اختلال الميزانية العامة يجبر الجزائر على السعي لتعديله | صابر بليدي | صحيفة العرب

  • 6/17/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اتسع الخلل في التوازنات المالية الجزائرية نتيجة تقلص عائدات الطاقة بشكل قياسي لتجد حكومة عبدالمجيد تبون نفسها مضطرة إلى الانحناء لضرورة القيام بإصلاحات عميقة على الميزانية تقطع مع النمط القديم في تسيير وتنفيذ بنودها، في محاولة للاستجابة لمطالب الحراك الشعبي المتعلقة بالإسراع في إصلاح الخراب الاقتصادي. الجزائر - كشفت الحكومة الجزائرية عن نواياها لإصلاح النمط القديم في التعامل مع الميزانية العامة السنوية عبر مشروع قانون يهدف إلى تصحيح الاختلالات المالية المسجلة في الوقت الحاضر. وخلال جلسة استماع أمام لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، أعلن عبدالعزيز فايد، المدير العام للميزانية في وزارة المالية أن هناك مشروعا لإصلاح الميزانية سيتم العمل به بحلول 2022. وهذا التحرك يأتي في سياق مطالب الحراك الشعبي التي تضغط منذ إسقاط نظام عبدالعزيز بوتفليقة إلى إعادة ضبط الأوضاع المالية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها الدولة النفطية العضو في منظمة أوبك بسبب تقلص عوائد الطاقة. وتسعى الحكومة إلى فرض حزمة من الإجراءات التقشفية بكل الوسائل، بهدف التخفيف من عبء الأزمات الاقتصادية والمالية التي تتخبط فيها البلاد، جراء تداعيات كورونا وتقلبات أسعار النفط التي قلصت عوائد الطاقة. وعجزت الجزائر، البلد العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) على تنويع اقتصادها رغم مطالبة الخبراء والتقارير الدولية بضرورة إخراج البلاد من دائرة الاقتصاد الريعي، إذ تمول الحكومة كل الخدمات والقطاعات من خلال امتدادات الطاقة. وفي محاولة يائسة، أعلنت الحكومة مؤخرا عن قانون مالية تكميلي في محاولة لامتصاص عبء النفقات الجديدة وإحلال التوازن، الأمر الذي اعتبره خبراء مناورة، للإفلات من النسخة النهائية لقانون المالية، التي صادق عليها البرلمان مؤخرا. وقامت إدارة الجمارك بتعديل بوصلة رسومها الضريبية بفرض منحة الألف اليورو، بعنوان كلفة خروج كل مسافر من البلاد بدلا من خمسة آلاف يورو، التي تقررت في قانون المالية التكميلي المصادق عليه. جدل حول قانون مالية تكميلي كونه مناورة حكومية للإفلات من النسخة النهائية للميزانية التي صادق عليها البرلمان وبررت وزارة المالية الإجراء بأن القانون يتعلق بغير المقيمين ويقصد بهم الأجانب، وأما مسألة إقرار الألف اليورو فتتعلق بالجزائريين، وهو ما من شأنه خلق تناقضات اقتصادية وسياسية، باعتباره يمثل تراجعا عن القانون نفسه. وتسيطر على الحكومة هواجس المحافظة على المقدرات المحلية المتآكلة خصوصا العملة الصعبة، حيث تشكل تحديا كبيرا يعمق الإشكاليات العالقة والتي تعرضها للمساءلة أمام البرلمان ومع الشارع الجزائري. ويشكك خبراء في فاعلية ومردودية تلك الأموال على الخزانة العامة للدولة، كما أنها لا تحقق غاية المسافرين للسياحة أو العلاج أو تسوية المعاملات الفردية. وتوقع وزير المالية عبدالرحمان راوية في تصريح صحافي، بأن ينزل احتياطي الصرف بنهاية العام الجاري، إلى نحو 40 مليار دولار بعد أن كانت مع بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014 عند نحو 197 مليار دولار. وتعكس هذه التوقعات حجم المخاطر التي تواجه البلاد في الفترة المقبلة، في ظل توقع استقرار المداخيل المتواضعة أصلا، وحجم الإنفاق البالغ نحو 50 مليار دولار. تدهور المقدرة الشرائية تدهور المقدرة الشرائية ويتوقع خبراء اقتصاديون ألا تتجاوز مداخيل الجزائر من عائدات النفط خلال العام الجاري، حدود 18 مليار دولار، بسبب تهاوي أسعاره في الأسواق الدولية. ويعني هذا الأمر تبخر المزيد من الاحتياطات النقدية لدى بنك الجزائر المركزي مع نهاية العام القادم، وبداية الاضطرابات المالية الخطيرة التي قد تقود إلى إشكاليات اجتماعية عميقة. وتكافح حكومة عبدالعزيز جراد جاهدة من أجل إيجاد خيارات جديدة لمعالجة الخلل في التوازنات المالية، ولتفادي الأسوأ في حال استمرت الظروف الاقتصادية العالمية على ما هي عليه. وأقرت الحكومة منذ توليها السلطة قبل أشهر سلسلة من الإجراءات التقشفية تمثلت في خفض غير معلن لقيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة، وفرض رسوم ضريبية جديدة ورفع أسعار الوقود، إلى جانب الدخول التدريجي في رفع الدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية. وتشير الأرقام إلى أن قيمة الدعم الحكومي بلغ خلال السنوات الماضية حدود 18 مليار دولار، في شكل دعم للمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، والعلاج والتعليم المجانيين، فضلا عن المساهمة في الأسعار النهائية للكهرباء والغاز والمياه وغيرها. ومن أجل تعبئة الموارد، لجأت الحكومة إلى قطاع الصيد البحري على أمل رفع مستوى الإنتاج إلى نحو 166 ألف طن من المنتجات، وتوفير 30 ألف فرصة عمل جديدة، والوصول إلى توفير نظام إنتاج قائم على وسائل محليا، مع إطلاق برنامج واسع لتربية المائيات البحرية. عبدالرحمان راوية: نتوقع بلوغ الاحتياطي النقدي 40 مليار دولار بنهاية العام عبدالرحمان راوية: نتوقع بلوغ الاحتياطي النقدي 40 مليار دولار بنهاية العام وفي المجال الزراعي تتجه الجزائر إلى إنشاء نموذج القطاعات الزراعية الكبرى في الجنوب، عبر إطلاق ديوان تنمية الزراعات الصناعية في المناطق الصحراوية، الذي سيضطلع بتنمية وترقية الزراعات الصناعية الاستراتيجية بالأراضي الصحراوية المتمثلة في الحبوب والذرة والزراعات السكرية والزيتية. وتستهدف الخطوة تحقيق الأمن الغذائي للبلاد، الذي يستنفد موارد ضخمة من العملة الصعبة، خاصة في المواد الإستراتجية كالقمح وسيتولى الديوان، الذي سيكون مقره جنوب البلاد، تيسير الإجراءات ومرافقة المستثمرين وأصحاب المشاريع المهيكلة والمدمجة، للاستثمارات الزراعية المهيكلة التي تسمح بتطوير الزراعات الصناعية الإستراتيجية الموجهة لاستبدال المواد الأولية المستوردة حاليا بصفة مكثفة من طرف المتعاملين الاقتصاديين. ومن المنتظر أن يدخل رجل الأعمال يسعد ربراب، صاحب مجمع سيفيتال في مفاوضات مع السلطات المختصة، من أجل إطلاق استثمارات زراعية في الجنوب، بعدما تعطلت لسنوات، بسبب رفض الإدارة السابقة السماح له بالحصول على عقار زراعي في الجنوب جراء معارضته لنظام بوتفليقة. وشدد الرئيس عبدالمجيد تبون على أن الديوان سيعمل على التخلص في أقرب وقت من استيراد الزراعات السكرية والزيتية والذرة، لتوفير العملة الصعبة. وقال في وقت سابق “سوف يحدد حقوق وواجبات المتعاملين مع ديوان تنمية الزراعات الصناعية في المناطق الصحراوية ضمن دفتر شروط دقيق”. وتقرر في هذا الشأن، المنع الكامل لاستيراد المنتجات الزراعية في موسم الجني حماية للإنتاج المحلي، وتشديد الرقابة على الفواكه المستوردة لمنع تضخيم الفواتير، والتأكد من النوعية حفاظا على صحة المواطن، في إطار حوكمة الإنفاق العام، وترشيد استهلاك النقد الأجنبي. ورغم رهان الحكومات المتعاقبة على الزراعة من أجل أن يكون بديلا استراتجيا للريع النفطي، إلا أنه يعرف فوضى مزمنة ويتصدر لائحة السوق الموازية، نظرا لعدم وجودة رقابة إحصائية ورقمية وإدارية، مما حال دون التحكم فيه والاستفادة منه.

مشاركة :