تواجه الكثير من النساء العديد من الضغوط الاجتماعية لحفظ المنزل نظيفا ومرتبا ولائقا، وتقوم معظمهن بالأعمال المنزلية جنبا إلى جنب مع وظيفة بدوام كامل أو جزئي، فيما يترفع معظم الرجال عن مساعدتهن لاعتقادهم أن ذلك يهدر رجولتهم. لا يحرك معظم الرجال ساكنا تجاه الأواني التي تتراكم في المطبخ بعد كل وجبة طعام تتناولها الأسرة، وتصبح النساء مجبرات على غسلها وتجفيفها وإعادتها إلى أمكنتها المعتادة، وخصوصا عندما لا تسمح لهن الظروف المادية باقتناء غسالة أطباق بثمن قد يفوق أو يوازي دخل أسرة لعدة أشهر. ولا تقتصر مهمة تنظيف الأواني على النساء المتزوجات، بل حتى الفتيات يجدن أنفسهن مضطرات إلى غسل الأطباق للأسرة بأكملها، فيما لا يدرك الرجال حجم هذا الجهد، والأضرار التي يمكن أن تلحقها بهن مواد التنظيف، والضغط الكبير عليهن الناجم عن هذه المهمة اليومية والروتينية. كما أن نظرة المجتمعات العصرية لعمل الرجل في المنزل لم تتغير كثيرا، إذ لا يزال قطاع لا بأس به من الأجيال الشابة يرى أن غسل الأواني هو من صلب مهام المرأة وأنه لا يليق بالرجل القيام بهذه الأعمال. ويكرس هذا التوزيع غير العادل للعمل المنزلي بين الجنسين الصور النمطية بشأن المرأة والرجل، والأعباء المضاعفة على النساء والفتيات عبر الأجيال. فؤاد بلمير: الذكر ينتقل من خدمة والدته له إلى خدمة زوجته له فؤاد بلمير: الذكر ينتقل من خدمة والدته له إلى خدمة زوجته له ويمثل العمل بلا توقف للوفاء بمتطلبات الأسرة سلوكا شائعا بين النساء في المجتمعات العربية، وبالتالي يكون الحيز الزمني الذي تقضيه معظمهن مع أسرتهن ضئيلا نظرا لأن خدمة الزوج والأبناء لساعات طويلة أصبحت بمثابة فضيلة في حد ذاتها بالنسبة للكثيرات، ولن يكون من السهل تغيير هذا المعتقد. وتظهر الإحصائيات أن النساء العربيات يقضين ستة أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال في القيام بالأعمال المنزلية، وحتى لو كانت المرأة تضطلع بمهام وظيفة كاملة، فإنها تنفق أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال في الأعمال المنزلية، لكن أداء هذه الأعمال بشكل متكرر ينهك أدمغة النساء، ويقلل الإحساس بالسعادة ويساهم في الإصابة بالقلق والأرق، كما تشير الأبحاث. وبالرغم من أن بعض الدراسات السابقة أشارت إلى أن غسل الأواني وتنظيفها من الممكن أن يساهم في تعزيز الصحة النفسية ويساهم في تقليل الشعور بالتوتر، إلا أن الفوائد الصحية لغسل الأطباق تفقد قيمتها عندما تصبح النساء ملزمات بالقيام بالكثير من الأعمال المنزلية بمفردهن، حتى في ظل وجود رجال يجلسون من حولهن ولا يشاركنهن الشيء نفسه الذي يقمن به. وأكد الخبراء أن معظم النساء يحببن اضطلاع الزوج بنصيبه من الأعباء المنزلية، وأن مشاركته في أعمال التنظيف تضفي جوّا من السعادة على العلاقة الزوجية، منوهين إلى أن الأعمال المنزلية تقف وراء انتشار الخلافات بين الأزواج ووقوع الطلاق بينهم. ويعتقد الخبراء أن العداوة الصامتة التي تقع بين الأزواج، تكون بسبب رفض الزوج مشاركة زوجته في الأعمال المنزلية، ومنها إعداد الطعام وتنظيف الأطباق، كما أن رفض الأزواج الاستجابة لطلب الزوجات مساعدتهن في ذلك يعرض العلاقة الزوجية لخطر الطلاق. وكانت جمعیة “أحیاء العالم” المغربية التي تعمل من أجل محاربة العنف ضد النساء قد أطلقت مؤخرا أغنیة بعنوان “دابا ودیما”، وهي عبارة عن رسالة موجهة إلى الرجال حول مشاركتهم الفعلیة والأساسیة في الحیاة المنزلیة الیومیة. وتأتي هذه الأغنية لتدعم أصوات العديد من المنظمات غیر الحكومیة وجمعیات المجتمع المدني التي نبهت “إلى ظاهرة ارتفاع حالات العنف ضد النساء، والتمییز ضدهن، وبروز، بشكل واضح، تفاقم عدم المساواة”. ونوّه عالم النفس الأميركي جوشوا كولمان، في كتابه الذي يحمل عنوان “الزوج الكسول”، كيف يمكن لمشاركة الرجل في أعمال المنزل أن تخفف من الإجهاد النفسي للزوجة. وقال كولمان “تنظر النساء لمشاركة الرجل في أعمال المنزل كتعبير عن الاهتمام والمحبة، كما أن ذلك يخفف من إجهادهن الجسدي”. وأضاف “الرجل قد يكون مجهدا بالكامل ويريد ممارسة الحب ليحصل على الاستقرار والسعادة، إلا أن النساء مختلفات، فالرغبة لديهن مرتبطة بالراحة، ومن الصعوبة الإحساس بتلك المشاعر إذا كانت هناك لائحة بالأعباء المنزلية المتوجب القيام بها والزوج غير مهتم”. جهان الشابي: نعاني من سلسلة لا تنتهي من أعمال التنظيف المملة جهان الشابي: نعاني من سلسلة لا تنتهي من أعمال التنظيف المملة وعبرت إحدى الزوجات التي فضلت عدم ذكر اسمها في حديث لـ”العرب” عن استيائها وشعورها بالضجر والملل وهي واقفة على حوض الغسيل تقوم بتنظيف الأطباق التي تراكمت طيلة اليوم، رغم أنها تكون أحيانا منهكة من العمل في الخارج، في حين لا يكلف زوجها نفسه عناء أي مهام منزلية. وأشارت إلى أن جانبا كبيرا من إحساسنا بقلة الحيلة في هذا المضمار يعود إلى أن شؤون المنزل لا نهاية لها من جهة، وغير واضحة بما يكفي للرجال من جهة أخرى. وترى هذه الزوجة أنها محظوظة لأنها تمكنت من توظيف عاملة نظافة لمساعدتها واقتناء غسالة صحون مؤخرا، ما جنبها وزوجها الخلافات حول تقاسم المهام، وأتاح لهما الفرصة لقضاء وقت أطول مع أطفالهما. فيما وصفت الشابة التونسية جهان الشابي مهمة غسل الأطباق بأنها “دائمة ولا نهاية لها”، الأمر الذي يجعل حياة النساء “سلسلة لا تنتهي من أعمال التنظيف المملة” وفق تعبيرها. وقالت الشابي لـ“لعرب”، “يجب أن يتعلم الرجال أن عليهم القيام بمسؤوليات الأعمال المنزلية وعلى النساء مساعدتهم في ذلك، لكنني على قناعة تامة أن الرجال الفخورين برجولتهم سيبقون على حالهم، ولكن ليس بسببهم، إنما بسبب العقلية السائدة التي تساهم الأمهات في ترسيخها في عقول الذكور تحديدا”. ولفتت إلى أن المشكلة لا تكمن في الرجال فقط، فالنساء أيضا جزء من هذه المشكلة أيضا، مشيرة إلى أن والدتها تطلب منها وشقيقاتها القيام بالأعمال المنزلية، في حين لا تطلب الأمر نفسه من إخوتها الذكور. وختمت الشابي بقولها “عملية التنشئة الاجتماعية للرجال تقوم بها الأمهات وهن من يساهمن في ترسيخ سلوكيات ومفاهيم عن طبيعة الأعمال المنزلية التي يجب أن تقوم بها المرأة ولا يقوم بها الرجل، ولذلك ستبقى مهمة غسل الأطباق من واجب المرأة إلى أجل غير مسمى”. واعترف البعض من الرجال لـ”العرب” أنهم لا يحبذون القيام بالأعمال المنزلية، وخصوصا غسل الأواني، ويعتبرونها أقل النشاطات إثارة ومتعة لأوقات فراغهم، فيما رأى البعض الآخر أن أفضل طريقة للتعاون بين الزوجين هي تقسيم الأعمال المنزلية بشرط ألا تكون مهمة غسل الصحون أو الملابس من نصيبهم لأنهم لا يمتلكون أي خبرة في ذلك. لكن تبدو شخصية سامر عواد تاجر العسل الفلسطيني مخالفة تماما للصورة التقليدية القديمة للرجل البعيد كل البعد عن شؤون المنزل، إذ عبر عن استعداده لمشاركة زوجته المستقبلية في القيام بالأعمال المنزلية كي لا تقع مسؤوليتها على طرف واحد أكثر من الآخر. وقال عواد لـ”العرب” “إن بعض الرجال لا يعرفون كيفية إعداد فنجان من القهوة لأنفسهم أو مكان وضع ملابسهم دون مساعدة زوجاتهم أو أمهاتهم، أما عن نفسي فلست متزوجا لكنني أبذل قصارى جهدي لأحيط والدتي بكل سبل الراحة، خصوصا أن جميع إخوتي متزوجون ولا يقيمون معنا، ولذلك عندما لا يكونون في منزلنا أنا من يتكفل بمهمة طهي الطعام ومساعدة والدي في الوضوء والصلاة والمشي لأن صحتها ليست على ما يرام، وهذا يمثل مصدر سعادة لي وفخر، ودائما أحمد الله الذي فتح لي باب أجر وثواب وشرفني بخدمة أمي”. سامر عواد: أبذل قصارى جهدي لأحيط والدتي بكل سبل الراحة سامر عواد: أبذل قصارى جهدي لأحيط والدتي بكل سبل الراحة لكن النصيحة الأهم التي يقدمها عواد للرجال هي ضرورة التحلي بالمرونة، وتقاسم أعباء الحياة مع الزوجات حتى يستطيعان الاستمتاع بحياتهما الأسرية كما يحلو لهما. وبالرغم من أن الكثير من الرجال في المجتمعات العصرية قد بدأوا ينخرطون أكثر في الأعمال المنزلية ولا يرفضون طهي الطعام أو المشاركة في أعمال التنظيف، إلا أن فؤاد بلمير الباحث المغربي في علم الاجتماع يرى أن هذا التوجه مازال محدودا جدا ولم يصل بعد إلى المساواة الحقيقية بين الزوجين، مؤكدا أن مشهد المرأة التي مازالت تقوم بمعظم المسؤوليات المنزلية مازال طاغيا على معظم الأسر. وقال بلمير لـ”العرب” “أستحضر كتابا قرأته سنة 1977 في ضواحي لندن للمفكر ورجل الثورة البولشيفية ليون تروتسكي يحمل عنوان ’أسئلة حول نمط الحياة’ (Les questions du mode de vie)، وقد تعرض فيه إلى جوانب متعددة من الحياة اليومية للأسر الروسية غداة ثورة أكتوبر 1917 ومن بين الأسئلة التي ناقشها حياة الأزواج داخل البيت”. وأضاف “يرى تروتسكي أن معركة المساواة يجب أن تبدأ من المطبخ لأنه في هذا الفضاء بالضبط انتهكت كرامة المرأة وتمت الهيمنة الذكورية عليها، واسترجاع مكانتها ككائن اجتماعي يبدأ من الحياة اليومية داخل الأسرة! معتبرا أن الرأسمالية هي من كرس هذا الدور للمرأة إذ أنها حتى وإن أبدعت آلات الغسيل فإنها لم تفعل سوى أنها خلقت حالة من عبودية المرأة للآلة! لذلك تبقى مساهمة الذكر في المطبخ هي المنطلق الحقيقي لتحقيق مساواة في كل مناحي الحياة!”. وتساءل بلمير مستنكرا “أين مجتمعاتنا العربية من كل هذا؟ إنه السؤال الذي يجرنا أيضا للحديث عن عدم التكافؤ بين الرجل والمرأة في الكثير من المجالات! فالذكر ينتقل من خدمة والدته له إلى خدمة زوجته له! أعتقد أن الرجال العرب عموما مازالوا يظنون أن غسل الأواني أو تنظيف البيت أو حتى المشاركة في ذلك، ينتقص رجولتهم ومن يتحدون هذه العقلية البالية قد يصبحون مثار تهكم وسخرية من طرف أوساطهم الأسرية والاجتماعية”.
مشاركة :