أصبحت «منظومة التعليم» بكافة مؤسساته ومراحله ومنسوبيه في قفص قائمة اتّهامات مزمنة وطويلة، قد يكون لها أول، لكن يبدو أن لا نهاية لها، طالما أن هذه المنظومة باقية ومسايرة لحياة المجتمع، وقد نكون ممّن لا يزال يشارك في تلك الحملة الشعواء، وربما يكون لدينا بعض الحق لكن ليس دائمًا، يمكن أن يكون لدى الأكثرين الدافع الحقيقي والواقعي، لكن ليس على الإطلاق، فالتعليم ليس كائنًا ماديًّا محسوسًا قائمًا بذاته، وليس منفصلاً عن بقية مناحي الحياة، بل هو الحياة، لكنه ليس الجسد، ولو أردنا التفصيل لقلنا إن جسد التعليم هو المجتمع بكافة أفراده، وعلى وجه الخصوص «الأسرة»، ومن ثم بقية مؤسسات المجتمع وأفراده، وما الجهات المسؤولة عنه إلاّ بعض الأطراف فيه، ولكن لديها من القوة ما ليس لدى البقية، خاصة وأنها تمثل الدولة صاحبة القرار وصانعته، ولذلك فإن توجيه أية تُهمة إلى التعليم فمن المنطقي أن لا توجه صوب جهة واحدة كوزارة التربية والتعليم التي قد تتحمل شطرًا كبيرًا من المسؤولية، لكنها لا تتفرد بها أبدًا، فالمجتمع وخاصة الأسرة تتحمّل نصيبًا وافرًا أيضًا!! وإذا أردنا ترتيب سلسلة المسؤولية سيكون البيت في المقدمة ورأس القائمة، ومن ثم تتوّزع المسؤولية بين الأطراف الأخرى، أمّا «مؤسسة الأسرة» البيت فهي الأهم والأخطر، لكنها وللأسف الأكثر تناسيًا، وغض طرف عن دورها، ليس لأن أحدًا لا يفقه الدور الخطير لها، لكن لأن إحساسًا باليأس والإحباط من قدرتها على القيام بدورها خاصة في خضم أمواج المتغيرات المعاصرة الجارفة، ويبدو أن الأسرة تقف مكتوفة اليدين مستسلمة للواقع، وقد يصل الحال بها إلى ترك الحبل على الغارب قبل أوانه لكل أفراد البيت، فلم يعد للوالدين قدرة على التوجيه السديد، بل إن كثيرًا من الآباء لا يعلمون عن أحوال أبنائهم أي شيء، وحتى الأمهات لم يعد لديهن معرفة بأسرار بناتهن -إلاَّ مَن رحم الله- وهذا كله ناتج عن تقصير واضح من قِبل الوالدين، لأن معظمهم مشغول عن الأبناء والبنات بقضايا أخرى خارج البيت، بحجة العمل، أو البحث عن مصادر إضافية للمعيشة، وفي بعض الأحيان الانشغال بالبشكة مساءً، والمناسبات الاجتماعية بالنسبة للأمهات، وقد يكون السائق والشغالة والحارس هم مَن يتحمّلون مسؤولية إدارة البيت، وتربية الأبناء والبنات، خاصة الأطفال الصغار، فضلاً عن أن قلة من الآباء يفتقد هو نفسه القدرة على التوجيه لخلل في شخصيته وسلوكه، فكيف يستطيع القيام بمسؤوليته كأب موجّه، وقدوة! لستُ هنا بصدد تبرئة مؤسسات التعليم من تحمّل مسؤوليتها نحو تربية وتوجيه الأجيال، خاصة وأن الوزارة قد أصبح اسمها «وزارة التربية والتعليم»، ممّا يعني أن للتربية نصيبًا كبيرًا من دورها، لكنها -كما أعرف من خلال الميدان، وسماع ومشاهدة الواقع- اليوم تئن من كثرة الضغوط والمسؤوليات، وضعف قدرتها على القيام بما يطلبه منها المجتمع، خاصة وأن البيت يرمي على كاهلها كل المسؤولية في تربية وتوجيه الأبناء، وهذا إجحاف في حق الوزارة، فهي لن تتمكن من القيام بدورها دون تعاون كافٍ من البيت، وقيام علاقات متينة ومستمرة بين الطرفين، وإلاّ فلن يتحقق لأي طرف في المعادلة أيّ نجاح في القيام بدوره! sirafat@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (66) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :