مسار السلام في السودان أسير التدخلات الخارجية | | صحيفة العرب

  • 8/4/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على عكس تشبث دولة جنوب السودان، التي اختارت بوصفها وسيطا لإحلال السلام في السودان، أن تكون المفاوضات ثنائية ومقتصرة على الأطراف المتنازعة، تعقّد مسار السلام بين الجبهة الثورية كممثلة للحركات المسلحة والسلطة الانتقالية وذلك على خلفية تعدد علاقات الطرفين بقوى إقليمية شجعها تعثر الترتيبات الأمنية لتدخل على خط الأزمة في أكثر من مرة. الخرطوم - تواجه مفاوضات السلام بين الجبهة الثورية، كممثلة للحركات المسلحة، والسلطة الانتقالية في السودان، تحدياً رئيسياً الآن يتعلق بعلاقات قادتها بعدد من القوى الإقليمية، في وقت اختارت فيه وساطة جنوب السودان أن تكون المفاوضات ثنائية ومقتصرة على طرفي السلام من دون إشراك أطراف أخرى شكلت سابقا وعاءً لتحركات القيادات وفصائلهم في الداخل، وأثرت على المخرجات النهائية. ولدى غالبية قيادات الجبهة الثورية التي تخوض مفاوضات حالية مع الخرطوم، علاقات قوية مع دول الجوار، وترتبط الحركة الشعبية شمال بجناحيها، عبدالعزيز الحلو ومالك عقار، بعلاقات خاصة مع دولة جنوب السودان، وهناك صلات تاريخية بين مؤتمر البجا بشرق السودان ودولة إريتريا، إلى جانب العلاقات الوثيقة بين حركة العدل والمساواة وقطر، كما ترتبط حركة تحرير السودان، جناج مني أركو ميناوي الذي أعلن خروجه من الجبهة، بعلاقات جيدة مع تشاد. علاقات متشابكة لدى إثيوبيا علاقات جيدة بكل الحركات المسلحة تقريبا، علاوة على خصوصية العلاقة التي تربطها بالحكومة والكثير من القوى السياسية بعد أن أسهمت أديس أبابا بدور كبير في عبور الفترة الحرجة التي تلت سقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير. وحاولت السلطة الانتقالية في الخرطوم أن توظف علاقاتها بدول الجوار لإخماد النيران التي اشتعلت في بعض ولايات الهامش، غير أنها لم تستطع قطع صلات الحركات المسلحة بتلك الدول، وظلت مفاوضات السلام مستمرة في جوبا فيما كانت تتجه أعين قادة الحركات إلى دول أخرى من دون أن تنقطع محاولات التأثير على سير المباحثات، وتعرضت لهزات عنيفة تسببت في عدم التوصل إلى اتفاق نهائي. وتكمن المشكلة الأساسية في أن ملف الترتيبات الأمنية المتعثر لا ينفصل عن تأمين الحدود المشتركة لولايات الهامش مع دول مجاورة، على رأسها إريتريا وجنوب السودان وإثيوبيا وتشاد وليبيا، وهو ما يفتح الباب أمام أطراف إقليمية للدخول على خط المفاوضات، لأن مسألة تأمين الحدود تتطلب جهوداً مشتركة بين السلطة في المركز وحركات الهامش والدول التي تسعى للمشاركة في عملية ضبط الحدود. ويتفق المراقبون، على أن اشتعال الأوضاع الأمنية في ولايات الهامش كلما اقترب السلام من الوصول إلى محطته النهائية، يرجع إلى اختلاف مصالح قوى عديدة ترى أن نفوذها في هذه الولايات سيكون مهدداً في المستقبل، ما لم تضمن تحقيق مكاسب كبيرة لأطراف رئيسية تدعمها. وتدفع العلاقات القديمة بين نظام البشير وأطراف خارجية تدخلت بشكل مباشر في أزمات الهامش، نحو مزيد من التنسيق لإفشال جهود السلام، ما ينعكس على تكرار الحوادث التي تسببت فيها مجموعات مسلحة كانت على صلات سابقة بحكم البشير، خاصة في دارفور، حيث شاركت في ارتكاب جرائم متباينة في الإقليم المضطرب، وكذلك إقليم شرق السودان القريب من الصراعات المتزايدة في البحر الأحمر، والذي أصبح مطمعا للكثير من القوى الإقليمية. ووقعت اشتباكات قبلية جديدة في منطقة برونقا بمدينة كاس في جنوب دارفور فجر الجمعة، وقامت ميليشيات مسلحة بحرق مزارع المواطنين في المنطقة، وتم نهب أعداد كبيرة من الماشية والممتلكات الخاصة، واستمرت عملية الاعتداء على الأراضي الزراعية رغم وصول تعزيزات رسمية للمنطقة، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى. يصعب الفصل بين توالي الاشتباكات القبلية وبين محاولة قطر الأخيرة الدخول على خط المفاوضات عبر المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري، مطلق بن ماجد القحطاني، الذي أجرى مشاورات، الأسبوع الماضي، في جوبا حول مفاوضات السلام بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية.وبحسب الناشط السياسي، سليمان سري، كلما اقترب التوقيع على اتفاق نهائي للسلام زادت التوترات في الداخل عبر تحريك أياد خارجية وأخرى داخلية تعمل بتوجيهات مباشرة، وأن أذرع مخابرات الدوحة لديها نفوذ واسع على المجموعات التي تتورط في كثير من أعمال العنف الدائرة حالياً. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن مصالح بعض الأطراف في أوقات الحروب تختلف عن أوقات السلام، وتتملكها رغبة في أن يكون هناك سلام شامل في مناطق الهامش، شريطة ألاّ يؤثر على مصالحها بالداخل السوداني، بالتالي فإن إثارة النعرات القبلية في هذا التوقيت يستهدف التأكيد على حضور هذه القوى، وينطوي على رسالة بعدم إمكانية تجاهلها في مفاوضات السلام الجارية. وأوضح أن هشاشة المرحلة الانتقالية وزيادة الفجوات بين القوى الثورية، وعدم التوافق حول استمرار وجود الجناح العسكري على رأس سدة الحكم في هذه المرحلة، دفع بمزيد من التدخلات الإقليمية في مناطق الهامش، لأن الحركات المسلحة المدعومة من الخارج تدرك أن الأجهزة الأمنية لن تستطيع التعامل بشكل احترافي مع الاشتباكات التي تندلع من حين إلى آخر، وأن الوقت الحالي مناسب للحصول على مزيد من المكتسبات التي فقدتها هذه القوى منذ الإطاحة بنظام البشير. البحث عن قطر وتدفع حالة السيولة في بعض دول جوار السودان وزيادة حدة التدخلات من أطراف خسرت نفوذها في السودان منذ الإطاحة بالبشير إلى مزيد من التوترات التي يشهدها الهامش بحكم التمدد الجغرافي للأقاليم السودانية وسهولة الانتقال عبر الحدود المفتوحة والتشابك الاجتماعي وانتشار حروب العصابات. ويؤكد مراقبون، أن أحد عوامل هذه التدخلات يكمن في وجود أكثر من 80 حركة مسلحة في دارفور، أغلبها ليس له ثقل في الواقع، غير أن تواجد عدد من القيادات في الدوحة، حيث يجري استثمارهم ضد الحكومة بهدف إضعافها، يكشف طبيعة الدور الذي تقوم به قطر لتغيير التوازنات في دافور لتكون الغلبة في يد الميليشيات الحاملة للسلاح على حساب قبيلتي الفور والمساليت اللتين تشكلان الأغلبية من شعب دارفور. وتستغل بعض الأطراف حالة التفكك التي أصابت عددا من الحركات التي توحدت تحت لواء الجبهة الثورية منذ نوفمبر من العام الماضي، وأفضت إلى انقسامها إلى فصيلين، أحدهما يتزعمه الهادي إدريس يحيى، ويضم الجزء الأكبر من الحركات، وأخرى يتزعمها مني أركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، بل إن البعض يرى أن هذا التفكك يمثل تجسيداً لطبيعة الضغوط التي تتعرض لها الحركات جراء علاقتها بقوى مختلفة في الأهداف والتوجهات. العلاقات القديمة بين نظام البشير وأطراف خارجية تدخلت بشكل مباشر في أزمات الهامش، تدفع لإفشال جهود السلام ويبدو أن حالة التوافق التي شهدتها المفاوضات بعد أن ذهبت الجبهة الثورية في البداية إلى عقد مباحثات في مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان للتأكيد على أنها لا تسعى لتجاوز أيّ طرف إقليمي، أخذت في التلاشي، لأن منبر المفاوضات الحالي في جوبا لم يكن مثار توافق كبير بين الأطراف المختلفة، وفشلت محاولات إجراء محادثات في دولة محايدة أو حتى نقلها إلى الخرطوم، وجرى التوافق على جنوب السودان باعتبارها الأقرب جغرافيا للدولة الأم وبعيدة نسبيا عن التجاذبات السياسية. وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، تماضر الطيب، إن هناك جملة من الأزمات التي تعرقل مفاوضات السلام، على رأسها عدم تنفيذ الوعود بسحب السلاح من الميليشيات التي دعمها النظام السابق في دارفور، إلى جانب عدم قدرة السلطة الانتقالية على التعامل بشكل إيجابي مع الاشتباكات المستمرة، وهو ما يفسح المجال لتدخل بعض القوى الساعية لاستغلال الوضع الحالي. وأوضحت لـ”العرب” أنه لا يمكن القطع بأن هناك دعما سخيا ومباشرا للحركات المسلحة، مثلما كان الحال في فترة حكم البشير، غير أن بعض الفصائل اختارت الابتعاد عن مسار المفاوضات الحالي والاحتماء بأطراف إقليمية دعمتها في السابق لعدم وجود رغبة حقيقية لديها في التوصل إلى اتفاق شامل ونهائي. ولفتت إلى أن هذه الحركات تسعى إلى تدويل القضية لاستمرار حصولها على التعاطف وإطالة أمد المفاوضات للحصول على مزيد من السلاح، بالتالي فهي تقوم بمحاولة تأجيج الأوضاع في الداخل، لكن لن تحصل على مرادها لأن المزاج الدولي الذي دعّم الحرب في أقاليم الهامش يختلف الآن، وأضحت الرغبة في الوصول إلى سلام هدفاً يحظى بدعم كبير، ما يجعل الدول الداعمة للميليشيات في دارفور مدركة أنها لن تحقق أهدافها كاملة من النزاعات في الوقت الحالي.

مشاركة :