منال الشريف «إنني على يقين من أن من يقرأ هذا الكتاب لا يعود، بعد قراءته، إلى ما ورثناه من أفكار عن الحب وعن الغزل عند العرب. إنه يُحدث، فعلاً، قطيعة مع الفكر السائد في موضوعه» (المستشرق الفرنسي أندريه ميكال). بإمكان أي قارئ أن يستحضر الآن كل ما قرأه عن الغزل العربي، لتتمثل له كل القوالب والتصنيفات الجاهزة للمواضيع الشعرية عبر العصور الأدبية: «إن المؤرخين لا يرصدون إلا ما يتحرك، لم يسجلوا الهامشي واللامبالي في التاريخ». ولكن القارئ سيعيد الفكر في كل ما عرفه حتى الآن عن الشعر العربي ما إن يقرأ كتاب الطاهر لبيب «سوسيولوجيا الغزل العربي.. الشعر العربي نموذجا»، الذي يهتم تحديداً بمجموعة العذريين مقارنة بالمدارس الشعرية الأخرى. فعلى الرغم من أن التصنيف التقليدي قد أفرد للغزل العذري خانة خاصة به، إلا أنه اكتفى بنسبة هذه الظاهرة الاستثنائية في الغزل إلى (العفة) التي اشتهر بها بنو عِذرة التي طبعتهم بها الثقافة الإسلامية الناشئة، «في حين أنه ليس هناك في حدود ما نعلم رابط موضوعي بين الغزل العذري والإسلام الناشئ». إن الطاهر لبيب، في مؤلفه هذا، لم يكتفِ بما هو ظاهر على السطح، بل اختار أن يغوص في أعماق ظاهرة الغزل العذري حتى جذورها، تاركاً الطريق وراءه مفتوحة لأكثر من ألف سؤال. وهو في سياق البحث يرجع إلى الدلالات اللغوية والتفسير القرآني والشعر الجاهلي، بالإضافة إلى الموقع الاجتماعي والاقتصادي، والتعاطي مع الواقع السياسي، ولا ينسى أن يشير إلى دلالة البحور الشعرية التي اختارها الشعراء العذريون وارتباطها بالهامشية الثقافية التي وجدوا بداخلها. إن حبيبة الشاعر العذري علامة لا تتغير في جميع العصور. إنها دلالة تعكس ما يعايشه المجتمع من صراع وتنافس، إنها تعبير عن الشقاء في «عالم الشعر» كما هو في الواقع المعيش. إن تصور الحب العذري قد تطور في سياق من الهامشية الاقتصادية واللامبالاة الثقافية، وقد وجدوا أنفسهم أمام قوة جديدة هي المرأة التي لا راد لها. وبتعبير الطاهر لبيب فإن «للشخصية العذرية إحساسا بالظلم، ولكن احتجاجها كلغتها مُستبطَن سري».
مشاركة :