المسرحيون الأفارقة يحذرون من المرأة ذات الخيال الواسع | محمد الحمامصي | صحيفة العرب

  • 6/21/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

ما الصورة الدرامية للمرأة في المسرح الأفريقي في فترة ما بعد الاستعمار الغربي لأفريقيا؟ ما أثر الاستعمار على المرأة الأفريقية وعلى صورتها في المسرح الأفريقي؟ هل قُدمت المرأة في الدراما الأفريقية كذات فاعلة؟ ما صور المرأة التي يطلق عليها ذاتًا فاعلة والصور التي يطلق عليها ذاتًا غير فاعلة في المسرح الأفريقي؟ وكيف تناولها كل من الكاتب الرجل والكاتبة المرأة؟ هل قدم الكاتب الأفريقي صورة المرأة في مجتمعه بصورة سلبية أم لا؟ هل اهتم المسرح الأفريقي بلغة الجسد الخاصة بالشخصيات النسائية فيه؟ هل اهتم الكاتب الرجل بعرض القضايا النسوية أم أن تلك القضايا لا تمثل له شيئًا عندما يلتقط قلمه ليكتب؟ وهل دافع الكاتب الرجل عن المرأة أم هاجمها؟ أسئلة كثيرة حاولت الباحثة المصرية ريهام أحمد الإجابة عنها في أطروحة جديدة. تتبّعت ريهام أحمد بالتحليل في أطروحتها المعنونة بـ”صورة المرأة في المسرح الأفريقي في مرحلة ما بعد الاستقلال” التي ناقشها الأكاديميون نجوى عانوس وآمال مظهر ونبيل بهجت، صورة المرأة الأفريقية في المسرح الأفريقي من خلال تحليل نصوص مسرحية لكتاب وكاتبات أفارقة. وقد تناول هؤلاء الكتاب قضايا تخص المرأة الأفريقية كمكافحة أمّية المرأة، وتشجيعها على العمل، ومقاومة تهميش المرأة لتصبح ذاتًا مستقلة وفاعلة، ومقاومة العنف الجسدي الموجه للمرأة الأفريقية، والتصدي للعنصرية الموجهة للون المرأة الأفريقية السوداء ومقاومة الصور السلبية المفروضة من قبل الاستعمار حول جسد المرأة الأفريقية. ست مسرحيات أوضحت الباحثة أن النماذج التي اختارتها للدراسة والتحليل تتمثل في: مسرحية الكاتب جيمس نجونجي “الناسك الأسود”1962 في كينيا شرق أفريقيا. وتدور أحداثها بعد الاستقلال عن إنجلترا مباشرة سنة 1962، مسرحية الكاتب ثولاني س. متشالي “وييمين” 1996 في جنوب أفريقيا، كتبت بعد الاستقلال عن المملكة المتحدة عام 1961 ومسرحية الكاتب إسماعيل محمد “بوردة ” 1993 في جنوب أفريقيا. وتدور أحداث المسرحية بعد أن حصلت على الاستقلال عن المملكة المتحدة عام 1961. كما اختارت ثلاث مسرحيات أخرى لكاتبات نساء: مسرحية الكاتبة أما أتا أيدو “معضلة الشبح” 1964 في غانا غرب أفريقيا. وكتبت بعد الاستعمار منذ أن استقلت غانا عن بريطانيا 1957، مسرحية الكاتبة جسينا ملوف “هل رأيت زاندايل؟” 1986 في مدينة ديربان جنوب أفريقيا، وكتبت بعد الاستعمار حيث استقلت جنوب أفريقيا عن المملكة المتحدة سنة 1931، ختاما بمسرحية الكاتبة ميازو وركو بيريهانو “مستميتة للمحاربة” 2011 في إثيوبيا شرق أفريقيا. وتدور أحداث المسرحية في إثيوبيا والتي استقلت عن إيطاليا عام 1941؛ فقد كتبت هذه المسرحية بعد الاستقلال بفترة طويلة عام 2011. تناول الشخصيات النسائية كشخصيات مسرحية رئيسية يعتبر دليلًا على بداية انفتاح ثقافي يهتم بالمرأة كعنصر مؤثر وجاء سبب اختيارها لهذا العمل، على الرغم من طول الفترة بين الاستعمار وتاريخ كتابة النص، فإن أثر الاستعمار كان واضحًا بشكل كبير في المسرحية، لذا كان لا بد من اختيار عينة مثل هذه المسرحية لتتبع استمرارية آثار الاستعمار على المرأة حتى تاريخه، ثم يبرز هذا العمل كيف تطورت صورة المرأة في الدراما الأفريقية في عام 2011، كما قدمت الكاتبة العديد من القضايا النسوية المهمة والتي تستحق التحليل؛ مثل صورة المرأة المطلقة داخل المجتمع الذكوري وصور القهر الذي تتعرض له من خلال الأحداث وصورة المرأة التي سبق لها الزواج أكثر من مرة وكيف ينظر إليها المجتمع، وصورة المرأة الأم المتأثرة بالفكر الاستعماري الذكوري والفجوة الفكرية والثقافية الواضحة بين جيلين مختلفين متمثلين في أم وابنتها. ورأت الباحثة أن المرأة كانت الشخصية الرئيسية عند كتاب وكاتبات المسرح الأفريقي موضوع الدراسة وتدور حولها الأحداث من خلال قضايا تمسها بشكل قوي، فأصبحت المرأة تتعرض للقهر نتيجة الاستعمار الذي رسخ الفكر الذكوري، وكان السبب في انتشاره داخل العديد من البلدان التي أصبحت ضمن المجتمعات ذكورية، وقد تم تحليل النصوص المسرحية في ضوء النظرية النسوية ونظرية ما بعد الكولونيالية وهما النظريتان اللتان أبرزتا العديد من المشكلات التي تعرضت لها المرأة. ويعتبر تناول الشخصيات النسائية كشخصيات رئيسية دليلًا على بداية انفتاح ثقافي يهتم بالمرأة كعنصر مؤثر. فمثلا قدم جيمس نجونجي شخصية ثوني الزوجة وشخصية الأم كشخصيتين محوريتين ومعهما شخصية ذكورية محورية واحدة وهي شخصية الزوج. أما في مسرحية “ويمين” للكاتب ثولاني س. متشالي فهناك شخصية محورية نسائية واحدة “تسوريللو” وشخصية ذكورية واحدة “مليتشي”. أما الكاتب إسماعيل محمد فقد جعل المرأة هي الشخصية الرئيسية والوحيدة في مونودراما “بوردا”. مفهوم الجسد ريهام أحمد: المسرحيات تتناول سيطرة الذكورية على حرية المرأة ريهام أحمد: المسرحيات تتناول سيطرة الذكورية على حرية المرأة وحول التوظيف الدرامي لصورة المرأة وقضاياها المطروحة في المسرح الأفريقي بالمسرحيات الست، قالت الباحثة في ما يتعلق بنظرة المجتمع إلى جسد المرأة “إن هذه النظرة هي نظرة استعمارية، ولقد أكدت نظرية ما بعد الكولونيالية أن الاستعمار تعامل مع المرأة الأفريقية كجسد، وقد حاربت الحركات النسوية تلك النظرة، كما تناولها الكتَّاب في مسرحهم، ولكن اختلف أسلوب العرض بين الرجال والنساء في ما يخص جسد المرأة، حيث قدم بعض منهم هذا المفهوم بشكل مباشر بينما قدمه آخرون بأسلوب غير مباشر، فقدم كاتب واحد من الرجال الثلاثة وهو الكاتب إسماعيل محمد في مسرحيته ‘بوردا‘ نظرة المجتمع إلى المرأة كجسد بشكل شديد المباشرة من خلال شخصيته الدرامية النسائية الوحيدة، و’عائشة’ التي عانت من الرجال في المجتمع ونظرتهم الشهوانية إليها وصراعها الدرامي مع الذكور في احتمالية التعرض للتحرش طوال الوقت”. وتضيف أحمد “أما عن الكاتبات النساء فقد قدمت الكاتبة جسينا ملوف في مسرحيتها ‘هل رأيت زاندايل؟‘ نظرة المجتمع إلى المرأة كجسد بشكل شديد المباشرة أيضًا من خلال طرح الكاتبة لقضية الزواج المبكر التي تهدف لاستغلال جسد المرأة بأسرع وقت ممكن، كما طرحتها من خلال منع الفتاة من التعامل مع الصبيان خوفًا من أن يتم الاعتداء عليها”. وتتابع “أما عن باقي الكتَّاب الرجال فقد تناولوا هذه القضية بصورة غير مباشرة مثل الكاتب ثولاني س. متشالي الذي قدم في ‘ويمين‘ فكرة جسد المرأة من خلال قضية خيانة الزوج لزوجته، ولكن الكاتب لم يعرض تفاصيل درامية في العلاقة بين مليتشي البطل وعشيقته للتأكيد على فكرة الجسد، وإنما أشار إلى علاقاته غير الشرعية من خلال الحوار الدرامي الدائر بين الزوج وزوجته ليلقي الضوء على نظرته لجسد المرأة بشكل غير مباشر”. أما عن الكاتب نجونجي في مسرحيته “الناسك الأسود”، فترى أحمد أنه قد قدم فكرة الجسد ولكنه حرص على تقديمها بصورة غير مباشرة أيضًا في رؤية المجتمع للبطلة “ثوني” أنها امرأة بلا زوج ولا بد أن تبحث عن رجل آخر لأن جسدها أصبح كالأرض البور. إضافة لباقي الكاتبات النساء اللاتي تناولن هذه القضية بصورة غير مباشرة أيضًا مثل الكاتبة أما أتا أيدو من خلال مسرحيتها “معضلة الشبح” التي ناقشت فيها مفهوم الجسد بالنسبة للقبائل الأفريقية في غانا من خلال الأحداث الدرامية، وكيف يتحكم المجتمع الذكوري في حياة المرأة الإنجابية عندما تقرر عائلة البطل “أتو” أنه على زوجته الإنجاب بعد زواجها مباشرة، فوظيفتها بيولوجية فقط. التقاليد والخيال الذكورية تكبل المرأة الذكورية تكبل المرأة تشير الباحثة إلى أن الكاتبة ميازووركووبيريهانو قدمت في مسرحيتها “مستميتة للمحاربة” فكرة تعدد الزوجات، وذلك من أجل التأكيد عن طريق أحداثها الدرامية على أن المرأة يعتبرها المجتمع الذكوري جسدًا فقط، حيث تقديم الشخصية الدرامية “العريس” الذي يرغب في الزواج من مارتا البطلة، وهو أب لستة أبناء من زيجتين، وبالإضافة للشخصية الدرامية الثانية “زوج البطلة الثاني” الذي رفض الاستمرار معها لكونها كانت زوجة لغيره فبالتالي ينظر الزوج لزوجته على أنها سلعة تم استهلاكها من قبل وبالتالي تتحول مارتا لجسدٍ أيضًا بصورة غير مباشرة. ومن هنا يتضح أن أغلب الكتَّاب والكاتبات قد تعرضوا لقضية النظر إلى المرأة كجسد بصورة غير مباشرة، ذلك لأن المجتمعات الأفريقية ما زالت تتعامل مع قضايا المرأة بحساسية شديدة خوفًا من العادات والتقاليد التي ما زالت تعيب على الكاتب أو الكاتبة إن تطرقا إلى قضايا تخص الجنس. وكشفت الباحثة مدى تمسك الكتَّاب والكاتبات بالتراث الأفريقي كنوع من أنواع المقاومة للاستعمار، وقد تمثل هذا في استخدام تكنيك السرد والحكي الذي تميز به التراث الأفريقي عن طريق الراوي، والتمسك باللغة الأصلية للكتاب والكاتبات في أجزاء داخل الحوار الدرامي، كالرقص، والموسيقى، والغناء، والهوية الأفريقية، وأخيرًا الطقوس المتمثلة في السحر والزار الأفريقي. فالسحر والزار من الطقوس المهمة التي تستخدمها القبائل بحيث يكون للمرأة دور فعال فيها، كما تمت الإشارة إلى ذلك. وقد تبين أيضا أن كاتبين من الرجال قد وظفا دور المرأة في السحر والزار دراميًا وهما جيمس نجونجي وثولاني س. متشالي بينما انفردت كاتبة واحدة فقط بهذا التوظيف وهي أما أتا أيدو، ولعل السبب في ذلك هو إيمان الرجل أن المرأة ذات خيال واسع يجعلها تؤمن بأشياء خارقة للطبيعة بخلاف الرجل، وبالتالي قدم الكتَّاب الرجال نموذج المرأة ذات الخيال الواسع، أما الكاتبات النساء فنادرًا ما يعترفن بخيالهن الواسع المتمثل في اللجوء للخرافات والذي، أحيانًا، يوصلهن لهدف الاستعمار وهو أن تظل المرأة تعاني من الأمية والجهل وتعيش في تلك الخيالات التي تبعدها عن العلم وعن النضج العقلي، وبالتالي حذرت نظرية النسوية المرأة من خيالها الواسع الزائد عن الحد. العادات والتقاليد تكبّل المرأة والكتاب العادات والتقاليد تكبّل المرأة والكتاب وحسب الباحثة فقد قدم الكاتب جيمس نجونجي في “الناسك الأسود” صراعًا داخليًا دراميًا بين شخصية الأم “نيوبي” وبين ذاتها حول إيمانها الدفين بأن السحر له قوة وقدرة كبيرة على تغيير الظروف، ورغبتها في عمل السحر من أجل استعادة ولدها، وبين ضميرها الذي يمنعها من الدخول في تلك الأعمال التي تحرّمها ديانتها المسيحية، وبالتالي يظهر الكاتب إيمان الأم نيوبي بالخرافات. أما عن الكاتب ثولاني س. متشالي صاحب مسرحية “ويمن” فقد قدم شخصية ثانوية نمطية وهي العرافة التي تقوم بعرض يشبه الزار داخل المسرحية يمتاز بالحركات، والإيماءات، والرقصات من أجل التواصل مع الأرواح، مع استخدام بعض الإكسسوارات مثل العظام، وبالتالي يقدم الكاتب المرأة ذات الخيال الواسع المتمثل في الخرافات من خلال دور العرافة. أما عن الكاتبة الوحيدة أما أتا أيدو فقد قدمت في مسرحيتها “معضلة الشبح” المرأة ذات الخيال الواسع المتمثلة في جميع الشخصيات النسائية داخل عائلة الشخصية الرئيسية “أتو” حيث آمنت الأم والجدة والخالات بإعطاء بعض الأدوية المهداة من أرواح الأجداد لزوجة أتو حتى تنجب طفلًا، كما آمنوا بأن هناك صلة دائمة بين الإنسان وبين الأرواح وقدرة استحضار تلك الأرواح التي لا بد أن ترضى عنهم حتى يعشن حياة سوية وسعيدة، لذا قدمت الكاتبة سمة درامية لشخصياتها النسائية وهي الخيال الواسع التي لم تقدمها كاتبة من الكاتبات الأخريات نظرًا لاقتحامها هذا الموضوع بجرأة لم تتوفر عند بقية الكاتبات اللاتي لم يعترفن بنقاط ضعفهن، وإنما أغلبهن يركزن على سلبيات المجتمعات الذكورية فقط.وترى الباحثة أن هناك العادات والتقاليد التي اجتمع عليها أغلب الكتَّاب والكاتبات من خلال المسرحيات الست كسيطرة المجتمع الذكوري الاستعماري على حرية المرأة وعدم إعطائها الحق في اختيار الزوج وحرمان المرأة من التعليم في القرى بشكل أكبر، والزواج المبكر، وعدم التوعية الجنسية، وعدم تقبل المجتمع للمرأة المطلقة، واهتمام القبائل بعرق ولون المرأة. ومن العادات والتقاليد أيضًا حرمان المرأة من التعليم داخل المجتمعات الأبوية، وقد انتقد الكتَّاب والكاتبات منع المرأة من التعليم، وكانت المسرحيات بمنزلة تشجيع للمرأة على مقاومة هذا القهر المتمثل في تهميشها، كما قدمت صورة المرأة المهمشة في جميع جوانب حياتها من خلال محو شخصيتها واتخاذ القرارات بدلًا عنها مثل قضية الزواج المبكر رغمًا عنها. واستخدمت تلك القضايا التي تمثل عادات داخل المجتمع الأفريقي داخل المسرحيات المختارة من خلال الشخصيات الدرامية التي قدمت في معاناة مستمرة وفي صراع دائم مع المجتمعات الذكورية الأبوية.

مشاركة :