أربع كاتبات يهربن من ضجيج الأدب النسوي

  • 2/9/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة:محمدو لحبيب العنوان الأكثر تداولاً في خبر إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» 2019، كان عن النساء، لم يكن عن الأدب، ولا عن عبقرية السرد. في بعض الأخبار كنا أمام تنويه عن حدث غير مسبوق، فلأول مرة نحن أمام «نساء» يشكلن أكثر من ثلثي تلك القائمة، وفي بعضها الآخر كنا أمام مشهدية خاصة تحاول الإيحاء بربط ما بين الجندر النسوي وبين الإبداع الروائي، كأنها تحاول إيجاد مبرر ما لتصدر النساء المشهد الروائي في تلك الجائزة، القاسم المشترك كان هو الحديث عن تلك الخصوصية «النسوية» فقط. يمكن للمتابع لذلك الخبر ولطريقة صياغته من طرف معظم المتداولين له، أن يشعر فوراً بالاشتباك مع عدة أسئلة يطرحها تلقائياً من خلال استحضاره للتصنيف التقليدي الذكوري في الأدب، ومن خلال استدعائه للدفوعات التي طالما ردّدتها النساء الكاتبات والأديبات تحت شعارات ويافطات من قبيل الأدب النسائي، أدب المرأة، وغيرها. فهل نحن حقاً أمام حدث يعكس خصوصية متعلقة بروايات نسوية ذات هوية مميزة ومحددة؟ أم أن وصول وتصدّر النساء قائمة الجائزة القصيرة لهذا العام هو تجلّ طبيعي لمدى براعتهن الفنية، وتفوق رواياتهن في طرح نمط مختلف ومتكامل البناء السردي، ولا ينتمي بالضرورة إلى حدود نسوية، أو ذكورية معينة؟ «بريد الليل»، و«النبيذة»، و«صيف مع العدو»، و«شمس بيضاء باردة»، هي الروايات الأربع التي شكلت معظم روايات القائمة البالغة ست روايات فقط، ولعل القارئ سيتشوق للإطلاع على تلك الروايات ولو على عجل، ولمعرفة هل كانت روايات عن المرأة وعوالمها حصراً، وهل حملت خصوصية طرح قضاياها المعروفة، أم أن كاتباتها تجاوزن ذلك الطرح الكلاسيكي، وأنجزن مشاريع إبداعية مفتوحة على المشترك الإنساني العام؟ في رواية «بريد الليل» للكاتبة اللبنانية هدى بركات، حكاية مشتبكة عبر خمس رسائل، تنهض من خلالها المرأة بطريقة قد تجعل القارئ الذي لم يتعمق بعد في النص، يتصور أنها تهتم بذلك الجانب التقليدي من قضاياها، حين يرى أن الرسالة الأولى هي من رجل إلى حبيبته، والثانية من سيدة إلى حبيبها، لكن الغوص في أعماق السرد المتضافر بحرفية بالغة وتكثيف مدهش، يلقي بقارئه إلى معان أكثر عمقاً من مجرد القصص الرومانسية التقليدية، فيجد نفسه أمام مشهد عام لمجموعة انكسارات، ولبوح لا يجد من يسمعه لأن ساعي البريد قد مات، ولنقد عميق للواقع الاجتماعي والسياسي الذي خلفته الجراح النازفة في الوطن العربي في الآونة الأخيرة. وعلى المنوال نفسه المتسامي عن التصنيف النمطي الممل لأدب المرأة، تحلّق الروائية السورية الدكتورة شهلا العجيلي في روايتها «صيف مع العدو» عبر التاريخ، لتكتب عن «أنثى»، لكنها خاصة، إنها تكرر كما يبدو من الرواية -وتسرد- عشقها لمدينتها الأم «الرقة»، كأنها لم تكتف بما كتبته في روايتها السابقة «سماء قريبة من بيتنا» عن تلك المدينة، فتحوك خيوط قصة تجول بالقارئ من خلالها في عمق 100 عام من تاريخ العرب، ورغم أنها تبني القصة كلها على حكاية لثلاث نساء، إلا أن القارئ قد يدرك أن ذلك هو مجرد إطار للبورتريه المتنوع والفسيفسائي الذي ترسمه العجيلي والذي لا يركز على المرأة، بل يتجاوز ذلك كثيراً ليلتقط التحولات الاجتماعية، والقضايا الوجدانية، ومآسي الحروب، و تمضي بنا العجيلي في سردها لنلامس أحياناً الجغرافيا التي تنتقل بحكايتها فيها من الشرق إلى الغرب، من دون حدود، فمن الرقة إلى كولونيا الألمانية تغوص بنا في معاناة الإنسان من جراء الحرب، والتهجير الذي يصاحبها عادة. الأردنية كفى الزعبي، تفضل في روايتها «شمس بيضاء باردة»، أن تذهب في اتجاه المعنى العميق للحزن، ولتحولات النفس البشرية، وللتناقض الذي تعتاده أحياناً حين تظهر النفس على حقيقة ما، رغم أن ما في داخلها يكشف حقيقة أخرى قد تكون أجمل، لكنها مكبوتة ومخبوءة. تجسد الزعبي ذلك من خلال شخصية بطلها المسمى «راعي» وهو شاب في العشرينات من العمر، يعيش خلافاً مع والده بسبب اختلاف طبائعهما، وفهمهما للحياة، ويطرد على اثره من البيت، ليعيش ظروفاً صعبة تجعله يطرح على نفسه السؤال الذي يشكل سؤال الرواية وعقدتها، وهو: لم لا أكون مثل الآخرين؟ وتجعلنا الزعبي نكتشف كيف أنه يعاني بين نموذجين يسكنانه، أحدهما ينسجم مع توجهات أبيه، وشخصيته القاسية الظالمة التي تستولي على حقوق الآخرين، والآخر هو ذلك الذي يتشكل في الأعماق معرباً عن الندم واللوم الذاتي، ومحاسبة النفس على جرائمها. وترتحل العراقية إنعام كجه جي بنا في روايتها «النبيذة» إلى عمق التاريخ، لكنها تحصره في العراق، فتستعرض عبر حكاية بطلتها الصحفية «تاج الملوك عبد الحميد»، التي امتلكت أول مجلة في بغداد، ثمانين عاماً من تاريخ لم يكن شخصياً بقدر ما جسد تاريخ العراق في فترات بدأت من أربعينات القرن الماضي، وتبرز الكاتبة التحولات العديدة التي جابت بطلتها من خلالها مختلف الدول، وانتقلت إلى أوروبا، حيث تدخل في لعبة مخابرات، واغتيالات، وغير ذلك من الأجواء البوليسية المرعبة. قد يكون من الواضح أن المرأة حاضرة في الروايات الأربع التي استعرضناها، لكن السؤال المهم هو هل كان حضورها كافياً لكي نقول إن ما كتبته الكاتبات هو أدب نسائي يستحق الاحتفاء به بذلك الشكل الصارخ، كأن مجرد وصولهن للقائمة القصيرة للبوكر هو تجلّ لعدالة الرجال؟ إن القارئ لتلك الروايات ولو من خلال أسطر عامة عنها، سيدرك أنها بالتأكيد استحقت الوصول، بغض النظر عن اسم كاتبها، أو كاتبتها، إنها روايات تخطت مسألة التخصيص الآنفة الذكر، وبجدارة، ويمكننا أن نقول بجدية على طريقة المسلسل الكوميدي: النساء قادمون.

مشاركة :