آيا صوفيا مصدر توتر جديد بين تركيا واليونان | | صحيفة العرب

  • 7/13/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يمضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدما في سياسة استعداء الجميع بانتهاك سلوك حسن الجوار والتعايش مع الأوروبيين أولا وثانيا عبر تدخله في شؤون الدول العربية. فمن التنقيب عن الغاز قبالة السواحل اليونانية إلى دعم ميليشيات حكومة الوفاق الليبية بالمرتزقة والعتاد، يرسم أردوغان خارطة أطماعه التوسعية وسط انتقادات دولية واسعة يبدو أنها لم تعد تجدي نفعا. أثينا – تلقت اليونان قرار تركيا بتحويل آيا صوفيا الموقع الأرثوذكسي العريق، إلى مسجد بوصفه “استفزازا”، في حدث من شأنه أن يزيد في تدهور العلاقات بين أنقرة وأثينا، في ظل ارتفاع منسوب الأطماع التركية بالمتوسط والخلاف المتفجر بشأن التنقيب عن الغاز قبالة السواحل اليونانية. يقول مدير المعهد اليوناني للعلاقات الدولية قنسطنطينوس فيليس إنّ “هذا الاستفزاز التركي الجديد، الموجه إلى الغرب وليس إلى اليونان فحسب، يلقي عبئا إضافيا على العلاقات بين أثينا وأنقرة”. وكان مجلس الدولة التركي وافق الجمعة على طلبات قدمتها منظمات عدة تدعو إلى إبطال قرار حكومي يعود إلى العام 1934 ينص على جعل آيا صوفيا متحفا، وبعد ذلك بقليل، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أبواب هذا الصرح البيزنطي ستفتح أمام المسلمين للصلاة في 24 يوليو الجاري. وأثار هذا القرار ضجة في عواصم العالم، من واشنطن إلى باريس، وخصوصا في الدول الأرثوذكسية كاليونان وروسيا، حيث أدان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس القرار التركي “بأشدّ العبارات”. وقال ميتسوتاكيس، في بيان، إنّ القرار “لن يؤثر على العلاقات بين اليونان وتركيا فحسب، بل أيضا على علاقات تركيا بكل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم والمجتمع الدولي بأسره”، فيما وصفت وزيرة الثقافة اليونانية لينا مندوني القرار التركي بأنّه “استفزاز للعالم المتحضر”. و كان قرار التحويل متوقعا منذ وقت طويل ومثله مثل توقيت قيام أتاتورك بتحويل الموقع إلى متحف، وهو الذي ساعد في حينه على تمهيد الطريق إلى اتفاق دفاعي مع اليونان، في وقت كانت تتزايد فيه التهديدات العسكرية في أوروبا، فإن التوقيت هذه المرة أيضا كان سياسيا، فشعبية أردوغان تتهاوى تحت وطأة الاقتصاد المتداعي، ويهدد منافسوه المحافظون بالاستقطاع من الأصوات المؤيدة له. وتقول المؤرخة كريستينا كولوري “بلا أدنى شك، القرار بشأن آيا صوفيا لم يعكس حاجة إلى أن إسطنبول لا تفتقر إلى المساجد”. واعتبرت كولوري، وهي أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة بنتيون في أثينا، أنّ “لهذا القرار رمزية خاصة وهو يفيد بكونه أداة ضغط على أوروبا، حيث يمثّل التنازع بين المسيحية والإسلام عاملا بارزا في الهوية الأوروبية”. وأشارت إلى أن سيطرة العثمانيين على القسطنطينية في القرن الـ15 شكّل “قطيعة في تاريخ أوروبا التي كانت تمثّل العالم المسيحي، وهذا اعتقاد يتواتر في اللاوعي الجماعي”. وآيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وقد أدرجت على لائحة اليونسكو للتراث الإنساني. وتوضح أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة بنتيون أنّ “الإمبراطورية البيزنطية هي أحد مكوّنات الهوية اليونانية، وأهم مكوّنات تاريخ وديانة البلاد، وهي الصلة بين العصر الإغريقي واليونان المعاصرة”. وشغل حدث تحويل آيا صوفيا إلى مسجد العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام اليونانية في نهاية هذا الأسبوع. وتناولت يومية كاثيميريني الشهيرة “البعد السياسي” لهذا القرار في الداخل التركي، معتبرة أنّه “يلغي علمانية الدولة” ويعكس “غطرسة أردوغان”. وبقيت آيا صوفيا مسجدا منذ سيطرة العثمانيين على القسطنطينية في 1453، إلى العام 1935 حين أصبحت متحفا بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية مصطفى كمال أتاتورك بهدف “إهدائها إلى الإنسانية”. وعلّقت “جريدة المحررين” اليونانية (يسار) أنّ “الرئيس التركي اختار لحظة تتصف بتراجع شعبيته من أجل اتخاذ قرار يلغي إرث مصطفى كمال”. ويمثل تغيير هوية آيا صوفيا، بالنسبة إلى الرئيس التركي وأنصاره، علامة فارقة في ولادة جديدة لتركيا القوية المسلمة بعد نحو قرن من جهود ضائعة لمحاكاة الغرب المسيحي، لكن معارضي هذه الخطوة في الداخل والخارج يرونها دليلا دراماتيكيا جديدا على ظهور دولة تركية أقل علمانية وتسامحا تحت حكم أردوغان. وتاريخيا، تتصف العلاقات بين اليونان وتركيا البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، بالتشنج، وقد تراجعت في السنوات الأخيرة على خلفية ملف الهجرة غير الشرعية وملف التنقيب عن الثروات في المتوسط. ويذكّر مدير المعهد اليوناني للعلاقات الدولية “بالعدائية التركية المتواصلة منذ عام في المنطقة، من خلال محاولات استغلال موارد الطاقة في جنوب – شرق المتوسط، ومواصلة الهجمات في شمال سوريا وفي العراق أخيرا وأيضا التدخل في النزاع الليبي” وبالنسبة إلى فيليس، فإنّ القرار ينطوي على “رسالة مزدوجة”، واحدة موجهة إلى الداخل التركي حيث يواجه أردوغان تراجعا في شعبيته، فيما الثانية موجهة إلى الغرب. ويعود ذلك إلى واقع أنّ تركيا تريد الهيمنة على المشهد في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي الشرق الأوسط. واحتدم التوتر بين أثينا وأنقرة في الأشهر الأخيرة عقب إمضاء الرئيس التركي اتفاقا بحريا مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج في نوفمبر، حيث تدعم أنقرة بالمرتزقة السوريين والعتاد السراج والميليشيات الإسلامية المتحالفة معه. وحذرت اليونان تركيا من تجاوز “الخطوط الحمراء” عقب الاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وأكدت أثينا أنها لن تسمح بأي نشاطات تركية يمكن أن تتعدى على الحقوق السيادية لليونان. وتشعر أثينا بالقلق من الاتفاق الذي يمنح أنقرة حقوقا في مناطق شاسعة من المتوسط قد تم مؤخرا اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز فيها.

مشاركة :