تبقى - دائمًا - الأقنعة جاهزة يرتديها المتسلقون، والوصوليون؛ للولوج إلى أهدافهم، وتحقيق مآربهم الدنيئة، وهم لا يعجزون عن ابتكار أقنعة جديدة إذا لزم الأمر، أو أرادوا الابتكار والتجويد، فلا تعجز قرائحهم عن الإبداع في طريق الخسة، فالشيطان خير معين لأتباعه ، وكل السبل متاحة في سبيل الوصول إلى منابع الخسة والدناءة، وتشكيل صور فنية براقة من الزيف والحقارة، تلمع في وهج الشمس وتنبعث منها رائحة عفن النفوس، وتُبطِن حقارة الضمائر التي طُمِست هويتها الإنسانية. منهم من يرتدي قناع الدين ومنهم من يرتدي قناع العفة ومنهم من يرتدي قناع النفاق وكثيرة هى الأقنعة. ودائمًا - ما تنبت بذور التاريخ؛ لتعود الأحداث التي غرس التاريخ بذورها، فتصير أشجارًا متشابهة، الفروع نفس الفروع، والصور نفس صور الأشجار الأولى، ونفس الثمار التي أكلناها قديمًا، تلوح لنا كي تخدعنا وتغوينا بأن نأكل القطاف المسموم ، فنسقط في نفس الحفر القديمة الحديثة دون وعي منا بأصلها الأول، ونعوذ بالله أن نكون من الضالين. إن ما حدث قديمًا تحت قناع الخلافة الإسلامية، وقت أن ارتدى العثمانيون قناع الدين ( في عهد سليم الأول )، وقد بان زيفهم، وثبت خداعهم، وانطلت حيلهم على الشعوب قديمًا، وعلى رجال الدين والعلماء الذين انخدعوا بدعاوٍ كاذبة ، في وقت اشتد فيه ظلم المماليك، وضج الجميع من ظلم المماليك في مصر وحلب وغيرها من البلاد، فظن العلماء ورجال الدين وغيرهم أن الخلاص في قدوم من أوهمهم بشعار الدين، فاجتمعوا وكتبوا وثيقة قاموا بإرسالها سرًا ( لسليم الأول)، ولم تزل هذه الوثيقة موجودة إلى يومنا هذا، ولقد كان قناع الدين وشعار الخلافة الزائف هو الغطاء الذي تسربله العثمانيون ؛ ليدخلوا الشام ومصر- ويبقى دائمًا - وسيلتهم؛ ليعودوا من جديد ، إن سليم الأول لم تحركه سوى دوافع الأطماع التي لا شأن لها بالدين من قريب أو بعيد سوى قناع الزيف الذي خدمهم في الوصول لأهدافهم ، فإن التاريخ يسجل أسباب توسعات ( سليم الأول ) بعد معاركه مع الصفويين، وحقده على المماليك؛ لعدم مساعدته ثم استغلاله لضعف المماليك وصراعاتهم على السلطة ، وبعد معركتين ( مرج دابق 1516 / الريدانية 1517) استطاع دخول مصر، والقضاء على ( قانصوه الغوري وطومان باي)، والتي اعتمد فيها العثمانيون على الخيانة والتحايل لدخول مصر. فماذا فعل العثمانيون تحت شعار الدين والشريعة والخلافة بعد دخول الشام ومصر ؟! وهل حقًا ...طبقوا شرع الله ؟! وهل كان لهم دور في خلافة صحيحة عادلة ؟! لم يكن العثمانيون بأقل ظلمًا من المماليك ، بل لم يهتموا بمصالح البلاد، أو الدين في صغيرة أو كبيرة ، بل وأول من تخلصوا منهم ...رجال الدين ، وبسط العثمانيون نفوذهم على خيرات البلاد، وكثرت الضرائب، وعزلوا الشعوب، وقهروها، وحُرِم الناس من كافة حقوقهم، وسيقت الخيرات صوب عاصمتهم، وصارت لخدمة السلطان العثماني، ويكفي أن نتتبع جانبًا واحدًا من تلك الجوانب الشائعة التي تثبت خداعهم، وهو جانب الدعارة ، ويستطيع أى المثقف الرجوع لقصة ( الحوض المرصود )، فقد كانت الدعارة برخصة وتصريح، وصارت من أهم وسائل الدخل، وكثرت عليها الضرائب التي تُجبى إلى العثمانيين، فوضعوا لها القوانين المنظمة، وظلت هكذا حتى دخول الفرنسيين 1798 م ،الذين منعوا جنودهم من ممارستها خوفًا من الأمراض، لكنها ظلت مستمرة حتى عام 1867م ،عندما منعها محمد علي بقرار رقم 240 ثم تبعه قرار 241 لكنها ظلت منتشرة خاصة بعد توجه العالم إلى إلغاء الرق 1877 م حيث لجأت العديد من النساء إلى كسب قوتهن باحتراف المهنة. تبقى تلك الحقائق واضحة في كتب التاريخ، ويبقى مستشفى ( الحوض المرصود )، ويبقى فيلم ( خمسة باب ) ، يؤرخ لتلك الأحداث. فأين الشريعة ؟! وأين الخلافة الإسلامية ؟! ويبدو أن بعض رجال الدين والعلماء لم يفطنوا التاريخ، ولم يتعلموا دروسه، فانطلت الخدعة مرة أخرى على زعماء الدين، ومنهم ( عمر مكرم ) ، ورجال الدين ، فظنوا أن الخلاص من ظلم طاغية ( خورشيد ) يكون ب(محمد علي) ، وكان أول من قضى عليهم ( محمد على) هم ...رجال الدين، فتخلص منهم وقضى على قوتهم ، وقام بنفي (عمر مكرم) إلى دمياط أربعة أعوام 1809 م ثم نقل إلى طنطا حتى وفاته في 1822 م .. وإني أحذر العلماء ورجال الدين وأبناء الوطن من الانزلاق في نفس الحفرة القديمة، وتلك الخيوط العنكبوتية التي ينسجها أفعوان العصر؛ تحت شعار ( الخلافة، والدين ). إن بلادنا تحتاج إلى الدعم ، إننا ندعم وطننا وجيشنا، ونثق في أبناء مصر، ولن تكون مصر إلا للمصريين ، ولن نكرر الخطأ نفسه مرات عديدة ،فلقد استوعبنا الدرس ، ولن نفرط في شبر واحد، ولن نفرط في كرامتنا حتى لو اختلفنا معًا، فإننا شعب واحد وإن تصارعنا، ولن يصلح شأننا أفعوان ولن نملك أمورنا للعضاريط . لن تخدعنا الأقنعة البراقة، فإن النار تكمن تحت الرماد، وإن الدين الصادق يكمن في أوطاننا، وإن الأطماع السياسية لا تتزاوج مع الدين، فكيف تختلط براءة الدين بخداع العضاريط؟! لا تعرف خداع العضاريط سوى الأفاعي، ولقد آن الأوان أن ينتبه كل وطني يحب بلاده إلى ما يُحاك لنا، وما نُساق إليه قسرًا وخداعًا من مصائد وشراك ، وقديمًا قالوا : من يكره أجدادك وآباءك لا يمكن أن يحبك ...فتفرسوا في التاريخ، فإن أشجاره تعيد استنبات البذور، وإن الهالوك نبات يقاومه الفلاحون منذ القدم، ومازال ينبت في أراضينا ، فهل نترك الهالوك يهلك الزرع والنسل؟!.
مشاركة :