يكشف القول الشائع “هذا نسخة مصغرة مني” عن وجود ميل طبيعي لدى جميع البشر لربط علاقات عاطفية مع أشخاص يشبهونهم، غير أن من يخرج على هذه القاعدة العامة قد يعاني في أحيان كثيرة من السخرية، ويواجه الأحكام المسبقة القائلة بأنه غير ملائم لشريك حياته. يتعرض الزوجان دائما إلى مواقف التحديق والتقييم من جانب الآخرين في أي مكان يذهبان إليه سويا، ويواجهان السخرية عندما يكون مظهر جسد أحدهما مختلفا عن الآخر في المقاس أو الطول أو اللون، وكذلك يسمعان انتقادات لاذعة إذا كان فارق السن كبيرا بينهما، ومثل هذا الأمر ليس مجرد حالات منفردة، بل ممارسات متكررة ومنتشرة بشكل كبير في مختلف المجتمعات، ويمكن أن تفضي إلى إقصاء أشخاص وتهميشهم عن محيطهم الاجتماعي. وثمة أمثلة كثيرة لأزواج مروا بهذه التجارب، وتعرضوا لعبارات مهينة بسبب اختلاف الأسس البيولوجية لأجسادهم والمظهر الخارجي، وافترض الناس بأنهم غير ملائمين لبعضهم. تتحدث سيدة تونسية فضلت تسمية نفسها هدى لـ”العرب” عن مواقف حدثت لها برفقة زوجها، الذي يتميز بقصر قامته فيما تفوقه هي طولا بنحو 30 سنتمترا، وكيف أن الجميع يلاحقونهما بنظرات الاستغراب وأحيانا أخرى بكلمات جارحة، وهذا الأمر يشعرهما بانزعاج وتوتر نفسي شديد، ما جعل زوجها في مرات كثيرة يرفض مصاحبتها إلى بعض المناسبات، رغم محاولاتها إقناعه بأن الأهم بالنسبة لها هو الحب الذي يجمع بينهما والتوافق الذي يشعران به في الأفكار والأهداف. ولا تفضل معظم النساء اللواتي استطلعت “العرب” آراءهن الارتباط برجال قصار القامة، إلا أن هدى تقول إنها فخورة بزوجها وقد ارتبطت به لأنها تحبه، ويشكلان ثنائيا رائعا أما إرضاء الناس فغاية لا تدرك أبدا. في المقابل أكدت بعض الأبحاث التي أجريت خلال السنوات القليلة الماضية أن الرجال قصار القامة لا يرتاحون إلى النساء الأطول قامة، وكذلك النساء الطويلات لا يجذبهن الرجال القصار أيضا. ويرجح العلماء أن الرجل الطويل والمرأة القصيرة مفضلان في عملية تطور الإنسان عبر الأزمان، بل وحتى في الحياة الحديثة، ومن غير المحتمل أن يختفي الفرق في الطول بين المرأة والرجل. واعتبر الدكتور نيتل من جامعة نيوكاسل البريطانية أن الرجال يميلون في الغالب إلى الانتباه إلى المواصفات البدنية للنساء، في حين تنظر المرأة إلى المكانة والقدرات والثروة التي يمتلكها الرجل أكثر من نظرتها إلى الأوصاف الجسمانية، لكن هناك الكثير من الاستثناءات التي يمكن أن تكسر جميع القواعد. وكشفت سيدة فضلت عدم الإفصاح عن هويتها عن تجربتها الخاصة في التعامل مع موقف صعب في حياتها قائلة “أتذكر كيف كان الناس يرمقونني بنظرات تعجب عندما كنت في سن المراهقة، كما أن الصبيان والفتيات يسخرون مني ويلقبونني بالعملاقة، بسبب كتلة جسدي، بل يقولون إنه من المستحيل أن أجد رجلا يعجب بي ويتزوجني، وواجهت التنمر والتمييز ولم يتقبلني زملائي في الجامعة على ما أنا عليه، ولكنني اليوم سعيدة وفخورة بزوجي الذي يحبني كما أنا، وأعتقد أن سخرية الناس لن تغير قناعاتنا، كما أنه لا ينقصنا أي شيء لنكون سعيدين في حياتنا الزوجية”. واعتبرت الطالبة خولة البقلوطي (ملكة جمال محافظة المنستير التونسية لسنة 2017) أن التوافق في الشكل بين الزوجين يعتبر معيارا مهما في مسألة اختيار شريك الحياة. وقالت البقلوطي لـ”العرب”، “أعتقد أن الزواج قرار مصيري، ويجب أن يبنى على معايير أساسية حتى نحصل على السعادة المرجوة، ولا نقع في مطبات تنغص علينا حياتنا بأكملها، ولهذا أرى أن التشابه في الشكل الخارجي بين الزوجين أمر ضروري، حتى لا تنهار العلاقة الزوجية، بسبب الشعور بالنقص والغيرة من أحد الزوجين لأن شريك حياته أكثر جاذبية وأفضل منه في البنية الجسدية والملامح الخارجية”. الزوجان يواجهان السخرية عندما يكون مظهر جسد أحدهما مختلفا عن الآخر في المقاس أو الطول أو اللون وأضافت “رغم أنني أؤمن بأن جوهر الإنسان أهم من المظهر الخارجي، لكن التجارب أثبتت أن التشابه في السمات بين الزوجين يجنبهما الكثير من المشاكل، وأنا على يقين بأن الأزواج غير المتوافقين في الشكل لن يتركهم الناس في راحة أبدا، أقول هذا لأنني شاهدت مواقف مؤلمة لأزواج واجهوا أحكاما مسبقة وقاسية من غيرهم، بل الأمرّ من ذلك الكلمات التي تحتوي على إهانات تجرح المشاعر، والتي قد تفضي إلى ضرر نفسي للزوجين لا يستهان به”. لكن لا يبدو أن المضايقات العنصرية ضد الأزواج غير المتشابهين في الشكل تتوقف عند حدود التعليق على الاختلاف في طول القامة أو في كتلة الجسد، بل الأمر يتعدى ذلك إلى أشكال مختلفة من الممارسات التميزية على أساس لون البشرة والخلفية الاجتماعية، وغيرهما من المعايير الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى، وفي الكثير من الأحيان يقود هذا النوع من التمييز إلى حرمان الكثيرين من الزواج بسبب رفض العائلات المبني على معايير تمييزية. وفي هذا الصدد أكدت الطالبة السودانية شريهان الطيب أن للتوافق الشكلي تأثيرا كبيرا على نجاح أو فشل العلاقة الزوجية في السودان بسبب الاختلاف والتنوع الثقافي والقبلي. وقالت الطيب لـ”لعرب”، “للأسف الشديد لا تزال تحكمنا العادات القبيلة والجهوية والتمييز العرقي واللوني في الكثير من المعاملات بما في ذلك الزواج، ولنجاح العلاقة لابد بالضرورة من توافق لوني عرقي يتبعه توافق عائلي بين أسرة كل من الزوج والزوجة، لأن أغلب المشاكل الزوجية تنشأ من عدم تقبل أسرة الشاب للشابة أو العكس، أحيانا حتى وإن كان الزوجان على وفاق، فإن المشاكل بين الأسرتين تنغص وتفسد حياتهما وتؤثر سلبا على العلاقة الزوجية بين الطرفين”. وأضافت “التوافق في الشكل له تأثير مباشر على استقرار الزواج، لأنه يساهم في متانة العلاقة الحميمية بين الشريكين، فعلى سبيل المثال يتعزز شعور الرجل برجولته عندما يرتبط بامرأة أقصر منه، وفي العموم تميل المرأة السودانية إلى الارتباط برجل أطول منها لأن ذلك يساهم في تعزيز إحساسها بأنوثتها، وهناك الكثير من الشروط للزواج تبنى على أساس الملامح الخارجية، سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل”. فيما يرى البعض من علماء النفس أن الأمر كله مرتبط بالطريقة التي بلور بها البشر العثور على شريك للحياة، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التشابه بين الأزواج له فوائد حقيقية، وبالأخص في ما يتعلق بسمة قبول الطرف الآخر، لكن الأهم من مجرد التشابه هو مدى نجاح الزوجين في تشكيل “هوية مشتركة”، بمعنى الوثوق بالطرف الآخر والتعاطف أكثر معه. فكلما زاد التشابه مع الزوج في هذه السمة كان الوضع مثاليا من حيث الشعور بالدعم في العلاقة. وهناك أدلة على أن التشابه في أمور أخرى بخلاف السمات البيولوجية يكون مفيدا أيضا، فمثلا كشفت دراسة أجرتها مؤخرا بولينا يوتش بجامعة وارسو أن النساء يكن أسعد حين يقترن بأشخاص يشاركونهن النظام اليومي، كأن يكون كلاهما أنشط صباحا أو كلاهما أنشط مساء. وأظهرت دراسة أخرى أن النساء يكن أسعد في العلاقة حين تتفق قناعاتهن السياسية مع أزواجهن، والرجال والنساء يكونون أسعد حين يُعلون وأزواجهم بنفس القدر قيمة الحرية واستقلال الفكر.
مشاركة :