الآباء يستعينون بـ"غوغل" في تربية الأبناء | يمينة حمدي | صحيفة العرب

  • 7/20/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وتيرة الحياة السريعة والانشغال الدائم في العمل، يدفعان الآباء إلى الاستعانة بوسائل التكنولوجيا التفاعلية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية، لتنشئة أطفالهم بأساليب عصرية، تتوافق مع ما يشهده العالم من تطورات. لم تعد تربية الأطفال تعتمد فقط على الغريزة الأبوية والنظريات التربوية التقليدية للأجداد، بعد أن وجد الآباء أنفسهم محاطين بكم هائل من المعلومات والمصادر المتوفرة على شبكة الإنترنت. وتتعدد الدوافع التي جعلت معظم الآباء يتجهون إلى وسائل التكنولوجيا التفاعلية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية، بحثا عن استراتيجيات ونظريات تربوية حديثة تسهل عليهم مهام تنشئة أطفالهم، وتتيح لهم الفرصة لتربيتهم بأساليب عصرية، تتوافق مع ما يشهده العالم من تطورات باستمرار. ومع أن نمط تربية الأطفال قد يختلف من مجتمع إلى آخر وفقا لاختلاف العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، إلا أن البعض من الأسر العربية لم تعد تمانع في الاستعانة بخبرات وتجارب عابرة للحدود ومتعددة الثقافات، بهدف تحقيق ما هو أفضل لمصلحة الطفل، واستجابة للتغيرات التي طرأت على الأساليب التربوية للأطفال مع مرور الوقت. وسمية الشيخاوي واحدة من بين عدد متزايد من الأمهات التونسيات اللواتي بتن يستخدمن وسائل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي لمساعدتهن على تربية أبنائهن والعناية بهم، فهي من جيل اعتاد على استقاء المعلومات بشكل روتيني من الإنترنت في حياته اليومية والاعتماد على أجهزته الذكية لفهم أكثر لطبيعة نوم الأطفال وطرق تغذيتهم وكيفية التعاطي مع مختلف سلوكياتهم، ومن ثم ليس غريبا أن يصبح محرك البحث الشهير “غوغل” مصدرا مهما، تستعين به للتعامل مع المشكلات التربوية التي تواجهها في تنشئة ابنتها، فضلا عن اكتساب الخبرات والتجارب حول طرق تعامل الآباء مع أبنائهم عبر مراحل حياتهم. وقالت الشيخاوي في حديث لـ”العرب”، “أحرص على متابعة غروبات الخبراء والمختصين في التربية السليمة للطفل الموجودة على فسبوك، وأحيانا أستعين بغوغل لقراءة الإرشادات الخاصة بطرق رعاية الأطفال، وأحاول قدر المستطاع اكتساب المهارات التي تساعدني على تربية ابنتي بشكل صحيح وفهم احتياجاتها النفسية والعاطفية والاستجابة لها، خاصة وأننا نعيش في عصر مليء بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي تفرض علينا أن نربي أبناءنا بطريقة مختلفة عن التي ربانا عليها آباؤنا وأجدادنا”. وأضافت “لجأت إلى أمي في الكثير من المرات عندما كانت ابنتي رضيعة لتعلمني كيفية التعامل معها وتغذيتها، لأنني أدرك تماما أن والدتي قد أحسنت تربيتنا أنا وإخوتي، لكنني أعتقد أن الاعتماد على آراء الخبراء مهم جدا في العصر الحالي، لأنني أطمح إلى تربية ابنتي بطريقة أفضل من ذي قبل، وثمة طرق ومصادر لا حصر لها، متوفرة على الإنترنت قد تساعد جميع الآباء والأمهات في أن يتشاركوا بفعالية في تربية صغارهم ويفهموا أكثر احتياجاتهم ويبادرون إلى تلبيتها بشكل صحيح”. ومن جانبها أكدت منية اليعقوبي أن جميع الآباء يحدوهم نفس الطموح الجارف في رعاية أطفالهم بأسلوب تربوي مميز من أجل تنمية ثقتهم في أنفسهم وتطوير شخصيتهم، ومساعدتهم على التعامل بمرونة مع العالم من حولهم، وغوغل يتيح لهم هذه الفرصة لاكتساب مهارات مختلفة عما كان سائدا في الماضي، ويجيبهم عن مختلف الأسئلة المحيرة التي قد لا يجدون لها أحيانا إجابات أو تفسيرات عند الأجداد وبعض الأقارب. وقالت اليعقوبي لـ”العرب”، “على الآباء تلقي كل المساعدة المتوفرة على الإنترنت، لأني أرى أن تربية الأطفال تصبح أصعب فأصعب، لذلك هناك الكثير من الفرص المجانية المتاحة على وسائل التكنولوجيا بمختلف أنواعها، تسدي النصح لآباء الرضع والأطفال الصغار، لكن تعليمات الخبراء وآراءهم بطبيعة الحال هي الأهم، ومنها كيفية جعل الطفل يتفهم الآخرين وكيفية توعيته بأهمية إرثه الثقافي وثنيه عن السلوك السيء والعنف تجاه الآخرين و تلبية احتياجاته وإبراز مواهبه ومنحه قدرا مهما من العلم والمعرفة”. وأضافت “لا أعتقد أن التربية التقليدية التي تربينا عليها سابقا ملمة بجميع هذه الجوانب، ثمة تغيرات كثيرة طرأت على التنشئة الاجتماعية للطفل ولم تعد مهمة الآباء اليوم تقتصر على منح الأطفال الطعام والملبس وتعليمهم فقط، بل لا بد من البحث عن الأسلوب الأمثل لتربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة”. وكشفت الدراسات أن التوجه المعتمد على الإنترنت في تربية الأبناء يشمل أكثر من 80 في المئة من الآباء والأمهات حول العالم وخصوصا من الجيل الذي تشكلت حياته بالكامل عبر الفضاءات الرقمية، وأصبحت تمثل وسيلة حيوية له، لاستلهام دروس ونصائح المختصين التربويين والحلول المتوافرة على الإنترنت حول كيفية التعاطي مع مشاكل الطفولة المختلفة. ولكن المشكلة التي يحذر منها الخبراء هي أن النصائح المقدمة للآباء على هذا الصعيد برغم أنها في تزايد مستمر على شبكة الإنترنت، وتتغير لتعاصر تغير المجتمعات وتطور تقاليدها والأعراف الاجتماعية التي تحكمها، لكنها تتضارب في أحيان كثيرة، فبمجرد مثلا وضع تعبير “تربية الأطفال” على غوغل يحيل على الملايين من النتائج، وهذا الكم الهائل من المعلومات والمصادر التي أضافها عدد كبير من الناس، قد تنجم عنه عدة مخاطر، بسبب نزوع معظم الآباء إلى المبالغة في الاقتداء ببعض الروابط والمعلومات من دون إعمال الفكر فيها. ومع أن بعض الخبراء يثمنون المعلومات التي تحتوي على نصائح سليمة وصحيحة، إلا أنهم يحذرون في الوقت نفسه من خلطها بأمور إضافية مضللة وضارة بالأطفال. وبسبب تداولها مرارا على منصات الوسائط الاجتماعية، قد يكون من الصعب على الآباء التحقق من مدى صحتها، رغم أنها يمكن أن تعرض أطفالهم لمشاكل سلوكية، أو تتسبب في إصابتهم بأمراض خطيرة، لذا من المهم ألا يتحول الأمر إلى تجميع للمعلومات من عالم الإنترنت ومحاولة تطبيقها بحذافيرها على الأبناء. ويرجح الخبراء أن اللجوء إلى هذا الأسلوب في تنشئة الأطفال قد يؤثر بشكل سلبي على الوالدين نفسيهما، خاصة على الأمهات اللواتي لا يزلن يتحملن العبء الأكبر في ما يتعلق بالقيام بالأنشطة المرتبطة برعاية الأطفال. وتشير دراسة أجراها باحثون أميركيون ويتم الاستشهاد بها كثيرا في الأوساط الأكاديمية، إلى أنه كلما كان أسلوب تربية الأطفال مكثفا بشكل أكبر، كانت الأم أكثر اكتئابا وقلقا، بسبب ما يساورها من شكوك وإحساس بالتقصير في واجباتها تجاه أبنائها. ومن بين الخبراء الذين أولوا اهتمامهم بهذه المسألة تحديدا، الكندية ليندا كويرك، أستاذة علم الاجتماع بجامعة ويلفريد لورير التي ترى أن نصائح الخبراء في هذا الصدد، تؤثر في أولياء الأمور، وتوضح ذلك بقولها “ينظر هؤلاء الآباء إلى تلك النصائح ويقولون ‘هذا ما يفعله الآباء الآخرون إذا في مثل هذه المواقف’، ما يجعل الكثير من الآباء والأمهات يعتقدون أن تبني هذا الأسلوب أمر واجب عليهم”. وتعزز الكثير من الدراسات الفكرة القائلة بأن تربية الأطفال ترتبط في أغلب الأحيان بالبيئة التي ينشأون فيها وأن عالم الإنترنت مهما أغدق على الآباء من معلومات وخبرات لا يمكن أن تكون مرجعا مثاليا في تربية الأطفال، كما يجدر بالآباء أن ينظروا في تصرفاتهم وسلوكياتهم، فهي التي تؤثر بشكل أكبر على تصرفات أبنائهم وبناء شخصياتهم. ويبقى الأجداد أفضل راع للأحفاد، لما يضفونه من دفء عائلي يؤثر على ذكاء الطفل ونموه العقلي وقدراته الذهنية، وخاصة على سلوكه الاجتماعي، فالأجداد يقومون أحيانا بدور يشابه دور رجل الأمن الذي يعطي دوما إحساسا بالطمأنينة.

مشاركة :