مع تصاعد حالات الوفيات الناجمة عن فايروس كورونا إلى مئات الآلاف، اندفع عشرات الآلاف من الأطباء والمرضى إلى استخدام الأدوية قبل أن يثبتوا أنها آمنة أو فعالة. لكن ماذا عن التوصل إلى اللقاح الفعّال للوقاية من الفايروس؟ تلك معركة جديدة بين المستشفيات وبين الدول أيضا. لندن – يطالب العالم، يائسًا، بالعثور على إجابات سريعة من أجل حل اللغز المميت لفايروس كورونا. لكن الطب لا يثق بالنظام البحثي العاجل غير المبني على مئات التجارب. حيث فاقمت العجلة في السعي للعثور على لقاح، في محاولة يائسة لمنع تزايد العدد الكبير من الضحايا، من عدم فهم المرض كما أخرت القدرة على معرفة الأدوية التي تساعد أو تؤذي أو ليس لها أي تأثير على الإطلاق. وتواصل الأمر حتى منتصف يونيو بعد ما يقرب من ستة أشهر عندما ظهر الدليل الأول لدواء يمكن أن يحسّن الحالة الصحية للمصابين بكورونا. وتمكن الباحثون في بريطانيا من إدراج واحد من كل ستة مرضى بفايروس كورونا في المستشفى في دراسة موسعة وجدت أن “الستيرويد” الرخيص، ما يعرف باسم ديكساميثازون، يساعد على العلاج، كما أن دواء الملاريا المستخدم بالفعل من قِبل غالبية الأطباء لا يحدث أي أثر. وغيّرت تلك الدراسة ممارسة الأطباء بين عشية وضحاها، على الرغم من أن النتائج لم يتم نشرها أو مراجعتها من قبل علماء آخرين. وقال الدكتور ديريك أنغوس، رئيس قسم العناية المركزة في المركز الطبي بجامعة بيتسبرغ، “الناس يواجهون الوباء ولا يستطيعون الانتظار، مما جعل الأبحاث السريرية التقليدية تبدو بطيئة ومرهقة للغاية”. في الولايات المتحدة، وجدت دراسة أخرى أن دواء مختلفًا يمكن أن يقصّر وقتَ معاناة المرضى المصابين بأمراض خطيرة، ولكن لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول أفضل استخدام له. ولا يزال الأطباء يبحثون عن أي شيء آخر يمكن أن يحارب الفايروس، ويجربون أدوية السكتة الدماغية وحرقة المعدة وجلطات الدم والنقرس والاكتئاب والالتهابات والإيدز والتهاب الكبد والسرطان والتهاب المفاصل وحتى الخلايا الجذعية والإشعاع. وقال الدكتور ستيفن نيسن، الباحث في كليفلاند كلينك ومستشار إدارة الغذاء والدواء الأميركية، “الجميع كانوا يجرّبون كل الأدوية حتى ينجح أحدهم. وهذه ليست الطريقة التي تتطور بها الممارسة الطبية السليمة. الاستعجال لا يعتبر إستراتيجية جيدة، ولكن التجارب السريرية الجيدة هي إستراتيجية قوية”. وتم إجراء عدد قليل من الدراسات النهائية في الولايات المتحدة، حيث تم تقويض بعضها من قبل الأشخاص الذين يحصلون على العقاقير من تلقاء أنفسهم، أو من خلال شركات الأدوية الراعية لإنتاج العقاقير. وجاءت السياسة لتضاعف المشكلة عندما جرب عشرات الآلاف من الناس دواء الملاريا بعد أن روج له الرئيس دونالد ترامب قائلاً “ما الذي ستخسره؟”. وفي الوقت نفسه، حذر كبير خبراء الأمراض المعدية الدكتور أنتوني فوسي من استخدام هذا العلاج قائلا “أحب أن أثبت الأشياء أولاً”. وتباينت الآراء لمدة ثلاثة أشهر، حول فعالية دواء الملاريا هيدروكسي كلوروكين، حتى أثبتت النتائج أنه غير فعال. وقال الدكتور أوتيس براولي، من جامعة جونز هوبكنز، “مشكلة الطب عندما تتم ممارسته اعتماداً على الحدس، هي أنه تسبب في تأخر المجتمع ككل في تعلم الأشياء. لا نمتلك دليلاً جيداً حتى الآن على أننا لا نقدر ونحترم العلم”. وأشار إلى أنه لو أجريت الدراسات بشكل صحيح في يناير وفبراير، لكان العلماء قد عرفوا بحلول مارس مدى نجاح العديد من الأدوية. وحتى الباحثون الذين يقدرون العلم يسلكون طرقاً مختصرة للحصول على إجابات بشكل أسرع. وتتسرّع وسائل الإعلام في نشر النتائج، لكنها تدفع لاحقا ثمن تسرعها عندما تتراجع عما نشرته. لا تزال الأبحاث فوضوية؛ أكثر من 2000 دراسة تختبر علاجات فايروس كورونا من الأزيثروميسين إلى الزنك. وقد لا يكون الحجم مفاجئًا في مواجهة جائحة غيرت العالم وتركت الكدمات على وجهه، لكن بعض الخبراء يقولون إنه من المثير للقلق أن الكثير من الدراسات مكررة وتفتقر إلى الدقة العلمية للحصول على إجابات واضحة. بالنسبة إلى العلماء كانت هذه كارثة، هناك أزمة طبية دون علاج معروف وشعوب مذعورة، بينما تروّج شخصية عامة مؤثرة لدواء يحتمل أن تكون له آثار جانبية خطيرة، مستشهداً بشهادات وتقارير تجربته على عشرين مريضا. روّج ترامب لهيدروكسي كلوروكين في العشرات من الاجتماعات والأحداث بدءًا من منتصف مارس. وسمحت إدارة الغذاء والدواء باستخدامه في حالات الطوارئ على الرغم من أن الدراسات لم تظهر أنه آمن أو فعال لمرضى فايروس كورونا، وحصلت الحكومة على عشرات الملايين من الجرعات. وحث ترامب أولاً على تناوله مع أزيثروميسين؛ وهو مضاد حيوي يمكنه، مثل هيدروكسي كلوروكين، أن يسبب مشاكل في دقات القلب. وبعد الانتقادات، عزز ترامب تقديم المشورة الطبية، وحث على إضافة الزنك إلى العلاج. وفي مايو، قال إنه كان يأخذ الأدوية بنفسه لمنع العدوى بعد أن أصيب أحد مساعديه بالفايروس. واتبع الكثير من الناس نصيحته. كان الذعر منتشرا بين الناس وهذا سبب كاف يجعلهم ينظرون إلى الرئيس الأميركي كما لو كان طبيبا موثوقا به! وتحدث الدكتور ريس فورا، المدير الطبي لمركز مكافحة السموم في كاليفورنيا، عن شخص عمره 52 عاما أصيب بفايروس كورونا، وصار يعاني من عدم انتظام دقّات القلب بعد ثلاثة أيام من تناوله عقار هيدروكسي كلوروكين وليس بسبب الفايروس. وقال فورا “يبدو أن العلاج كان أكثر خطورة من آثار المرض”. وأشارت دراسات لاحقة إلى أن الدواء لم يكن مفيدا، لكنه كان ضعيفًا. بالإضافة إلى ذلك، تم سحب الدراسة الأكثر تأثيراً، المنشورة في مجلة لانسيت، بعد ظهور مخاوف كبيرة أثارتها البيانات. وأنفق الدكتور ديفيد بولوير، الطبيب في جامعة مينيسوتا، خمسة آلاف دولار من أمواله الخاصة لشراء هيدروكسي كلوروكين من أجل إجراء اختبار للمقارنة بينه وبين استخدام حبوب الدواء الوهمي. وأظهرت نتائج الدكتور بولوير أن الهيدروكسي كلوروكين لم يمنع فايروس كورونا من إصابة الأشخاص المعرضين لشخص مصاب به. ووجدت دراسة بريطانية أن الدواء غير ناجع، كما بينت ذلك أيضا دراسات أخرى أنجزتها المعاهد الوطنية الأميركية للصحة ومنظمة الصحة العالمية. وهدفت الدكتورة رحدة راجاسينجهام إلى تسجيل 3 آلاف عامل صحي في دراسة لمعرفة ما إذا كان هيدروكسي كلوروكين يمكن أن يمنع العدوى، لكنها قررت مؤخرا التوقف عند 1500 حالة فقط. وقالت راجاسينجهام عندما بدأت الدراسة “كان هناك اعتقاد بأن هيدروكسي كلوروكين هو الدواء الفعال”. وأضافت “لقد تغير الحوار الوطني حول هذا الدواء من الجميع يريد هذا الدواء، إلى لا أحد يريد تناوله. لقد أصبح الأمر نوعًا ما سياسيًا حيث أن الأشخاص الذين يدعمون الرئيس مؤيدون لهيدروكسي كلوروكين”. عندما تم التعرف على الفايروس الجديد تحول الانتباه بسرعة إلى ريمديسيفير، وهو دواء تجريبي تم اختباره بالعلاج الوريدي وأظهر نجاعته في محاربة فايروسات كورونا عن طريق الحد من قدرتها على نسخ المواد الوراثية. أطلق الأطباء في الصين دراستين تقارنان ريمديسيفير بالرعاية المعتادة للحالات الخطيرة والمعتدلة في المستشفى. وأطلقت معاهد الصحة الأميركية الاختبار الأكثر صرامة، وهو مقارنة بين ريمديسيفير والأدوية الوهمية. وبينما كانت هذه الدراسات جارية، أعطت شرطة طبية تسمى “جلعاد” الدواء لآلاف المرضى على أساس كل حالة على حدة. وأنهى الباحثون الصينيون دراستهم في وقت مبكر، قائلين إنهم لم يعودوا قادرين على تسجيل عدد كافٍ من المرضى مع انحسار التفشي هناك. وكُشف لاحقا عن نتائج أولية من تجربة معاهد الصحة الأميركية أظهرت أن ريمديسيفير اختصر الوقت اللازم للتعافي بنسبة 31 في المئة أي بمعدل “11 يومًا في المتوسط مقابل 15 يومًا لمن تلقوا الرعاية المعتادة”. وانتُقد بشدة الإعلان عن هذه النتائج بدلاً من مواصلة الدراسة لمعرفة ما إذا كان الدواء يمكن أن يحسن عملية الشفاء ولمعرفة المزيد عن وقت وكيفية استخدامه، لكن المراقبين المستقلين نصحوا بأنه لم يعد من الأخلاقي الاستمرار في اعتماد الدواء الوهمي بمجرد ظهور الفائدة. وكان الاختبار الوحيد الآخر لعلاج فايروس كورونا قادما من الصين. ومع اندفاع تلك الدولة إلى بناء مستشفيات ميدانية للتعامل مع الأزمة الطبية، قام الأطباء بشكل عشوائي بتعيين بعض مرضى فايروس كورونا للحصول على دواءين مضادين للفايروس أو الرعاية المعتادة، وتم نشر النتائج بسرعة في مجلة “نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين”. وقال رئيس تحرير المجلة، الدكتور إريك روبين، في بث بودكاست “كان هؤلاء المحققون قادرين على القيام بذلك في ظروف لا تصدق. من المخيب للآمال أن سرعة العمل البحثي كانت بطيئة للغاية منذ ذلك الوقت”. ومهما يكن من أمر، فإن الضغط الشعبي والحكومي على مراكز الأبحاث والأطباء، يثير نوعا من التنافس في اكتشاف اللقاح والاستئثار به من قبل الدول، في عملية تجارية توصف بـ”اللاأخلاقية”. لكن ذلك يعني في الوقت نفسه ضغطا على الأطباء كي يستعجلوا البحث عن علاج، وهو مبدأ لا يتلاءم مع الثقة التي يمنحها التاريخ للطب، لأن نتائج تجريب اللقاح يجب أن تأخذ وقتها المناسب. وهذا لا يحدث إلى حد الآن مع علاج كورونا.
مشاركة :