حالت الخلافات على المناصب دون استكمال رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك لتعيين بقية أعضاء فريقه الوزاري منذ إجرائه تعديلا مفاجئا استجابة لـ”صوت الشارع ومطالب الثوار”، وما صعب الوصول إلى توافق اختلاف وجهات النظر مع قوى الحرية والتغيير التي تسعى إلى تعزيز ثقلها في المشهد بتوسيع مشاركتها في صنع القرار. الخرطوم - فشل رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في الإعلان عن الوزراء الجدد في حكومته بعد قبوله استقالة ستة وزراء وإقالة وزير الصحة، على خليفة المظاهرات التي اندلعت في 30 يونيو الماضي، ولم يف بوعده إحداث تغييرات جذرية خلال أسبوعين من هذا التاريخ، وظلت الملفات العالقة وعلى رأسها استكمال هياكل الحكم والتوصل إلى سلام كما هي. وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن حمدوك دخل في اجتماعات متتالية مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير للتوافق حول الوزراء الجدد منذ أسبوع إلى جانب عقده مباحثات أخرى مع الأحزاب التي أعلنت رغبتها المشاركة في هياكل السلطة الانتقالية مؤخراً، مثل حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني، للوصول إلى توافق بشأن الأسماء المختارة ما تسبب في تأجيل الإعلان عن تسمية الوزراء. ويواجه حمدوك مشكلات جمّة قبل الإعلان عن التشكيل النهائي لحكومته في ظل سعي قوى سياسية مدنية الحفاظ على الوزن النسبي لها في الحكومة المقرر أن يؤول ربع مقاعدها إلى الحركات المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية، وذلك أحد أسباب إعلان بعض القوى التي فضّلت عدم الانخراط في مؤسسات السلطة العليا أن تعيد النظر في موقفها السابق لضمان الحصول على مقاعد لها في الحكومة. ويرى مراقبون، أن رغبة حمدوك في اختيارات تتسم بالكفاءة، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية تواجه برفض قوى عديدة، لأن الصبغة السياسية ستكون حاضرة في الحكومة بشكلها الجديد برضاء حمدوك أو بعدم رضائه وفقاً لاتفاق السلام المقرر، إلى جانب أن الحكومة بهيئتها الحالية تضم شخصيات محسوبة على أطراف تابعة للحرية والتغيير، على رأسها الحزب الشيوعي في غياب أي تمثيل لباقي التيارات. وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير، نورالدين صلاح الدين، إن التباينات موجودة داخل جميع مكونات الثورة، وهو أمر طبيعي في ظل اختلاف وجهات نظر القوى السياسية المتحالفة، غير أن هناك رغبة في أن يكون التوافق هو السمة السائدة عبر مشاورات استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي. ويسعى حمدوك لكسب المزيد من الوقت أملاً في التوصل إلى سلام مع الجبهة الثورية قريبا، بما لا يضطره لإدخال تعديلات جديدة خلال فترة وجيزة. وأضاف صلاح الدين أن هناك وجهات نظر مختلفة بين حمدوك وقوى الحرية والتغيير بشأن انتظار السلام من عدمه، ومازالت بعض القوى السياسية تنظر إلى ثقلها السياسي في فترة ما قبل سقوط نظام عمر البشير ولديها رغبة لتمثيل موسع في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، وهو أمر لا يتسم بالموضوعية لأن الفترة الحالية توافقية، ما يؤدي إلى حالة ارتباك واضحة. واعترضت قوى سياسية على رغبة حزب الأمة القومي الحصول على تمثيل واسع داخل الحكومة والمحافظين المدنيين، ويتعامل الحزب وفقاً لثقله السياسي في آخر انتخابات برلمانية ديمقراطية شهدها السودان في العام 1986، وحاز فيها على الأغلبية ما يدفع باتجاه مطالبته بالحصول على 9 مناصب على مستوى المحافظات، واختيار شخصية قومية محسوبة عليه في ولاية الخرطوم باعتبارها مركز الثقل. ويأتي تأخير إعلان اختيار الوزراء الجدد بالتوازي مع فشل التوافق حول تعيين المحافظين المدنيين بعد أن أكدت الحكومة الانتقالية أنها استقرت على الأسماء المختارة بالتوافق مع قوى الحرية والتغيير دون أن تصدر قرارا رسميا بتعيينهم حتى الآن، ما وضعها في مرمى انتقادات التحالف الحكومي الذي أشار إلى أن “حمدوك أخطر قوى التغيير عزمه تعيين المحافظين قبل 14 يوليو وهو ما لم يحدث”. ونفى المجلس المركزي للحرية والتغيير، في بيان الجمعة، تصريحات وزير الإعلام، فيصل محمد صالح، الذي أكد فيها أن تأخير الإعلان عن المحافظين سببه عدم ترشيح الأحزاب سيدات على المقاعد المخصصة للمرأة، لافتا إلى أن القائمة ضمّت نساء حيث تقدمت أربع من المحافظات بأسماء مرشحات لمنصب المحافظ واعتبرت تصريحات صالح مثيرة للبلبلة، وسط قوى الثورة وتعقد المشهد السياسي. ويرتبط ملف تعيين المحافظين بالحركات المسلحة التي من المفترض أن تكون حسمت موقفها، مساء السبت، بالموافقة على تعيينهم قبل الوصول إلى سلام شريطة التنسيق معها بشأن الشخصيات المختارة في المحافظات التي تشهد نزاعات مسلحة، أو الانتظار إلى ما بعد توقيع اتفاق السلام. وفي الحالتين فإن ذلك يعتبر خصما من رصيد القوى المدنية التي طالما شددت على ضرورة تكليف محافظين تابعين لها لحين الوصول إلى سلام. وانتقد القيادي بقوى الحرية والتغيير حيدر الصافي، تعديلات قوانين الحريات الشخصية التي أجرتها وزارة العدل قبل أيام، ووصف المناخ السياسي والاقتصادي بـ”المعكر”، وأن هناك حالة ارتباك يعاني منها المشهد بصورة عامة. وهو نفس الموقف الذي تتخذه قوى محسوبة على فلول النظام البائد، ما يشي بأن هناك قدرا من الخلل السياسي يظهر على أداء التحالف الحكومي. ووجّه صلاح مناع، عضو لجنة إزالة التمكين، انتقادات للحكومة، وقال إن “إنجازاتها صفرية”، وبحاجة إلى عمل ميداني ووزراء يعملون على مدار الساعة لإخراج المواطن من حفرة النظام البائد، والتردد في اتخاذ القرار كارثة قد ينسف كل شيء. ويبدو أن ثمة سيولة على مستوى المواقف السياسية لقوى الثورة، ارتكاناً على أن البلاد سوف تبدأ ما يشبه المرحلة الانتقالية الجديدة في عقب الوصول إلى سلام، إذ من المقرر أن تمتد لـ39 شهراً بدءاً من تاريخ التوقيع الذي لم يتحدد بعد، بحسب المسودة المبدئية التي توافقت عليها الحكومة والجبهة الثورية. ويبحث كل طرف عن تعزيز مكاسبه في الفترة المقبلة بما يمكنه من إيجاد أرضية تضمن له التواجد على المدى الزمني البعيد، أي في الانتخابات التي لن تتم قبل ثلاث سنوات، وبالتالي فإن كل حزب يسعى ليكون مشاركاً في القرار حاليا وليس متلقياً فقط له، غير أنّ قوى مختلفة لا تضع في اعتبارها أن تلك الصراعات تقلص من شعبيتها التي تعرضت لهزات كثيرة منذ تشكيل الحكومة في سبتمبر الماضي. وأشار المحلل السياسي السوداني، شوقي عبدالعظيم، أن حمدوك وتحالفه يدركان خطورة الوضع، ولذلك فالتعديلات المقررة تسير وفق مبدأ التوافق وليس المغالبة لأي طرف على الآخر، مع ضرورة أن تتسم الاختيارات بالكفاءة لأنه لا مجال للفشل مجدداً في ظل تململ الشارع. وأوضح لـ”العرب”، أن “الأزمة الحالية لا ترتبط باختيار الوزراء فقط، بل إن هناك جملة من الترتيبات المفترض أن تقدم عليها الحكومة، وعلى رأسها المشكلات الاقتصادية المتفاقمة وتوفير السلع وضبط عمل التعاونيات، وإنجاز ملف السلام، وهي ملفات تشهد تعقيدات على مستويات السلطة المركزية بأذرعها التنفيذية والسياسية”.
مشاركة :