ثلاث كاتبات يطلقن مشروعا من أجل نسوية لا ترضى بالتكافؤ

  • 6/25/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل كتاب كل من نانسي فريزر وتشينزيا أروتزا وتثي باتاتشاريا "نسوية من أجل الـ 99%.. مانيفستو لحركة اجتماعية جديدة" رؤية متكاملة لحركة نسوية عالمية جديدة لا تقف منعزلة عن نضالات بقية المضطهدين في المجتمعات، بل عن حركة تسعى للتحالف مع جميع من هم ضد الظلم من أجل الحفاظ على ما تبقى منها، كونها دراسة للنسوية التقاطعية والاشتراكية والتي تعطي مصالح الأغلبية أولوية على مصالح القلة. افتتحت الكاتبات دراستهن أو ما أطلقن عليه "مانيفستو" الذي ترجمه محمد رمضان وراجعته إلهام عيداروس وصدر عن دار صفصافة بتوضيح مهم لرؤية مشروعهن لإنصاف المرأة، قلن: في ربيع عام 2018، صرحت شيريل ساندبرج مديرة العمليات في فيسبوك أننا "سنكون في حال أفضل كثيرًا إذا أُدير نصف دول وشركات العالم من قبل النساء، ونصف منازل العالم من قبل الرجال. وأضفن: "لا ينبغي أن نرضى بأقل من ذاك الهدف".  ساندبرج من أبرز أنصار نسوية الشركات، وقد صنعت اسمها  - وأموالها أيضًا - من خلال تشجيع المديرات على الانخراط والمشاركة الفعالة في مجلس إدارات الشركات. لقد كانت كبيرة الموظفين لدى وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سامرز الرجل الذي أزال الضوابط من وول ستريت، وكانت تنصح النساء دون أي تردد بأن النجاح الذي يتحقق في عالم الأعمال عن طريق الصلابة هو الطريق الملكي للمساواة على أساس النوع. وأضفن: في نفس ذلك الربيع، شل إضراب نسوي نضالي إسبانيا. شارك في ذلك الإضراب النسوي الذي استمر لـ24 ساعة أكثر من خمسة ملايين، ودعت المُنظِّمات إلى "مجتمع خالٍ من القمع والاستغلال والعنف على أساس النوع... إلى ثورة ونضال ضد تحالف الأبوية والرأسمالية الذي يريدنا جميعًا مطيعين وخاضعين وصامتين". وحين غربت الشمس عن مدريد وبرشلونة، أعلنت المضربات النسويات للعالم ما يلي "في 8 مارس، نضرب ونوقف كل أنشطة الإنتاج وإعادة الإنتاج"، وأنهن لن يقبلن «بظروف عمل أسوأ أو أجور أقل من الرجال مقابل نفس العمل". وقالت الكاتبات إن الاتجاهين السابقين اتجاهان متعارضان في ما يخص الحركة النسوية المعاصرة. من ناحية، ساندبرج ومثيلاتها يعتبرن النسوية خادمة مخلصة للرأسمالية. يردن عالمًا يتوزع فيه عبء إدارة الاستغلال في أماكن العمل والقمع في النظام الاجتماعي كله بالتساوي بين رجال ونساء الطبقة الحاكمة. هذه رؤية لافتة لتكافؤ الفرص في الهيمنة، يُطلَب بموجبها من الناس العاديين ـ باسم النسوية ـ أن يشعروا بالامتنان لأن من يقوّض نقاباتهم، أو يتحكم في طائرة مسيّرة لتقتل آباءهم، أو يحبس أطفالهم في أقفاص حديدية على الحدود، امرأة وليس رجلًا. وعلى النقيض من نسوية ساندبرج الليبرالية، تصر مُنظِّمات الإضراب النسوي في إسبانيا على إنهاء الرأسمالية؛ هذا النظام الذي يخلق السادة والحدود الجغرافية، ويصنع تلك الطائرات المسيّرة لكي يحمي نفسه. وأوضحن أنه في مواجهة هاتين الرؤيتين للنسوية، نجد أنفسنا عند مفترق طرق، وخيارنا سيكون له تبعات غير عادية على الإنسانية. يقودنا أحد تلك الطرق إلى خراب هذا الكوكب، بحيث تصبح الحياة الإنسانية بائسة لدرجة غير مسبوقة إن لم تصبح مستحيلة تمامًا، ويشير الطريق الآخر إلى عالم من النوع الذي طالما حلمت البشرية أن تعيش فيه؛ عالم عادل تتوزع فيه الثروات والموارد الطبيعية بشكل عادل بين الجميع، ويتحول فيه العدل والحرية إلى واقع ملموس وليس مجرد طموحات. الاختلاف لا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا من هذا، لكن ما يجعلنا أمام خيار ملح الآن هو غياب أي طريق وسط معقول. ويعود غياب البدائل إلى النيوليبرالية؛ الشكل المالي الأكثر توحشًا من الرأسمالية التي اجتاحت العالم في العقود الأربعة الأخيرة. وحيث إن هذه النسخة من الرأسمالية، سممت الغلاف الجوي وشوهت كل مظاهر الحكم الديمقراطي وضغطت على قدراتنا الاجتماعية حتى نقطة الانهيار وجعلت الأوضاع المعيشية بشكل عام للأغلبية الساحقة من الناس أكثر سوءًا، فرفعت من كلفة كل نضال اجتماعي وحولت الجهود المتزنة لتحقيق إصلاحات متواضعة في النظام الرأسمالي إلى معارك ضارية من أجل البقاء. في الظرف الحالي، ولّى وقت الحياد وعلى النسويات أن يتخذنّ موقفًا: هل سنستمر نحن النسويات في السعي إلى "تكافؤ الفرص في السيطرة" بينما يحترق الكوكب؟ أم سنعيد تخيل العدالة على أساس النوع في صيغة مناهضة للرأسمالية تقودنا لتجاوز الأزمة الحالية نحو مجتمع جديد؟  ورأت الكاتبات أن النسوية المعادية للرأسمالية أصبحت فكرة ممكنة اليوم، ويعود هذا جزئيًّا إلى انهيار مصداقية النخب السياسية في كل أنحاء العالم. ضحايا هذا الانهيار ليسوا فقط من أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط التي روجت للنيوليبرالية "وأصبحت الآن أشبه ببقايا كريهة لما كانت عليه سابقًا"، وإنما أيضًا حلفاؤهم من نسويات الشركات - على غرار ساندبرج - الذين فقدت قشرتهم التقدمية بريقها. تلقت النسوية الليبرالية هزيمة فادحة في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة في 2016، حيث فشل ترشيح هيلاري كلينتون الذي تم الترويج له بشدة في إثارة حماس الناخبات. حدث ذلك لسبب وجيه، فكلينتون جسدت الانفصال العميق بين صعود نساء النخبة إلى المناصب العليا والتحسن الفعلي في حياة الأغلبية الساحقة. كانت هزيمة كلينتون بمثابة جرس الإنذار لنا جميعًا، فقد كشفت عن إفلاس النسوية الليبرالية، وخلقت مدخلًا لتحديها من على اليسار. فمع الفراغ الذي تركه هبوط الليبرالية، لدينا فرصة لكي نبني نسوية أخرى؛ نسوية لها تعريف آخر لما يمكن اعتباره قضايا نسوية، وتوجهًا طبقيًّا مختلفًا، وروحًا مختلفة. نسوية جذرية تعمل على تغيير الوضع القائم. هذا الدراسة محاولتنا لتعزيز تلك النسوية الأخرى. لا نكتب هنا لكي نرسم مجتمعًا مثاليًّا متخيلًا، وإنما لكي نحدد الطريق الذي يجب أن نسلكه لنصل لمجتمع عادل. وأشرن إلى أن هدفهن من إطلاق هذا الكتاب /المانيفستو شرح "لماذا يجب على النسويات أن يخترن طريق الإضرابات النسوية، ولماذا ينبغي علينا الاتحاد مع الحركات الأخرى المناهضة للرأسمالية والمناهضة للنظام، ولماذا يجب أن تصبح حركتنا نسوية من أجل الـ 99%. فقط من خلال التشبيك مع المجموعات المناهضة للعنصرية والمناضلة من أجل القضايا البيئية، والنشطاء المدافعين عن حقوق المهاجرين والحقوق العمالية، يمكننا أن نجعل النسوية جديرة بمواجهة تحديات عصرنا. بالرفض القاطع لمبدأ الانخراط في قيادة الشركات الذي روجت له شيريل ساندبرج ونسوية الـ 1%، يمكن أن تصبح نسويتنا شعلة أمل لباقي الناس". ولفتن إلى أن ما شجعهن على مباشرة هذا المشروع الآن هو الموجة الجديدة من الناشطية النسوية المناضلة. هذه ليست نسوية الشركات التي تسببت في كوارث للنساء العاملات، وتعاني الآن من نزيف مستمر لمصداقيتها، ولا هي نسوية الإقراض متناهي الصغر التي تدّعي أنها تمكن نساء جنوب العالم عبر إقراضهنّ مبالغ صغيرة من المال. بالأحرى، ما يمدنا بالأمل هو الإضرابات النسوية والنسائية إبان عامي 2017 و2018، هذه الإضرابات والحركات المنظمة بشكل متزايد التي تتطور حولها هي التي ألهمت نسوية الـ99% والآن تجسدها". وأكدت الكاتبات أن "الإبداع الأساسي للحركة الحالية هو تبني وإعادة اختراع الإضراب. بالإضراب، تبنت النسويات شكلًا نضاليًّا مرتبطًا بالحركة العمالية وأعدن استخدامه بطرق جديدة، فلم يمتنعن عن القيام بالعمل مدفوع الأجر فقط، وإنما أيضًا عن العمل غير مدفوع الأجر في إعادة الإنتاج، وبالتالي كشفت عن الدور الذي لا غنى عنه للنوع الأخير من العمل في المجتمع الرأسمالي. لقد أوضحن قوة النساء وجعلْنَها مرئية، ومن ثم قمن بتحدي ادعاءات النقابات العمالية بأن الإضراب يخصها وحدها. وبإعلان رفضهن للنظام القائم، تعيد المُضربات النسويات مقرطة النضال العمالي مؤكدات على أمور كان يفترض أن تكون واضحة، ألا وهي أن الإضراب يخص الطبقة العاملة كلها وليس شريحة جزئية منها أو تنظيمات معينة.  وخلصت الكاتبات إلى أن الإضرابات النسوية تجبرنا على إعادة التفكير في مفهوم الطبقة وما يمكن اعتباره صراعًا طبقيًّا. كان ماركس يعتبر أن الطبقة العاملة هي الطبقة العامة. ما كان ماركس يقصده بذلك هو أن سعي هذه الطبقة للقضاء على استغلالها والسيطرة عليها يجعلها تتحدى أيضًا النظام الاجتماعي الذي يقهر الأغلبية الساحقة من سكان العام، ومن ثم الانتصار للبشرية كلها. لكن ما لم يفهمه أتباع ماركس تمامًا هو أن الطبقة العاملة والإنسانية نفسها غير متمايزة وليست كيانًا متجانسًا، وأن العمومية لا يمكن أن تتحقق بتجاهل الاختلافات الداخلية فيها. ما زلنا ندفع ثمن هذه السقطات السياسية والفكرية حتى اليوم. وبينما يحتفي النيوليبراليون بـالتنوع بهدف تجميل وحشية رأس المال، ما زالت أقسام كبيرة من اليسار تتبنى الصيغة القديمة التي تعتبر أن ما يوحدنا عبارة عن مفهوم مجرد وموحد للطبقة، وأن النسوية ومناهضة العنصرية تقسمنا. ورفضن كلا المنظورين: المنظور اليساري الاختزالي للطبقة العاملة الذي يعتبر الطبقة العاملة تجريدًا فارغًا متجانسًا، والمنظور النيوليبرالي التقدمي الذي يحتفي بالتنوع كهدف في ذاته. وبدلًا منهما، طرحنا منظورًا عموميًّا يستمد شكله ومضمونه من تعددية النضالات القادمة من أسفل. بكل تأكيد، الاختلافات والتفاوتات والتراتبيات المتأصلة في العلاقات الاجتماعية الرأسمالية تؤدي لتضاربات في المصالح في ما بين المقهورين والمستغَلين. وانتشار النضالات الجزئية لن يؤدي في ذاته إلى ولادة التحالفات الواسعة القوية اللازمة لتغيير المجتمع. ولكن هذه التحالفات ستكون مستحيلة تمامًا إن فشلنا في أخذ اختلافاتنا على محمل الجد. لا ينبغي علينا أن نحاول طمس هذه الاختلافات أو التقليل من أهميتها، بل إن هذا المانيفستو يدعو إلى محاربة استخدام الرأسمالية لاختلافاتنا كسلاح ضدنا. النسوية من أجل الـ99% تجسد هذه الرؤية للشمول والعمومية باعتبارها وضعًا يتشكل باستمرار وينفتح على التحولات والجدل باستمرار ويؤسس نفسه من جديد من خلال التضامن.  إن النسوية من أجل الـ99% نسوية معادية للرأسمالية لا تقنع بما هو قائم. نسوية لا ترضى بالتكافؤ حتى نحصل على المساواة، ولا ترضى بالحقوق القانونية حتى نحصل على العدالة، ولا ترضى بالديمقراطية حتى تكون الحرية الفردية للجميع. 

مشاركة :