والتجهـيز لأسباب عديدة. ومن المعوقات التي تواجه قطاع الصحة هو عدم توفر الكفاءات السعودية المؤهلة طبيا ومهنيا وفنيا. والحقيقة هناك جهـود بذلت من قبل الوزراء السابقين والمسؤولين السابقين. والقضية من وجهة نظري ليست فشل الإدارة والقيادة نظرا لضعف كفاءتها، وإنما السبب الرئيسي هو تراكمات الماضي والمعوقات التي واجهت تقديم وتطور الخدمات الصحية مما ساهمت في عدم قدرتهم في معالجة المشكلة. ولهذا فإنني أتوقع أن أي قيادة جديدة لن يكون لديها عصا سحرية لمعالجة المشكلة حالا. ولن أتوقع أن فكرة خصخصة القطاع الصحي الحكومي هي الحل. وأتمنى عدم الإسراع في اتخاذ أي قرار في هذا الخصوص بدون دراسة متأنية والاستفادة من تجربة خصخصة الإدارة والتشغيل في المستشفيات الحكومية قبل عقود من الزمن، حتى وإن كان فكر المسؤول الأول في وزارة الصحة فكرا اقتصاديا، فمن وجهة نظري الشخصية أن الخدمات الصحية المجانية هي حق من حقوق كل مواطن موظفا كان أو عاطلا وهي مسؤولية الدولة. والأساس في الخدمة الصحية أن تقدم مجانا للمواطنين وهي حق من حقوقه من الضروري توفيرها.. ثانيا إن فكرة خصخصة المستشفيات الحكومية فكرة قديمة تم تنفيذها من خلال تخصيص الإدارة والتشغيل ولكن للأسف لم تنجح بل ساء مستوى الخدمات الصحية بسبب لجوء شركات الإدارة والتشغيل إلى الاستغناء عن أفضل الكفاءات والتعاقد مع أرخص الأطباء والممرضين والفنيين بصرف النظر عن الكفاءة. ولو تجاوزنا خصخصة الإدارة وذهبنا إلى فكرة خصخصة الملكية الحكومية في المستشفيات والمراكز الصحية فإن حجم الضرر سيكون أكبر لأن جزءا من التكلفة سيضاف على قيمة الخدمة وعندها ستعمل شركات الخدمات الصحية على رفع الأسعار على شركات التأمين الصحي، وبالتالي شركات التأمين الصحي سترفع الأسعار على الجهات المؤمنة لديها أو سترفع الأسعار على المواطنين مباشرة. ولهذا فإن فكرة خصخصة ملكية المستشفيات الحكومية فكرة غير ناجحة من وجهة نظري. وإن تجارب الدول التي تقدم العلاج مجانيا لمواطنيها وللمقيمين فيها مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها في أوروبا وكندا تدفعني إلى المطالبة باستمرار مجانية العلاج لجميع المواطنين سواء من خلال شركات التأمين الصحي أو مباشرة. إن فكرة تعميم التأمين الصحي لجميع المواطنين فكرة جيدة للعلاج في المستشفيات الخاصة والعامة. وهي فكرة ناجحة لكنها لن تعالج المشكلة الرئيسية وهي توفر الخدمات الصحية لأن هناك عجزا كبيرا قد يصل إلى حوالى 50% من حجم الطلب على الخدمات الطبية سواء كان في توفر الأسرة الطبية أو عدد الأطباء في بعض المناطق. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أطالب وزارة الصحة بتشجيع إنشاء الشركات المساهمة الصحية لإنشاء كيانات خدمة صحية ضخمة ومستشفايات ومراكز صحية على مستوى المملكة لأن الاستثمارات الفردية تواجه معوقات كبيرة تعصف بها أحيانا أو تسيئ إلى جودة الخدمة لضعف التمويل وقلة الخبرة، وعدم توفر الكفاءات. إن عدم توفر الكفاءات قضية أخرى تحتاج إلى دراسة لأن عدد الخريجين السعوديين في مجال الطب ضعيف جدا يدفعنا إلى مضاعفة الطاقات الاستيعابية لكليات الطب في الجامعات السعودية وتوجيه جزء كبير من الابتعاث لدراسة الطب والعلوم الطبية. إن أزمة توفر الأسرة الطبية في العناية المركزة أو الاسرة الطبية للعلاج أزمة كبيرة لا يعرفها إلا من يكابدها ويعيشها. وأخشى أن ننشغل في التنظير وطرح أفكار والمشكلة تتفاقم وتحتاج إلى حلول جذرية..
مشاركة :