وداعُ فاضلة

  • 6/19/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

….. ونحنُ نودِّعها كانتْ جسدًا بلا روح، في وداعِ الفاضلة أم محمد كان يمْثلُ أمامي ابنها الصغير الذي ولدته قبل عقود، وبعد بضع سنين انتظرته حتى يتجاوز المرحلة الثانية كي أرثَ منه كتاب العلوم وطريقة استنبات الفول والعدس، كان صغيرًا بيني وبينه عام واحد ولاتزال هي في مطلع الشباب، كبر ابنها البكر حتى صار شابًّا وأنا أكبر وراءه، تعرضتْ في أواخر شبابها وأوائل الشباب عندنا إلى حادث سير وهي تتجه نحو رحلة إيمانية لأطهر البقاع، ذهبنا نستبق يافعين لنطمئن على سلامة المرأة الفاضلة أم محمد ومن معها، عانت كثيرًا من إصاباتٍ ظلتْ تلازمها وهي في أوج قوتها، لجأتْ إلى الصبر والاحتساب وإخفاء الآلام خلف ابتسامةٍ ورضا، كبر الأبناءُ وكبرتْ معها الآلام، الذي خلَفْتُه في كتبه شاركني في مكان واحد نعلّم مادرسناه، ولازلتُ أذكّره باستنبات الفول والعدس وقصص الهجاء والعد والحساب ، جاء من بعده آخر خرج من بطن الآلام، كبرَ وتتلمذ على يدي أخيه و رفيق أخيه، جاء صامتًا هادئًا وكأن الآلام تُسكتُ براكين الحكاية فلاتدعها تثور لتحرق بحممها المساحات المجاورة، جاء الابن الآخر عمادًا حقيقيًّا ليربط على قلبي الأم و الأب وعلى شتى القلوب لمواجهة الملمات، تجددتْ من جديد الآلام، لايزال للسيدة للفاضلة مع الصبر ألف حكاية وحكاية، بدا للألم نهاية، وأنَّ النهاية هذه المرة اختارتْ أفضل الأيام وهو الجمعة للمغادرة نحو اللاعودة للحياة القصيرة أو المضنية، تركتْ إرثًا خالدًا من الأخلاق والموروث الحسن، كنا صغارًا زمن الشباب عندها، وعندما تقدم بنا العمر غادرتْ نحو حياة أخرى لانستوعب نحن الكبار أسرارها، يرحمها الله رحمة واسعة.

مشاركة :