الجزائر- يسعى قائد هيئة أركان الجيش الجزائري، الجنرال سعيد شنقريحة، لتحييد الجيش عن التجاذبات السياسية في خطوة لم يذهب فيها سابقو الرجل الذين تداولوا على قيادة هيئة الأركان حيث يثير نفوذ القوات العسكرية في الجزائر في الشأن العام جدلا لا ينتهي. وأكد قائد أركان الجيش في تصريح أدلى به لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، بأن “الجيش لا يتدخل في السياسة، وأن تكوينه يجعل منه محايدا عن الأحداث السياسية”. وأوضح بأن “تكوين الجيش بشكل احترافي يجعله بعيدا عن السياسة، ولا يسمح له بالتدخل فيها”، في إشارة توحي إلى شعور قيادة المؤسسة بثقل الجدل الذي أثير حول دورها في تحديد مخرجات الأزمة التي عاشتها البلاد، خلال مرحلة الفراغ المؤسساتي التي أفرزها تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. الجيش في الجزائر يبقى هو حجر الزاوية في إدارة الملفات الكبرى للبلاد سواء من خلال الواجهة أو من خلف الستار ويرى مراقبون أن السلطة الجديدة في البلاد بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، التي اتجهت لمحو آثار مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية التي هيمنت فيها قيادة الجيش على المشهد السياسي، ودفعت حينها بكل قوة من أجل فرض تصوراتها لتطويق الأزمة السياسية التي أفرزتها الاحتجاجات الشعبية، تريد فتح آفاق جديدة في علاقة الجيش بالمؤسسات الأخرى للدولة. ولفت مقال الصحيفة الأميركية إلى أن “رئيس الجمهورية يلتقي برئيس هيئة الأركان مرتين في الأسبوع لمناقشة الأوضاع العامة”، وهي الإشارة التي توضح دقة وحساسية العلاقة بين الرئاسة وقيادة الأركان، لكنه لم يشر إلى طبيعة الملفات والصلاحيات التي يحوزها الطرفان. وجاء تصريح قائد أركان الجيش الجزائري في أعقاب زيارة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، للجزائر خلال الأسبوع الماضي، لأول مرة منذ الزيارة التي قام بها سلفه دونالد رامسفيلد العام 2006، الأمر الذي أدرجها في خانة الرسالة السياسية من قيادة البلاد للرأي العام الأميركي، وحملة علاقات عامة تمهد المناخ لتعاون عسكري بين الطرفين في المستقبل القريب. وحملت زيارة إسبر، للجزائر ولدول المغرب العربي، دلالات عميقة حول اهتمام واشنطن بالمنطقة وإحيائها لطموح تفعيل التعاون بينها وبين دول المنطقة، وإمكانية نقل مقر قاعدة أفريكوم إلى المنطقة، بدعوة التحكم الأمني في القارة السمراء لاسيما في منطقة الساحل والصحراء، نظرا لتمدد نشاط الجماعات الجهادية والتهديدات التي تحملها للمصالح الكبرى لأميركا ولدول المنطقة. وتتجه الجزائر المنهكة بأزمات سياسية واقتصادية متراكمة، إلى مراجعة عقيدة جيشها، برفع الحظر الدستوري عليه خارج حدوده الجغرافية، بداية من مطلع شهر نوفمبر المقبل، عندما يعرض الدستور الجديد الذي أعاد ترتيب مهام المؤسسة العسكرية على الاستفتاء الشعبي. السلطة الجديدة في البلاد بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، التي اتجهت لمحو آثار مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية التي هيمنت فيها قيادة الجيش على المشهد السياسي ولا يستبعد مراقبون، أن يكون مضمون التصريح الذي أدلى به الجنرال شنقريحة، رسالة للإدارة الأميركية حول تكيف عقيدة الجيش الجزائري مع التقاليد الاحترافية للجيوش المتطورة، لتكون “عربون” توافق بين الطرفين، حول التفرغ للمسائل العسكرية والأمنية، والابتعاد عن التجاذبات الداخلية. ويبدو أن القيادة الجديدة، بصدد التخلص من تركة القائد السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، الذي ورط المؤسسة في تفاصيل الأزمة السياسية للبلاد، لاسيما عندما أصبح يخاطب الجزائريين بشأن الاحتجاج والعملية السياسية. ولا يستبعد أن يكون وزير الدفاع الأميركي، الذي بحث فرص التعاون العسكري الاستراتيجي في المنطقة بين بلاده وبين الجزائر، قد لفت انتباه نظرائه الجزائريين إلى ضرورة التحلي بالتقاليد الاحترافية بين الجيشين. ومع ذلك يبقى الجيش في الجزائر، هو حجر الزاوية في إدارة الملفات الكبرى للبلاد، سواء من خلال الواجهة أو من خلف الستار، حيث يشار إليه في تحديد مسارات الدولة في مختلف المحطات، الأمر الذي حوّل قياداته وضباطه السامين إلى مصدر استياء المعارضة وغضب المحتجين السياسيين.
مشاركة :