يثير اندفاع الصومال نحو النفط حاليا بينما تشهد أسعاره انخفاضا حادا خاصة وأن المؤسسات الرئيسية المخولة لإدارة وتنظيم القطاع ليست جاهزة بعد، حفيظة المحللين للدخول في جدل حول تضارب مصالح المسؤولين في السلطة لمنح دول كتركيا فرصة لوضع موطئ قدم لها بالبلاد دون سند قانوني في منح التراخيص. مقديشو - تمارس وزارة البترول الصومالية ضغوطا للبدء في جولة منح التراخيص لشركات الطاقة العالمية بحلول الشهر المقبل، رغم أن المؤسسة المخول لها تنظيم القطاع لم يتم إنشاؤها حتى الآن. وتسعى الحكومة للبدء في عملية التنقيب عن النفط والغاز، ومنح التراخيص، ما سيفتح ساحة لعب جديدة في سوق التنافس العالمي على نفط الصومال. ووقع الرئيس الصومالي عبدالله فرماجو في فبراير الماضي مشروع قانون النفط ليصبح نافذا بعد تمريره عبر الغرفة العليا للبرلمان، وقد كان القانون في طور الإنشاء منذ فترة، وكان محل نزاع وجدال. ومع أن القانون يمهد الطريق ليصبح الصومال دولة منتجة للنفط، إلا أن العديد من القضايا لا تزال عالقة، ويمكن أن يمثل ذلك بداية صراع نفطي داخلي وإقليمي ودولي بالبلاد. ويأتي رفض رئيس ولاية بونتلاند الصومالية لقانون النفط الجديد خير دليل على ذلك، بيد أن شركات النفط العالمية تريد دخول البلاد مهما كان الإنتاج صغيرا. ويرى البعض أن الصومال ليس مستعدا لتطوير النفط إلا أنه مع توافر إمكانية الوصول إلى الممرات الملاحية والثروة الضخمة غير المستغلة التي قد تصل إلى 110 مليارات برميل، وفق عدة دراسات، فليس مستغربا ملاحظة اندفاع شركات النفط متعددة الجنسيات نحوه. وكمثال على ذلك دفعت شركتا رويال داتش شل وإكسون موبيل قبل أشهر نحو 1.7 مليون دولار لتأجير رقعتين بحريتين لثلاثين عاما. وفي خضم ذلك تسعى تركيا إلى وضع موطئ قدم لها في البلاد، حيث ركزت الأنظار نحوها عبر بوابة التنقيب عن النفط والغاز مهما كانت التكاليف. وحاول الرئيس رجب طيب أردوغان في يناير الماضي، تبرير أطماعه في احتياطات الطاقة الصومالية بالقول إن مقديشو دعت أنقرة للتنقيب عن النفط في مياهها. وقارن أردوغان ذلك بالاتفاقية البحرية التي وقعتها بلاده في ديسمبر الماضي مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا والتي تعرضت لانتقادات دولية شديدة. واستغلت تركيا حالة الفوضى والصراع السياسي في الصومال لغرس نفوذها الاقتصادي منذ عام 2011 بالتزامن مع تزايد خلافاتها مع الدول الغربية ودول الشرق الأوسط بسبب أجندات أردوغان الداعمة للجماعات الإسلامية المتشددة. واضطرت أنقرة للبحث عن مناطق نفوذ جديدة، وركزت على الصومال حيث تدفقت الشركات المرتبطة بحكومة حزب العدالة والتنمية عبر تحالفات مع فصائل سياسية وجماعات متشددة محلية ترتبط بأجندات أنقرة. 110 مليارات برميل احتياطات النفط غير المستغلة في الصومال، وفق العديد من الدراسات ومع ذلك يؤكد مركز مقديشو للبحوث والدراسات أن ملف النفط فتح بالفعل نزاعا بحريا بين الصومال وكينيا، حيث من المنتظر أن تصدر محكمة العدل الدولية حكما بشأنه. وتتمثل القضايا العالقة حول ما إذا كان قانون النفط الجديد يحترم مبادئ الدستور الفيدرالي أم يؤدى إلى سلطة مركزية تسيطر على قطاع النفط. كما أن كيفية الإدارة والتفاصيل المتعلقة باتفاقيات تقاسم الموارد والنظام المالي والضريبي واتفاقية تقاسم الإنتاج النفطي وإدارتها وتنفيذ ومراقبة الهيئة المنظمة وهي وكالة البترول الصومالية، كلها عوامل تجعل من المسألة معقدة. ورغم أن القضايا العالقة لم تحل بعد، فيبدو أن التركيز منصبّ حاليا على من يملك حق التفاوض والتوقيع على الامتيازات النفطية، ومن يتم ترشيحه للمواقع المسيطرة. والنقطة الأخرى الرئيسية والمثيرة للجدل والتي لا تزال قائمة هي الإرث المستمر لشركة سوما أويل آند غاز، التي أعيدت تسميتها لاحقا لتصبح كوستالين إكسبلوراتيشين، وهي شركة نفط تتخذ من بريطانيا مقرا لها ويرأسها زعيم سابق لحزب المحافظين وهو لورد هاورد، والتي خضعت لتحقيقات بالفساد عام 2015. وتربط رئيس الوزراء الصومالي الحالي حسن علي خيري بعلاقة طويلة ومثيرة للجدل مع شركة سوما أويل، بالإضافة إلى روابط محتملة مع مصالح لدولة النرويج. وهذه العلاقات لا تزال محط شكوك ومخاوف من قبل خصوم رئيس الوزراء من السياسيين والإدارات الإقليمية، ومع أنه تنازل علنا عن أسهمه للشركة البالغة مليوني دولار عام 2017 إلا أن مخاوف تعارض المصالح لا تزال قائمة. ومن بين تلك الأمور اتفاقية وقعتها شركة سوما أويل مع وزارة البترول الصومالية في عام 2013 لإجراء مسح زلزالي، والتي تعطي الشركة حق التفاوض مع 12 رقعة استكشاف من اختيارها. وتبدو عملية بدء جولة توزيع التراخيص النفطية متسرعة جدا وغير مبررة، ولا تضع في الاعتبار توصيات بحثين تمّ إجراؤهما من قبل منظمة آدم سميث في 2014 والبنك الدولي في عام 2016، والتي نصت على عدم الاستعجال في دخول عقود الاستكشاف قبل التأكد من وجود القانون والإطار التنظيمي فضلا عن المؤسسات الأساسية. وهناك عاملان رئيسيان قد يشرحان سبب الاندفاع نحو بدء جولة منح التراخيص النفطية، الأول يتعلق بمصالح سوما أويل، وفقا لإعلان عقود التراخيص الأخير، فقد تم منح 7 رقع استكشاف للشركة ولا يشمل ذلك 14 رقعة ممنوحة لها سابقا. أما العامل الثاني، فيتعلق بالأموال التي تم جمعها عن طريق ما سمي بـ”مكافأة التوقيع” والبالغة مليوني دولار لكل عقد. قانون النفط سيجعل الصومال دولة منتجة لكن عدة قضايا لا تزال عالقة وقد تمثل بداية صراع جديد ويقول محللون إنه حتى وإن تم منح التراخيص كما تريد وزارة البترول، فإن الدخل من عمليات التنقيب قد تأخذ فترة تتراوح ما بين ثلاث إلى أربع سنوات في أفضل السيناريوهات. والمزاعم بأن عائدات الطاقة ستستخدم لإعادة البناء والتنمية تجافي الحقيقة لأن معظم الأراضي الصومالية لا تقع تحت سيطرة الحكومة، حتى قعود بناء الطرق بالقرب من مقديشو لم تكن من الممكن تنفيذها. ولقد تم تأجيل بدء أول جولة من منح التراخيص النفطية في العامين الماضيين بسبب اعتراضات من المعارضة والشعب والنواب، والحكومات الإقليمية ومن الحكومة الفيدرالية ذاتها، ومن أسباب التأجيل عدم مصادقة البرلمان على قانون النفط. وكذلك كانت تحتاج أن تعكس اتفاقية تقاسم الثروة المتفق عليها في اجتماع بيدوا عام 2018 في قانون النفط، وكان من المفترض أيضا توضيح دور الهيئة الصومالية للبترول. وبعد فشل مؤتمر النفط في لندن خلال فبراير العام الماضي أجرت وزارة البترول تعديلات في قانون النفط ليتم تمريره في البرلمان بغرفتيه العليا والسفلي. ومع أن دور الهيئة الصومالية للبترول قد تم توضيحه لكن ولاية بونتلاند ما زالت غير مقتنعة بالقانون وقد انسحب أعضاؤها في البرلمان خلال جلسة مناقشة القانون. وصرح رئيس ولاية بونتلاند سعيد ديني أن الولاية غير مؤيدة بالقانون معللا بذلك أن القانون ذاته والطريقة التي مرر بها في البرلمان يتعارضان مع مبادئ الفيدرالية. ومع ذلك سارعت وزارة البترول إلى الانخراط في جولة منح التراخيص المتوقفة، معلنة عن اكتمال إنشاء التشريع الخاص بقطاع النفط. وبسبب الوباء، فقد تم تحويل الجلسة المزمع انعقادها في مدينة هيوستن بتكساس إلى عرض تم عن طريق الإنترنت في مايو الماضي، حيث أعلن بصورة رسمية أن جولة تراخيص النفط ستبدأ في الرابع من شهر أغسطس المقبل. وهذا الموعد يتزامن مع نهاية المهلة الممنوحة لإنشاء الهيئة الصومالية للبترول، والتي نص قانون البترول الجديد على اكتمال إنشائها في غضون ستة أشهر ابتداء من تاريخ توقيع فورماجو القانون. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :