سيكولوجية الأوبئة

  • 6/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يكتنفنا بعض القلق إزاء ردود الأفعال الأولية اللاشعورية لاحتمال تفشي وباء؛ لذا نختار عدم التفكير فيها بشكل واعٍ، في استطاعتنا التعامل مع الوباء بصفته مرضًا ماديًا، كما يمكننا التعامل مع ردود الأفعال العامة البدائية على الوباء، والتبعات السيكولوجية له ولانتشاره بعد ذلك، لكننا سنعاني صعوبة التعامل مع رمزيته السيكولوجية الغامضة المحملة بدلالات في أعماق نفوسنا. الصحة النفسية المتعلقة بتفشي الأوبئة تشتمل على عمليتين متوازيتين تعملان على مستويين مختلفين، ويمكن تطبيقهما على كل من مفاهيم الجنون ومفهوم الوباء أو العدوى، الأولى هي انعكاس الوباء في مجال علم النفس؛ في الأفكار والسلوكيات والاستجابات الانفعالية. فمثلما يكون للمرض الجسماني أسبابه؛ فينتشر عبر النواقل، ويتبع أنماط الانتقال، ويكمن خلال فترة الحضانة، ثم يستحوذ على المضيف، كذلك يكون للجوانب السيكولوجية العامة لتفشي الأوبئة بذور من المعلومات الخاطئة، التي تتغذى على الارتياب، وتنمو بالشكوك، وكل ذلك يحدث في (جزء الدماغ المسؤول عن استجاباتنا السلوكية والعاطفية)، ثم تنفجر عبر نواقل وسائل الإعلام والاتصال في شكل هلع وذعر فردي أو جماعي، مهددة بالهيمنة على مصادر تكيف الفرد أو الجماعة مع الأزمات. أما العملية الأخرى فهي التماثل بين المرض المعدي بصفته عدوى فعلية والمرض العقلي كعدوى رمزية (الجنون معد)، نعرف، بلا شك أنه ليس كذلك، لكن غرائزنا البدائية غير مقتنعة بذلك، لذا نجد أن الوصمة الثقيلة والعزلة للمرض العقلي والمرض المعدي، ينبعان من (الخوف من العدوى)، لا عجب إذن، المرض الذي كان يوصم قديمًا، مثل الجذام، حلت محله حديثًا الأمراض العقلية. يعارض الوباء المفهوم الشائع لعالم يسوده العدل وتحكمه قوة عظمى محبة للخير، كما يظهر زيف اعتقادنا بأن الطبيعة أمٌّ لنا، أو أنها إله كلي القدرة. وقد صور الإنجيل والكتب المقدسة الأخرى الأوبئة بأنها عقاب ينزل بالناس لخطاياهم وذنوبهم. إن الناس يحتملون الحالات الفردية للمرض، ولكن مع تضاعف الحالات تغلب القدرةُ على استيعاب طبيعة المرض غير المتوقعة والمتقلبة قدرتَهم على احتمال الغموض وعدم التيقن. إضافة إلى أن العدوى لا يمكن التحكم فيها أو التغلب عليها، والبحث عن أسبابها يخلق في اللاوعي قصة أن الوباء ناجم عن فساد المجتمع. فيشعر المعافون بالغيظ والكره نحو المرضى؛ إذ إنهم ليسوا نواقل للمرض فحسب، بل كذلك سبب حلول اللعنة على المجتمع بأكمله وطرده من الرحمة الإلهية. وإن كان الزومبي يفصل الروح عن الجسد، فإن الوباء يفصل المجتمع عن نظامه وعافيته. فور استعادة الصحة والنظام، الرغبة في الشعور بالعافية والكمال تدفع الناس إلى نسيان الفوضى والصدمة التي سبقت الشفاء.. إن الأوبئة تشوش إحساسنا بالواقع والنظام، وتفضي إلى طريقة معدلة من تخزين الذكريات والتجارب، وعودة إلى الحالة الطبيعية يصحبها كبت وربما اضطراب في تذكر تلك الفترة.

مشاركة :