بعد ثورة 2011م تعرضت الدولة المصرية لهزات عنيفة كادت أن تفقد مكانتها أو بالفعل فقدت جزءا من مكانتها بالمنطقة العربية والشرق الأوسط وتأثيرها في العالم كله، وزاد الطين بلة كما يقولون بعد وصول الإخوان لحكم البلاد ومحاولاتهم المستمرة الهيمنة والانفراد بالسلطة علي حساب القوي التي كانت موجودة بالبلاد وكان لها تأثير مباشر علي حدوث انتفاضة يناير أو الثورة الناقصة كما يطلق عليها.بعد نجاح الشعب المصري في الإطاحة بحكم الفاشية الدينية بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية وخروج الشارع للإطاحة بحكم الإخوان في محاولة لتحسين الأحوال الاقتصادية خاصة بعد ظهور مافيا من نوع جديد ساهمت في تغيير شكل الطبقات الاجتماعية في المجتمع المصري واقصد هنا مافيا المخدرات والآثار والأعضاء البشرية والسلاح وغيرها من التجارة غير المشروعة.بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لحكم البلاد وبالرغم من أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يتحسن كثيرا بالنسبة لملايين المصريين حتي الآن، إلا أنه نجح بالفعل في إعادة الدولة المصرية لوضعها الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط كله وليس المنطقة العربية وحدها مستفيدا من ملايين الدولارات التي منحتها له دول الخليج بجانب الأسلحة التي حصل عليها من روسيا والتي مكنته من الحفاظ على التوازن على مستوى السياسة الخارجية والتفرغ لملفات أكثر حساسية لمصر مثل الوضع الأمني في ليبيا المجاورة ومشكلة المياه والتعنت الأثيوبي. لكن دعنا نتفق علي صعوبة مهمة رجل المخابرات الذكي كما يطلق عليه في الغرب خاصة وأنه يحكم بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة وكيف يحاول استرجاع ثقله السياسي والدبلوماسي بعد ثورة أو انتفاضة 2011م ، فخرجت الدولة المصرية الجديدة من كبوتها علي يد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ، استطاع أن يغير المعادلة ويفرض المواقف على المستوى الخارجي ويؤثر على بعض القرارات الدولية مقارنة بالفترة التي شهدت البلاد فيها حالة الفوضى قبل وصوله للحكم.نجح السيسي في تعزيز مكانة القاهرة في الاتحاد الأفريقي واسترجع تأثيرها الدبلوماسي المعروف في هذه المنظمة، كما شارك بشكل فعال في المحادثات التي تدور بين حماس والسلطة الفلسطينية حول الوضع في غزة، وتسبب هذا النجاح المتسارع للرئيس عبد الفتاح السيسي في قلق بالغ للأنظمة التي كانت تحلم بفرض هيمنتها علي القاهرة مثل الحالم بأوهام الخلافة رجب طيب أردوغان الذي توعد القاهرة مرارا وتكرارا بإسقاط النظام الذي أربك حساباته وأفسد مخططه وحلم الخلافة العثمانية المغلف بغلاف ديني .لعل الموقف في ليبيا الذي أصبح ملتهب سياسيا وأصبحت الحدود الغربية للدولة المصرية تمثل قلق كبير للإدارة السياسة الحاكمة، يؤكد صحة تحليلي خاصة بعدما اتخذت القاهرة مواقف أكثر تشددا وقوة وقسوة ضد من يحاول الاقتراب أو المساس من أمن المصريين في الداخل والخارج وجعل الدولة المصرية الجديدة في عهد الرئيس السيسي تتخذ فلسفة سياسية جديدة يطلق عليها السياسيين " قوة الردع الإيجابي" التي أصبحت تربك حسابات الجميع بما فيها الخليفة العثماني المغرور.ومن يتذكر الـ 20 قبطي الذين ذبحوا في ليبيا وبعدها بساعات وبالتحديد في تمام الساعة الخامسة فجرا اجتمع مجلس الأمن المصري برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي وقرر القيام بضربة لعودة حقق إخواننا الأقباط وفي تمام الساعة الثانية عشرة بمجرد دخول الإرهابي قائد المجموعة التي ذبحت أخواننا الأقباط منزله وجه الطيران المصري ضربات متتالية داخل العمق الليبي ونجحت قوات الكومندوز المصري باقتحام ثلاثة معسكرات للإرهابيين وتم القضاء عليهم بالكامل وبعد انتهاء العملية هدأت الأمور وتعامل المصريين معاملة أهل البلد التي يعيشون فيها.ونعود للوراء قليلا ربما الجيل الحالي لم يتذكر هذا الأمر وأنا منهم وبالتحديد في عام 1977م بعد زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بزيارة القدس وحدث مقاطعة عربية وكان القذافي أشد عداء لنظام الرئيس السادات وقام بترحيل أكثر من 200 ألف مصري من العاملين في ليبيا علي الحدود المصرية الليبية وفي يوليو 1977م بدأت قواته بضرب الحدود المصرية بالمدفعية وهدد بضرب الإسكندرية والسد العالي بـ " ميج 25 " ، من هنا تحركت القيادة المصرية ووضعت خطا أحمر لهذه التهديدات وقام الجيش المصري بعملية هجومية أطلق عليها حرب الأربعة أيام ودخل في العمق الليبي أكثر من 200 كيلوا وتدخل الرئيس الجزائري الأسبق " بو مدين " وعادت القوات المصرية الي ثكناتها بعد ان حققت أهدافها بنسبة 100% وكان يومها الدرس كان وضاحا جدا وهو أن الاقتراب من الحدود المصرية أو الأمن القومي المصري يعتبر خط احمر، وبالتالي فإن هناك حدود وهي عندما يتعرض الأمن القومي المصري للخطر فيصبح التدخل مطلوب وبقوة .بالتالي فإن الأزمات التي تتعرض لها الدولة المصرية حاليا هي بمثابة دروس مستفادة من التاريخ خاصة وان الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية ورئيس الجمهورية رجل عاقل وقادر علي حماية أمن واستقرار البلاد واستفاد جيدا من إيجابيات وسلبيات الأنظمة السابقة سواء كان عبد الناصر مرورا بالسادات ومؤخر نظام حسني مبارك وهو فعلا يتميز بالحكمة المباشرة وحريص علي توافق الأوضاع ووزن الأمور بميزان العقل والحكمة والتمسك بأقصى درجات ضبط النفس .أما الموقف الحالي في ليبيا فإن الأمور مختلفة تماما خاصة وان مسرح الأحداث الليبية تتصارع عليه قوي كثيرة جدا بداية من الخليفة العثماني المجنون " أردوغان " الذي جاء من تركيا ودخل ليبيا طامعا في الغاز والبترول وأطماع أخري ، ودخلت روسيا وظهرت أطماعها بعدما حققت نجاحا كبيرا في سوريا علي حساب الجانب الأمريكي وأعادت لسوريا التوازن العسكري وطرد الدواعش هناك وحققت مكاسب لم تكن تحلم بها ونجحت في بناء قاعدتين لها في المياه الدافئة علي الأراضي السورية وهما قاعدة حميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية و عادت مرة أخري إلي المياه الدافئة في البحر المتوسط . وأصبحت أحلامها الجديدة العودة مرة أخري إلي ليبيا وأطماع البترول والغاز وبيع السلاح كما كان يفعل القذافي الذي جعل ليبيا سوقا رائجا للسلاح الروسي.ودخلت أيضا إيطاليا صاحبة التاريخ والاحتلال الإيطالي للأراضي الليبية حتي وقت قريب .. بجانب فرنسا ودول أوربية أخري وأن ليبيا تعتبر المستودع الذي يغزي أوربا كلها ويشعل مدافئهم في الشتاء وبالتالي فإن الموضوع متشابك للغاية ومعقد بكل المقاييس .من هنا يجب أن ندرك جيدا أن لعبة الحرب في ليبيا الآن ستكون تحت قواعد جديدة وشروط يفرضها الجانب القوي و يجب أن ندرك أيضا أن القيادة السياسة المصرية الحالية حكيمة وعاقلة وقوية ويجب ان نثق فيها ثقة عمياء وألا نسمح لمروجي الشائعات المغرضة بتكسير الهمم كما يحلمون. ودعنا نتحاور أيضا بهدوء وعقلانية عند وصف الواقع علي الأراضي الليبية وماذا يحدث هناك بالضبط حتي يعي المواطنين جيدا حقيقة مايحدث علي أرض الواقع خاصة وان ليبيا لها حدود مشتركة مع خمس دول وهم تشاد - النيجر - الجزائر – تونس مصر والأخيرة تعتبر أكبر دولة لها حدود مع ليسبيا تقدر بمسافة 1200 كيلو متر وهذا الخط يبدأ من السلوم حتي واحة سيوه وهو عبارة عن سور سلك شائك وهو مايجعلنا نشعر بحجم المعاناة التي تقع علي عاتق الجيش المصري في الحفاظ علي هذه المساحات الشاسعة أمنة ومستقرة ومراقبتها جيدا .** في المقال القادم نستكمل حديثنا .. كيف تحولت الدولة المصرية من دولة مهمشة إلي قوة مؤثرة بالمنطقة العربية وكيف استخدمت سياسة "الردع الإيجابي "
مشاركة :