مزمار بقلم : محمد الرياني أتاهم بمزمار، قالوا هذا هو الصوتُ الذي يهزنا طربًا، فمٌ بأسنان معدودة لكن زامره يسري للجبال فيوقظ الجوارح التي تنام وفي مناقيرها روائح الجثث التي نهشتها من الوهاد أسفل الجبل، وإذا حرَّك مزماره صوب السهول رقصتْ عليه الطيور التي كانت في الصباح تغني على رؤوس السنابل، في الليل يبيت يغني وهم يتمايلون رقصًا وطربًا، وفي النهار تعجز سيقانهم عن حملهم من كثرة تحريكها، وسط الهدوء والنوم يخبئ مزماره كي لايفضحه ويتجه نحو الأراضي المجاورة، يختار أحسنها، يضع لها حدودًا ومعالم، عندما يكتشفونه يساومهم على صوت المزمار عندما يحلو السمر، يغيب في الليل فيتحجج بانسداد فتحاتِ المزمار أو بضياعه ، اشتاقوا للناي الحزين الذي يخفي المكر، تاقت سيقانهم للرقص والطرب، اضطروا للتنازل عن الأرض التي يزرعونها مقابل صوت فمٍ بلا أسنان ينفخ في اسطوانة خشبية مفرغة بها ثقوب، وأصابع تحركها بمهارة، اشترط عليهم أن يبيعوه المساحات التي اختارها مقابل إطلاق صوته في الليل ليسري مع نسيم الليل ، استسلموا لشهوة الرقص والسهر، هزمهم مزمار وسلب رزقهم، في ليلة مقمرة اشتاقوا للسهر، دعوه كالعادة ليحيى لهم مساء فريدا، لم يستجب لهم، نادوا عليه فلم يجبهم، لا أثر لأحد ، وجدوا المزمار مرميًّا أمام داره وهم ينادون ، انتظروا حتى الشروق، سمعوا صوته يحمى السنابل من الطيور، نادوا عليه معاتبين، طلب منهم أن يأخذوا المزمار لهم ليحيوا بأنفسهم لياليهم.
مشاركة :