الطالب المنطوي بقلم د : ضيف الله مهدي هو الطالب الذي يميل إلى العزلة والانسحاب من النشاط المدرسي ، وهو أكثر حاجة إلى الاهتمام من الطالب العدواني مثلا ، لأنه قلما يلفت إليه نظر المعلم ، ذلك أن المعلم يتأثر غالبا بالطالب المشاكس لأنه قد يتسبب في إحراجه أو مضايقته في عمله داخل الفصل الدراسي . أما الطالب المنطوي فلا يلتفت إليه أغلب المعلمين الذين أشاروا في عدة أبحاث أنهم يفضلون الطلاب الذين يحققون لهم النجاح والإنجاز في العمل . لذا فالطالب المنطوي لا يؤثر سلوكه على موقف المعلم لأنه يتسم غالبا بالخجل والهدوء في مواقف الدرس . إن مشكلة الطالب المنطوي لا تقل أهمية عن المشكلات الأخرى للطلاب ، فامتناع المعلم عن سؤال الطالب وإشراكه في نشاط الفصل يؤدي إلى زيادة المشكلة تعقيدا بدلا من المعاونة على حلها ، حيث يثبت لديه سلوك الانطواء ، ويدعم الجانب السلبي عنده ، كما نجد أن أفكار الطالب المنطوي ومشاغله تتم داخل ذاته دون أن تتاح له فرصة إعادة بنائها واتصالها بتفكير جماعة الفصل . * الأسباب التي تؤدي إلى الانطواء : الأسباب متعددة وتختلف باختلاف المؤثرات وخاصة البيئية . ويبدو أن افتقاد الأمن الأسري يعد سببا رئيسيا للعزلة والانطواء ، فشقاق الوالدين ، والافتقار إلى ضبط النفس ، وعصبية الأب أو الأم ، والعنف والصرامة في معاملة الآباء للأبناء تؤدي إلى حرمان الطفل من إشباع الكثير من حاجاته النفسية ، وتؤدي به إلى الخضوع التام للسلطة والميل للاستكانة والخنوع ، ويبدو الطفل غير قادر على المناقشة وإبداء الرأي ويفقد الثقة في نفسه ولا يقدر على مواجهة صعوبات الحياة ، كما يتسم بالإشكالية ويفتقد التلقائية في السلوك ، ويعجز عن التوافق مع الجماعة والاندماج فيها ويزداد ابتعاده عن مواجهة الواقع . وكل شعور بعدم الأمن لدى الطفل يؤدي به إلى استخدام وسائل دفاعية للتخلص من هذه المشاعر ليقي نفسه أخطار البيئة وتهديداتها له فهو إمّا أن يحتمي بالانطواء كوسيلة وقائية تحميه من هذه المشاعر ، أو قد يدافع عن ذاته بالعدوانية ، وكلا من العدوان والانطوائية سلوك يتخذه الطفل كرد فعل لافتقاده مشاعر الأمن . ومن أسباب الانطوائية أيضا طموح الآباء الزائد حيث يرغمون أبناءهم على أعمال دراسية لا تتفق مع قدراتهم وميولهم مما يؤدي بهم إلى البلادة الانفعالية وكلما زاد ضغط الآباء تقاعس الأبناء وتناقص إنتاجهم الدراسي . ويتخذون الانطوائية كأداة مقاومة لهذه الضغوط مما يزيدهم سلبية ولا يسلكون سلوكا تلقائيا ، ويصعب عليهم أن ينموا نموا طبيعيا في النواحي الاجتماعية فيتخذون الانطواء لدرء العدوان الواقع عليهم بالهرب والابتعاد كليا عما يسبب لهم مشاعر عدم الأمن . * كيف يمكن تخفيف الانطواء ؟ هذه بعض الاقتراحات للتخفيف من الانطواء : 1ـ ينبغي النظر بعين الاعتبار أولا إلى الأسباب التي أدت إلى سلوك الانطواء والانزواء ، فليس من السهل إعطاء تفسير واحد يوضح لنا أسباب هذا السلوك لأنها تقوم على أساس الدوافع المتصارعة اللاشعورية ، ويعني هذا الصراع أن تلك الدوافع غير متناسقة فيما بينها ، وعندما تفشل الذات في التوفيق بين نواحي الصراع فإنها تلجأ إلى أساليب غير متوافقة لحسم الصراع ، فالطالب الذي أصبح مصدرا لمتاعب المدرسة وإثارة الشغب فيها قد يفتقد إلى عطف والديه ومحبتهما مما يجعل الحاجة إلى الأمن غير مشبعة عنده ، كما أنه لا يستطيع إظهار كراهيته لهما لأن المعايير الاجتماعية تفرض عليه حبهما واحترامهما ، ونتيجة لهذا الصراع القائم في نفس الطفل يظهر نوع من التوفيق بين هذه القوى المتصارعة حيث تتحول مشاعر العدوانية الموجهة نحو الوالدين إلى مصدر آخر فيصب مشاعره نحو ذاته دون ضرر يلحق بذاته كما أنه لا يعارض ضميره الخلقي فتشبع هذه الحاجات ويتم التنفيس عنها بطريقة أخرى غير مباشرة . 2ـ يبدو على ملامح الطلاب المنطوين أو المنسحبين ما يدل على نواحي النقص أو العجز في شخصياتهم إذ أنهم تعودوا إخفاء مشاعرهم لكي يحموا أنفسهم من الكبار الذين لا يشاركونهم وجدانيا ، وتعلموا أن استجابتهم التلقائية منذ الطفولة المبكرة تقابل بالسخرية والغضب من قبل الكبار ، لذا فقد تعودوا أن يخفوا هذه المشاعر ، وفي ذات الوقت يظهرون السمات التي ترضي الكبار ، كأن يبتسم بدلا من أن يبكي ، أو أن يرضى بدلا من أن يغضب . فالمظهر الرقيق اللطيف الذي يبدو على الشخص المنطوي غالبا ما يخفي وراءه ثورة غضب . وكثيرا ما نستغرب سلوك هذا الفرد عند نوبات الغضب العنيفة ، وعندما يضحك يبدو كأنه عاجز عن التوقف ، وعندما يبكي لا يستطيع ضبط نفسه . ويبدو أن المنطوين في حاجة للتنفيس عما يعانونه من اضطراب انفعالي بين الحين والآخر ، مثل هؤلاء الطلاب قد ارتدوا قناعا زائفا واصطنعوه بأنفسهم فإذا لقوا اهتماما واضحا من الآخرين فإنهم يشعرون بأن هذا القناع الزائف على وشك الانهيار والزوال وهم الحريصون على إخفائه ، لذا فهم يحاولون الانزواء أكثر ، والمرشد الذي يعمل مع هؤلاء عليه أن يؤكد أعمالهم وإنتاجهم وتفوقهم ، بدلا من الاهتمام بصفاتهم الشخصية . فالتقدير المنصب على أعمالهم يؤكد على احترام المرشد لشخصياتهم وذواتهم وتحفظهم ، وبدلا من أن يوجه المرشد السؤال لهم عن سبب صمتهم أو ابتعادهم عن الآخرين يتم سؤالهم عن ميولهم ورغباتهم وإنتاجيتهم العلمية والأدبية الأمر الذي يؤدي بهم إلى الاستجابة للتقدير الذي يبديه المرشد أو المعلم . 3ـ إذا كان أسلوب تربية الطالب في أثناء الطفولة يقوم على أساس إثارة مشاعر الخوف وانعدام الأمن داخل الأسرة فإن شعوره بالإهمال يترتب عليه شعوره بأنه غير مرغوب ومنبوذ من أهله ، وإذا كان والديه يفرطان في التسامح والصفح فسيؤدي به إلى عدم النضج الانفعالي ، والشعور بعدم المسؤولية ، وقلما ينجز أعماله كاملة ولا يستطيع النجاح إلا بمساعدة . ومن ثم لما ينتقل إلى المدرسة تقابله صعوبات كثيرة فيكثر اعتذاره ولومه للآخرين ويحملهم كل المسؤولية كما يشعر بالخوف والوجل والارتباك إذا اجتمع بهم . وتتسم علاقته الاجتماعية بالحساسية ، ويكون العمل على إدماجه في الأعمال والأنشطة الجماعية بحيث يستطيع منافسة الآخرين مما يزيد من شعوره بالثقة في النفس والابتعاد عن الخوف والوجل ويتعلم قواعد السلوك التي تفرضها الجماعة . 4ـ إذا كانت أسباب الانطواء عميقة الجذور تتغلغل في أعماق الشخصية وتؤدي بالفرد إلى الشعور بالوحدة والوحشة والاغتراب النفسي سواء كان في محيط المدرسة أو المنزل أو الشارع ، مهما اختلف تشكيل الجماعة أو النشاط ، فإن مثل هذا الطالب يحتاج إلى العلاج النفسي المتعمق لإزالة الأسباب التي أدت إلى مشاعر العزلة قبل البدء في التعامل معه ودمجه في المحيط كما يحتاج الأمر إلى دراسة نفسية اجتماعية صحيحة . 5ـ إذا كان الانطواء بسبب اختلاف في الملامح أو قصور جسمي أو لنقص في الحيوية والنشاط مما يترتب عليه أحيانا مشاعر النقص عند المقارنة مع مجموعة الفصل ، هذه الجوانب هي أول ما يتعرض له المرشد بالبحث والدراسة حتى يضع العلاج المناسب عن طريق الجلسات الإرشادية ، حيث يتم عزل وإزالة الجوانب التي أدت إلى مشاعر النقص والعجز ، والعمل على إعادة ثقة الطالب بنفسه . وفي هذا الصدد يقوم بالاتصال بالمعلمين الذين يقومون بالتدريس لهذا الطالب ويطلب منهم إشراكه في الإجابة على الأسئلة المعتادة أثناء الدروس اليومية دون النظر أو الاهتمام بعيوبه أثناء إجابته . 6ـ توجيه والدي الطالب المنطوي للأساليب التربوية الصحيحة في معاملتهم لابنهم وتنشئته بأقل قدر من الصراع . كما يحاول المرشد اكتشاف قدرات ومواهب وميول هذا الطالب الأخرى وتوجيهه ، مع إتاحة الفرصة له في إظهارها في المناسبات والحفلات التي تقيمها المدرسة . 7ـ إذا لم يجد المرشد أي صفات أو مهارات في الطالب المنزوي تساعده أو تقربه من زملائه قد يلجأ إلى أساليب غير مباشرة ، كأن يوفر الظروف لدمجه في نشاط معين ، أو يطلب من أحد الطلاب المرموقين في جانب معين بأن يتقرب من الطالب المنزوي ويشركه في نشاطه ويساعده على التفاعل مع الآخرين . 8ـ وإذا لم يتمكن المرشد من تحقيق هذه الجوانب نظرا لقصور يصعب تجاهله كالاختلاف في العمر الزمني أو العمر العقلي ، أو لوجود عاهة متميزة ، أو لوجود اختلاف عنصري فعندها قد يحتاج الأمر نقله إلى فصل آخر إذا وجد من بين طلابه من يشبهه في بعض صفاته أو من يندمج معه .
مشاركة :