القاهرة: «الخليج» أصدرت د. يمنى طريف الخولي، كتابها «ركائز في فلسفة السياسة»، الذي يضم مجموعة من الدراسات تتناول بالتحليل الفلسفي والنقدي بضعة مصطلحات ومفاهيم، مما ترتكز عليه تيارات الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة، من قبيل الليبرالية والاشتراكية والماركسية والطريق الثالث، والديمقراطية والاستعمارية والقومية والمقاومة، وما بعد الاستعمارية، والنسوية والعولمة وحوار الحضارات، علاوة على مفاهيم فرعية تندرج تحت هذه المفاهيم الكبرى أو الركائز، مثل العقد الاجتماعي، والقوانين الطبيعية والاحتكار، وفائض القيمة والعدالة الاجتماعية والفابية، والراديكالية والتخطيط الكلي والجزئي والهندسة الاجتماعية، وحقوق الأقليات والمهمشين والإمبريالية والمركزية الغربية، وهي تسهم جميعاً في رسم معالم للفلسفة السياسية الحديثة، بقدر ما أسهمت في تشكيل الواقع السياسي والمسار الحضاري عبر حقب الفلسفة الحديثة والمعاصرة. في كل هذا كما ترى الخولي ربما نجد فلسفة السياسة تماثل فلسفة المعرفة العلمية، من حيث إنها حوار بين الفكر والواقع، أو بين النظرية والتجربة، ومركب جدلي منهما. فلا يستطيع أحد الجانبين الفكر أو الواقع إغفال الآخر بحال، وقد جاء تتبع المفاهيم أو الركائز مواكباً لتتابعها التاريخي عبر مسار الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة، وكانت الليبرالية هي أول ركيزة فرضت نفسها. فقد ارتهنت نشأتها بأفول العصور الوسطى، وانهيار النظم الإقطاعية، حتى باتت الليبرالية تمثل معلماً من معالم تجربة الحداثة الأوروبية، وتطورت على مدار تطورها. وتشير الخولي إلى أن نمو ونضج الليبرالية، أدى إلى ظهور التيار المقابل الذي يحاول تجاوز سلبياتها ومثالبها؛ أي الفكر الاشتراكي، فباتت الليبرالية بإطارها الرأسمالي تمثل فلسفة الأمر الواقع الذي ينبغي الحفاظ عليه. ولعل ارتباط الرأسمالية والليبرالية بالأمر الواقع أو العالم الواقعي المعيش يفسر لنا لماذا كان فيلسوف العلم والمعرفة التجريبية البارز في حقب متتالية من العصر الحديث، هو فيلسوف الليبرالية البارز أيضاً. فهكذا كان جون لوك، ثم جون ستيوارت مل، ثم برتراند راسل، ثم كارل بوبر. وباتت الرأسمالية تمثل اليمين، وما هو كائن، لتمثل المذاهب الاشتراكية اليسار؛ أي النزوع إلى التغيير والنقض، وتحقيق ما يرى معتنقوها أنه هو ما ينبغي أن يكون. إنه التقابل بين اليمين واليسار الذي حكم أطر الفلسفة السياسية الحديثة طويلاً، حتى تساءل البعض عما إذا كان القرن العشرون قد عجز عن إنجاب أية فلسفة سياسية جديدة. وقد ظل هذا التقابل بين اليمين الليبرالي واليسار الاشتراكي ماثلاً، حتى كان الانهيار المدوي للاتحاد السوفييتي، والمتغيرات التي شهدها العقد الأخير من القرن العشرين، صوب ما سمي «النظام العالمي الجديد» الذي افتقر كثيراً إلى النظامية، لا سيما بعد ارتفاع وتيرة العولمة وغيرها من مفاهيم صاخبة يموج بها الفكر السياسي الراهن، ليمثل ما سمي بالطريق الثالث المفهوم الجدير بالتوقف عنده. ولعل أبرز ما يميز الفكر والواقع، وجدليتهما في القرن الحادي والعشرين، هو انتهاء عصر المركزية الغربية وبروز مراكز حضارية أخرى، وعلى وجه الخصوص تمثل نهضة شرق آسيا، ومعدلات التحديث والتصنيع والتنمية المتصاعدة هنالك، مركزاً متألقاً ونموذجاً يحتذى. لقد اقترنت المركزية الغربية بالاستعمارية والإمبريالية، وهما نتيجة من نتائج النمو الرأسمالي الذي وطدت له الليبرالية.
مشاركة :