"ربيع كتماندو الأزرق" حكايا من الوجع الإيراني | محمد الحمامصي | صحيفة العرب

  • 6/13/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

على غرار السينما نجد للقصة القصيرة الإيرانية بصمتها الخاصة التي خطها منذ عقود كتاب استثنائيون. وقد مهد الكاتبان الشهيران محمد علي جمال زادة وصادق هدايت لهذا الجنس الأدبي انتشاره الواسع لدى الكتاب اللاحقين خاصة من جيل الستينات وما تلاه، لتصبح القصة القصيرة الإيرانية علامة أدبية فارقة داخل البلاد وخارجها. تشكل المختارات القصصية القصيرة الموسومة بـ“ربيع كتماندو الأزرق” إلى حد كبير مشهد القصة القصيرة في إيران ومن جانب آخر تستجلي كوامن الحياة الاجتماعية الإيرانية، بآلامها وآمالها، على مدى عقود عدة، حيث تنبش في دفائنها المثقلة بعبق التاريخ وسحر التراث وبديع الذاكرة، والغنية بالأبعاد الإنسانية والروحية، وتنقّب في أصداف القصص عن البهاء واللآلئ والنفائس الشرقية ذائعة الصيت. تضم المختارات، الصادرة عن دار الربيع العربي بترجمة أحمد موسى، ثلاثة عشر نصا أبدعها ثلاثة عشر قاصّا وقاصّة من أبرز وأشهر الكُتّاب الإيرانيين، الذين لمع نجمهم وحاز الكثير منهم أرفع الجوائز، محليا وعالميا، تفتح نصوصها على عوالم حكائية لهذه النخبة من الأدباء الإيرانيين بفضاءات تخيلية عاكسة تنوعا وتشعبا في القضايا المعالجة والأسئلة المطروحة. رواد القصة الأدباء ونصوصهم الذين ضمتهم المختارات صادق هدايت ونصه “داود الأحدب”، جلال آل أحمد “تزاور العيد”، بهرام صادقي “مع كامل الأسف”، غلام حسين ساعدي “المفتش”، جمال مير صادقي “طق طق”، أحمد محمود “مدينتنا الصغيرة”، إسماعيل فصيح “عقد قران”، علي أشرف درويشيان “الحَمَّام”، كلی ترقي “سيدة روحي الكبيرة”، شهرنوش بارسي بور “ربيع كتماندو الأزرق”، منيرو رواني بور “كنيزو”، زويا بيرزاد “بقعة”، وعباس معروفي “حفل السآمة”. يقول المترجم أحمد موسى إن “الأدب الإيراني في مساره الحديث يتجه صوب الرواية والقصة. ولأن الكتابة في قالب القصة والرواية تلقى إقبالا متزايدا في المجتمع الإيراني بات الكُتَّاب والمبدعون يركّزون في منجزاتهم على هذا الجنس الأدبي أكثر من ذي قبل”. ويضيف “لعل السبب في ذلك يعود إلى أن الناس يرون صورة حياتهم وأحوالهم وأحداث مجتمعهم منعكسة بجلاء أكثر في مرآة الأدب القصصي، وأن الرواية والقصة القصيرة أضحتا من أكثر القوالب الأدبية واقعية وقدرة على وصف التحولات المجتمعية ورسمها. ومن المؤكد أن هذا الجنس الأدبي الاجتماعي الذي لم يمر وقت طويل على ظهوره في إيران سوف يواصل مسيرة نضجه وتكامله. يعتقد النقاد في إيران أن مرحلة ما بعد الثورة الدستورية سنة 1906 هي مرحلة الرواية والقصة بامتياز، والدليل على ذلك هو كثرة الآثار القصصية المنشورة”. انتشار الكتابة القصصية في إيران شكّل ثورة لغوية حيث اتجهت اللغة الفارسية إلى أحضان الطبقة الشعبية ويرى المترجم أن الرواية والقصة القصيرة بشكلهما الغربي وأسلوبهما المعاصر دخيلتان على إيران من الثقافة الغربية، ولا يتعدى عمرهما المئة عام. في البدء كانت الأعمال الروائية ترد إلى إيران باللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية والتركية والعربية ويطّلع عليها فقط من لهم دراية بهذه اللغات، ثم في مرحلة لاحقة نشطت الترجمة الفارسية وأقبل الكُتّاب والمترجمون على نقل هذه الإبداعات إلى لغتهم ما كان له عظيم الأثر على تحسين الأسلوب الفارسي وتخليص اللغة الفارسية من شكلها القديم وتحديثها وجعلها أكثر يسرا وسلاسة. ويلفت موسى أن بعض النقاد الإيرانيين يرون أن شروع الكتابة القصصية في إيران شكّل ثورة لغوية، حيث اتجهت اللغة الفارسية في هذه الأثناء إلى أحضان الطبقة الشعبية واقتربت من ذوق عموم الناس وإدراكهم ولغتهم. لذلك شاعت الكتابة البسيطة والخالية من التكلّف والممتزجة باللغة العامية، ولعل الكاتب والقاص الرائد محمد علي جمال زادة كان تتويجا وخير مثال لهذا المسار، كيف لا وهو الذي يُؤرخ به للأدب القصصي الإيراني المعاصر، ويعتبر حدثا مهما في تاريخ الأدب الإيراني، وهو صاحب أول مجموعة قصصية إيرانية “يكي بود يكي نبود” (كان يا ما كان). بعد جمال زادة، عُدَّ صادق هدايت أبرز كاتب قصصي وصاحب أسلوب في الكتابة القصصية. أولى قصصه الرائعة رأت النور في باريس: مادلن، حي بقبر، الأسير الفرنسي، حاجي مراد. وبعد عودته إلى إيران كتب مجموعة من القصص أبرزها قصة “داود الأحدب” التي ارتأيت جعلها فاتحة هذه المختارات. إذن يعتبر هدايت نقطة تحول في القص الإيراني ومعه بدأت الحياة الأدبية الجديدة في إيران. وأوضح أنه بعد جمال زادة وهدايت جاءت كوكبة من الكُتَّاب القصصيين امتاز كلّ منهم بأسلوبه المتفرد وسماته الخاصة. جلال آل أحمد أحد الكبار الذين جعلوا الأدب رسالة ومسؤولية، وتميّز عن سابقيه برؤاه الاجتماعية والتزامه الكبير وأفقه المتنور، وكل هذه الخصال انعكست في أعماله بوضوح. من أشهر أعماله القصصية مجموعة “ديد وباز ديد” (التزاور) التي اخترت منها قصة “تزاور العيد” وضمَّنتها في هذه الأضمومة. بهرام صادقي هو الآخر يُصنَّف ضمن الكبار رغم قلة آثاره. امتاز صادقي بالبحث في عمق الطبقات الذهنية لمجايليه. أثراه المشهوران هما تواليا رواية “ملكوت” التي ترجمتها إلى العربية تحت عنوان “جن إيراني” وصدرت عن منشورات الربيع عام 2018، ومجموعته القصصية “الخندق والأكواز الفارغة”، وانتقيت منها قصة “مع كامل الأسف” الموجودة بين قصص هذه المختارات. أجيال لاحقة قصص تستجلي كوامن الحياة الاجتماعية الإيرانية قصص تستجلي كوامن الحياة الاجتماعية الإيرانية ورأى موسى أنه مع عقد الستينات من القرن الماضي فُتح باب جديد في وجه الأدب القصصي في إيران؛ وبزغ نجم كُتَّاب أضفوا على القصة القصيرة الإيرانية رونقا. من بينهم غلام حسين ساعدي أبدع في توصيف الفقر وتشريحه وكتب المسرح أيضا. أصدر آثارا خالدة، من أشهرها مجموعتا “أصحاب عزاء بيل”، و“سمرٌ بهيٌّ” التي اخترت منها قصة “المفتش” المدرجة ضمن هذه النصوص المترجمة. كما نجد جمال مير صادقي وهو من الكُتَّاب البارزين الذين أوجدوا طيفا جديدا من القصص التي تتناول المنطقة الفاصلة في الحياة بين الأصالة والحداثة. شهرته عمّت الآفاق وأعماله تُرجمت إلى عدة لغات عالمية. خلّف آثارا كثيرة من أبرزها رواية “طول الليل”، ومجموعة “الخوف” التي ترجمت منها قصة “طق طق”. وكذلك نذكر أحمد محمود وهو الآخر الذي بصم هذه المرحلة بطابعه الخاص وساهم في إحداث التحول الذي شهدته القصة القصيرة في إيران. أعماله نالت رواجا واسعا نخص منها بالذكر روايته “الجيران”. أما مجموعته “الصبي البلدي” فاخترت منها قصة “مدينتنا الصغيرة”. من رواد هذه المرحلة أيضا الكاتب المبرّز القاص والروائي المعروف إسماعيل فصيح. كتاباته كانت دوما تحظى بقبول القراء والمثقفين في إيران رغم إهمال النقاد لأعماله. الكثير من قصصه تدور حول تجربته الخاصة في الحياة. عُرف بغزارة إنتاجه. من آثاره الجديرة بالذكر رواية “شتاء 1984”. اخترت له من هذه المجموعة قصة “عقد قران”. من الوجوه البارزة أيضا في هذه المرحلة من تاريخ الأدب القصصي الإيراني الكاتب والقاص التقدمي علي أشرف درويشيان الذي عرّت كتاباته القصصية واقع الطبقة المعدمة والفقيرة في المجتمع الإيراني في التاريخ المعاصر إبان عصر محمد رضا شاه. انعكست مصاعب حياة هذا القاص في مرحلتي الطفولة والحداثة، بشكل خاص، في مجموعته القصصية “آبشوران” التي انتقيت منها قصة “الحمّام” المقدّمة للقراء في هذه المختارات. وهي المجموعة التي ترجمها سابقا أحمد موسى. ويشير المترجم إلى أنه في عقد الثمانينات والتسعينات برزت أسماء واعدة ومؤثرة، رجالية ونسائية، يذكر منها على وجه الخصوص القاصة گلی ترقي التي صوّرت في أعمالها حالة الإنسان المريض واليائس والعاجز والمنزوي؛ الأشخاص الذين لا يربطهم بالمجتمع أي رابط. من بين أحسن قصصها قصتها المترجمة في هذه المختارات “سيدة روحي الكبيرة”، وقصتا “حافلة شميران” و“بيتي في السماء”. ونجد أيضا القاصة شهرنوش بارسی بور، وهي كاتبة وقاصة ومترجمة تنتمي إلى هذا الجيل، مشاغبة وجريئة في كتاباتها وآرائها التي طالما أثارت ضجة. من منجزاتها الخالدة رواية “طوبا ومعنى الليل”، ومجموعة قصص تحمل عنوان “قلادات بلورية” وقد اختار منها المترجم قصتها “ربيع كتماندو الأزرق”. ونجد كذلك الكاتبة منيرو رواني بور التي اشتهرت بروايتها “الغرقى” ومجموعتها القصصية “كنيزو” التي ترجم منها موسى قصة “كنيزو” في هذا الكتاب، وهي الأخرى من الروائيات والقاصات ذوات الباع الكبير والأثر البارز في هذه المرحلة. ونجد في المختارات كذلك زويا بیرزاد، الكاتبة الإيرانية ذات الخلفية الدينية المسيحية، وهي مجتهدة وكثيرة العطاء. حازت على جوائز عدة في إيران وخارجها، وهي أيضا مترجمة. لها إبداعات كثيرة جيدة، من أشهرها رواية “أنا سأطفئ المصابيح”، والمجموعة القصصية “ككل العصاري” التي انتقى منها موسى قصة “بقعة” وقدمتها للقارئ في هذه المختارات. وخاتمة هذه القصص المنتقاة قصة “حفل السآمة”، وهي مقتطفة من مجموعة “آخِرُ أحسنِ جيل” للقاص والروائي والشاعر وكاتب المسرحية عباس معروفي صاحب رائعة “سيمفونية الموتى” التي ترجمها موسى إلى اللغة العربية وصدرت عن دار المتوسط بميلانو غرة العام 2018.

مشاركة :