الحلوى الجاهزة تتفوق على «حلى البيت»..!

  • 7/10/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

استقبال العيد في كافة انحاء العالم الاسلامي يكاد يتشابه في امر اعداد الحلويات الخاصة و تحديدا كعك العيد، هذه القطع الحلوة من العجين المخبوز تفننت وابدعت امهاتنا وجداتنا في صناعتها وكانت سمة وعلامة بارزة ورائحة مميزة تعبق بيوتنا من اقصى الشرق لاقصى الغرب في الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك. كعك العيد لم يعد كعكا ورائحة "روح الكعك" لم تعد تنطلق في بيوتنا ودفء حرارة الفرن لم تعد تسري في اوصال معظم البيوت العربية استعدادا لاستقبال العيد بصناعة بيتية ترسخ في وجدان الصغار ان للعيد بهجته التي لا تعادلها بهجة. كنا زمان رغدة الراشد -ربة بيت من الطراز الاول- تهتم كثيرا بإعداد الوجبات وتشتهر بين معارفها باتقانها الكبير لكافة انواع الاطعمة المالحة والحلوى لكنها مع كعك العيد لها قصة اخرى تقول : منذ ان غادرت بيت اهلي قبل 40 عاما الى بيت زوجي وانا احمل معي كافة وصفات امي في صناعة كعك "الكفرات" بالجوز والتمر والكليجا والمعمول وغيرها من الوصفات التي كان مجرد اعدادها في البيت متعة في حد ذاتها لا تعادلها متعة وكنت في السنوات الاولى لزواجي حريصة على تقاليد العيد، وصناعة الكعك بانواعه والتفنن فيه خاصة بعدما دخلت علينا الوصفات المصرية واللبنانية والسورية من اصناف "اللانكشير" وبسكويت القرفة والغريبة وغيرها من وصفات اصبحت مع مرور الزمن من ثوابت كعك العيد. وتتنهد السيدة رغدة وتكمل لكن مع مرور الزمن اصبح الكعك الذي نصنعه في البيت يتقهقر امام مغريات الحلويات الشرقية والغربية التي تتفنن المحلات الراقية في صناعتها وتزيينها واصبح الاطفال لا يقبلون على كعك العيد المصنوع في البيت امام قطع الكعك العصرية. وتضيف بقولها: تدريجيا بدأت اجد ان اسهل الامور ان اشتري من المحلات كعك بيتي باصنافه الغريبة والجميلة واطباق التقديم الفاخرة ومنذ خمسة اعوام تقريبا لم اعد اصنع كعكا او افكر حتى في صناعته ولكنني حين ازور احد لديه كعك بيتي بجوار الكعك الجاهز فانني تلقائيا انحاز للصناعة البيتية واتذوقه ربما من اجل الحنين . لماذا الفوضى الشابة ريما راضي حديثة الزواج وهي ايضا ربة بيت استغربت اساسا السؤال عن الصناعة المنزلية لكعك العيد وقالت : لماذا اصنعه في منزلي والسوق يزخر بكل ما هو جميل ولذيذ ورائع، ومهما كانت اسعاره عالية فانه لا يعدل ساعات اقضيها في الصناعة والعجن والخبز والتزيين ثم في النهاية اكون عرضة لان تكون العجينة يابسة او ان تكون لينة اكثر مما ينبغي او ان تحترق مني او تحرق يدي او تملأ مطبخي مواعين للغسل والتنظيف الاضافي لماذا كل هذه الفوضى، مشوار واحد للسوق يحمل متعة ان تشاهدي وتختاري وتنوعي وتعددي الأصناف والاشكال والمذاقات الغريبة التي تأتي من كل انحاء العالم لتصبح على سفرتك وامام ضيوفك في اقل من ساعة، اما مسألة الحنين الى كعك الماضي وما كانت تصنعه الجدات فهو ليس قويا الى درجة ان اضيف الى كاهلي اعباء صناعة الكعك المنزلي يكفيني جدا ما عندي من مشاغل اخرى. أحن الى كعك امي ام حنان سميرة الجوهري -مقيمة مصرية- كلما جاء العيد وهي بعيدة عن اهلها اثار الحنين شجونها تخبرنا عن علاقتها بكعك العيد قائلة : في مصر ليلة العيد هي الليلة الذهبية التي تجتمع فيها كل نساء العائلة صغيرها وكبيرها ونبدأ في العجن وصناعة الكعك و نقشه -عن كعك السكر اتحدث - بالاضافة الى الكعك بالعجوة والقراقيش والمنين والبسكويت والغريبة. وتضيف لقد كنا نصنع كميات كبيرة لانها ستقسم على كل الاسر المشتركة في الصناعة، كان الخبز والعجن مشترك وكانت لمة العيد ورائحة الكعك الساخن ومحاولاتنا ابعاد ايدي الاطفال عنه قبل الصباح من اجمل ذكريات العمر، ولكن الان الامر اختلف ليس فقط بسبب الغربة لكنهم هناك في مصر ايضا لم يعودوا يصنعونه منزليا كالسابق وانتشرت كثيرا المخابز التي تصنعه لنا والكثير من الاسر توقفت عن صناعته تماما. وتردف سميرة انا هنا اشتريه من محلات بيع المنتجات المصرية عبوات مغلفة كل عبوة كيلو فيها احد اصناف حلويات العيد التقليدية لكن بلا رائحة و بلا لمة. فران الحارة إلينا الراح -مقيمة مغربية- لها حول كعك العيد ذكريات تخبرنا عنها قائلة : كسائر البلدان العربية تكاد فكرة ان نصنع الكعك في بيوتنا ان تختفي الا قليلا ولدينا في المغرب فران الحومة-الحارة- الذي يقوم بصناعة كافة انواع الكعك المغربي في العيد عوضا عنا واصبح ايضا من التقاليد الشائعة، غير انني من وقت لآخر احب ان اصنع احيانا شيئا من كعكنا حتى لا "نعولم " الكعك فمع مرور الزمن اصبح ما نتناوله من حلويات في العيد تكاد تتناسخ في كل الدول طاغية على ما تميزت به كل دولة عن الاخرى. وتبين بقولها: نحن مثلا لدينا من اصناف كعك العيد الفقاص وغريبة الكاوكاو وكعك كعب غزال والبريوات والكعك المنقوش وبليغات باللوز، واحب ان اصنع شيئا منها واطلب من اولادي ان يتناولوا شيئا منها لكي يجدوا طعم العيد المغربي في افواههم ولا يصبحوا في غربة كاملة حتى عن حلاوة بلادهم لصالح من اصبح شائعا وعلى كل مائدة مهما كان جنسية اصحابها. الكعك في التاريخ الإسلامي يذكر التاريخ الإسلامي أن تاريخ الكعك يرجع إلى الطولونيين (من سنة 868م لسنة 904م ) الذين كانوا يصنعونه في قوالب خاصة مكتوباً عليها "كل واشكر"، وقد احتل مكانة مهمة في عصرهم، وأصبح من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. أما في عهد الدولة الإخشيدية (323-358ه/935-969م) فان أبو بكر محمد بن علي المادراني- وزير الدولة الإخشيدية- صنع كعكا في أحد أعياد الفطر، وحشاه بالدنانير الذهبية، وأطلقوا عليه وقتئذ اسم أفطن إليه أي انتبه للمفاجأة التي فيه، ولكن تم تحريف الاسم إلى "انطونلة" ، وتعتبر كعكة "أنطونلة" أشهر كعكة ظهرت في هذا الوقت وكانت تقدم في دار الفقراء على مائدة طولها 200 متر وعرضها سبعة أمتار. وفى عهد الدولة الفاطمية (1171- 909) كان الخليفة الفاطمي يخصص مبلغ 20 ألف دينار لعمل كعك عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لصنعه بداية من منتصف شهر رجب، وتملأ مخازن السلطان به، وكان الخليفة يتولى توزيعه بنفسه. ويذكر أن مائدة الخليفة العزيز الفاطمي بلغ طولها 1350 مترًا وتحمل60 صنفًا من الكعك والغريبة، وكان حجم الكعكة الواحدة في حجم رغيف الخبز، وأطلق على عيد الفطر "عيد الحُلل" لأنه كان يُخصص 16 ألف دينار لإعداد ملابس لأفراد الشعب بالمجان، وخصصوا من اجل صناعته إدارة حكومية تسمى دار الفطرة ، كانت تقوم بتجهيزه وتوزيعه، وكان الشعب يقف أمام أبواب القصر الكبير عندما يحل العيد ليحصل كل فرد على نصيبه واستمر هذا التقليد حتى أصبح حقا من حقوق الفقراء. ومن أشهر من صنعت كعك العيد هي حافظة التي كانت تنقش عليه عبارات مختلفة مثل تسلم ايديكي يا حافظة أو بالشكر تدوم النعمة، ولم يكن يأكل منه إلا المحظوظون من ضيوف الخليفة، ومن أفضل المظاهر على الإطلاق ، أوقاف البر والإحسان التي كان يصرف من ريعها علي صنع الكعك وتوزيعه على الفقراء في عيد الفطر واليتامى، ومن أشهرها وقفية الأميرة تتر الحجازية والتي تقضي بتوزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي أنشأتها عام 748ه. في العهد الأيوبي (1169 - 1260 ) حاول صلاح الدين جاهداً القضاء على كل العادات الفاطمية ولكنه فشل في القضاء على عادة كعك العيد وباقي عادات الطعام التي ما زالت موجودة إلى اليوم، واستمرت صناعة الكعك وتطورت بعدهم في العصر المملوكي (1250- 1517م) حيث اهتم المماليك أيضاً بصناعة كعك العيد وقدموه إلى الفقراء والمتصوفين وكانوا يعتبرونه صدقة، واهتموا بتوزيعه على الفقراء، واعتبروه من الصدقات، وتهادوا فيه بعيد الفطر. وفي العهد العثماني (1516 -1917)م اهتم سلاطين بني عثمان بتوزيع الكعك في العيد على المتصوفين والتكيات والخانقات، المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين، وظل التراث العربي معبرا عن حاله حتى يومنا هذا وخاصة بمصر وبلاد الشام بحكم الارتباط الجغرافي والتاريخي، وفي متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في مصر توجد قوالب الكعك عليها عبارات "كل هنيئًا واشكر" و"كل واشكر مولاك" وعبارات أخرى تحمل نفس المعنى.

مشاركة :