هو من يحتطب ليلاً لايرى مايأخذ،ولربما في ظلمة الليل أخذ حية فلدغته فكان فيها حتفه . هذا مثل يضرب لمن يجمع ولا يفتش ويأخذ ولا ينقح .. بلغة العصر ” لايلفتر ” فهو يتلقى ويتلفق كل خبر وكل نبأ . وما آفة الأخبار إلا رواتها . في لعبة شبابية يكون الجالسون مجموعة ودائرة كل واحد يهمس في أذن صاحبه مما سمعه من صاحبه الذي همس في أذنه هو بدوره وتمضي الهمسات بين الآذان فإذا اكتملت الدائرة أعلن الأخير من الجالسين الخبر المهموس به جهرة وأعلن أول الجالسين ما قاله جهرة – لتظهر غالباً إن الخبر افترق أو تحرف أو تغير تغيراً كلياً . هكذا الأخبار تدور بين المجالس في وسائل الاتصال تنسلخ من حقيقتها، يغشوها أحياناً الكذب إما بداعي الغفلة والتصديق وإما بداعي تغليب مصالح ومآرب أخرى . أمر القرآن ” بالتثبت ” لأن سلاسل الأخبار قد يكون فيها ثمت فاسق أو مجهول أو غير ضابط له، فليس الأصل في الأخبار الصحة والسلامة، وإلا لما كان للتثبت فائدة . نظرة العقلاء تكسب الأخبار لباساً حالتها إما صدقاً أو كذباً، فيذيعونه أو يكتمونه (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْوإذا نظرنا في سير العلماء فقلما عالم إلا وقد رمي جزافاً أو كذباً بتهم وربما أصبحت ترددت على مر الأزمان وهي لا أصل لها ولا فصل : محمد بن عبدالوهاب تكفيري وناصبي وابن تيمية ضال مجسم وفلان صوفي وآخر .. تهم تخالها حقاً وهي كالزجاج كل كاسر مكسور . – لا تقبل رواية صاحب مصلحة – إذا لم يكن ظاهر العدالة والاستقامة – في خبر فلا تقبل رواية شيعي في فضائل علي ولا تقبل رواية ناصبي في ذم علي . ولاتقبل شهادة الأصول والفروع لك ولاتقبل شهادة الحاقد وصاحب العداوة الظاهرة عليك.هذه وغيرها الكثير معيار ضبط للأخبار حتى لاتزل الأقدام آفة الأخبار رواتها ومحللوها، وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع – خاصية تحويل الرسائل سهلت مهمة النقل فأصبحت الأخبار بالجملة غث وسمين، الخبر وضده .. قراءتها هلكة فضلاً عمن صدقها . – ليست الآفة في التصديق، وإنما في تضييع الأوقات وتشتيت الهموم وضعف العزيمة وتشويش الذهن فتصبح النفس مضطربة والعقل كليل . – ليس كل الحياة في دائرة اهتمامك فضلاً عن دائرة تأثيرك ولست بسائل مادمت حياً *** أسار الركب أم ركب الأمير – انظر إلى دائرة تأثيرك فاعمل فيها واجتهد وانصب، ودائرة اهتمامك – التي تهمك ولكن لا تؤثر فيها – فاجعل لها نصيباً أقل . وما غير ذاك ولا ذا فاضرب عنه صفحاً . واحرص على ماينفعك واترك مايضرك وما لا يضرك ولا ينفعك ، فالحياة قصيرة وآفاتها كثيراً ولاتكن حاطب ليل أخذ الحية ظنها حطباً.
مشاركة :