دار غراب تصدر الترجمة العربية لكتاب إلى القاهرة عبر ميناء الإسكندرية

  • 7/20/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت حديثًا عن دار غراب للنشر الترجمة العربية لكتاب "إلى القاهرة عبر ميناء الإسكندرية- مشاهدات طائفة من الرحالة الأنجلو أمريكيين"، من ترجمة الدكتور محمد عزب، والدكتورة مي موافي.وجاء في مقدمة الكتاب "مقدمة للمترجمينمنذ "هيروديت" وربما قبله والرحالة ما فتئوا يتوافدون على مصر لأغراض عديدة من السياحة إلى التطبب إلى التبشير والتنصير والاستشراق إلى التشمس وقضاء الشتوية إلى التجارة والتنقيب عن الآثار والعمل في المشروعات الكبيرة أو الالتحاق بالخدمة الخديوية والحج بما أنّ مصر كانت وجهة للعائلة المقدسة إلى آخره من المقاصد. في عصر ما بعد المطبعة يعتبر الإيطالي "بيترو ديلا فاليه" Pietro della valle (1586 – 1652) من أوائل مَن قدِم مصر من الأوربيين بين عامي 1615 و1616. وصحيح أنّ القرن السابع عشر لم يسجّل قدوم أعداد كبيرة لمصر من القارة العجوز، ربما بسبب الاضطرابات السياسية آنذاك، لكنّ التدفق الحقيقي جاء في القرن الثامن عشر وبلغ ذروته في القرن التاسع عشر. مِن أشهر مَن وطِئت أقدامهم مصر في ذاك الوقت عاشقة الأقصر، صاحبة الرسائل الشهيرة، "لوسي دف جوردن" Lucie Duff Gordon (1821 – 1869) التي وافتها المنيّة في مصر والمستكشف "جيمس بروس" James Bruce(1730 – 1794) والأمريكي "جون ليديارد" John Ledyard(1751 – 1789) الذي قضى نحبه في القاهرة و"جوفاني باتيستا بلزوني" Giovanni Battista Belzoni (1778 – 1823) و"وليم إدوارد لين" Edward William lane (1801 – 1876) وحاملة المصابيح، رائدة التمريض، "فلورنس نايتنجيل" Florence Nightingale (1820 – 1910)، وأمير "ويلز"، ألبرت"، لاحقًا الملك "إدوارد السابع"، والجنرال "جرانت"، الرئيس الأمريكي، General Grant وآخرون لا يتسع المقام لذكر أسمائهم، اللامعين منهم والمغمورين، سواء مَن دوّن خواطره عن الرحلة أو مَن لم يفعل.وتنحصر العناصر الأساسية لهذه الانطباعات الأولية، الإيجابية والسلبية على حد سواء، في الوصول إلى الميناء ودخول المِرفأ، ثم النزول من السفينة إلى القوارب الصغيرة وتزاحم أصحاب هذه الزوارق التي تعمل لحساب فنادق بعينها للظفر بالراكب وحقائبه ثم التوجّه إلى الجمارك التي يُجمِع كافة الرحالة أنها كانت تجربة متعسفة ويوجزها "ج. أ. هوسكينز" بقوله: "رِشوة صغيرة سوف تُعفي حقائبك من التفتيش." يلي ذلك التوجه للفندق بالحمير أو الجِمال ثم استئجار ترجمان والتجول في المدينة، وأخيرًا الاستعداد للانطلاق منها للوجهة التالية.وقبل اختراع الطائرات واستحداث المطارات كان الولوج في مصر والخروج منها له عدة طرق برية وبحرية مِن أشهرها طريق الحج عبر سيناء ومينائي السويس وبورسعيد عقب افتتاح القناة وميناء الإسكندرية. ويُعد الأخير مِن أقدم الموانئ على المتوسط، وواحدًا من مفاتيح الشرق. كانت الإسكندرية دومًا نقطة الانطلاق نحو العمق المصري باتجاه القاهرة وصعودًا مع النيل أو الانحراف شرقًا وغربًا. وبسبب كونها نقطة التجمع للعديد من الأعراق والأجناس وُصفت الإسكندرية بأنها المدينة التي كسرت الأطروحة "الكيبلنجية" حيث "التقى فيها الشرقي بالغربي" أو على حد قول "هنري بوتر": "أقل المدن الشرقية شرقية". أما "السيدة من نيويورك" فقد تمادت في هذا الطرح قائلة: "لا أشعر أني وطِئت بر مصر؛ ولا يمكن أنْ تكون هذه مدينة مصرية." تم تمهيد الخط البري بين الإسكندرية والسويس عام 1842. كان المسافرون يستقلون العربات التي تجرها الخيول بينما تحمل الجِمال البريد والمتاع والبضائع المتجهة إلى الهند. وكان لشركة شبه الجزيرة والشرقP & O نحو ثلاثة آلاف بعير تقطع المسافة بين الإسكندرية والسويس عبر صحراء مجدبة. وأما المسافرون بين الثغر والعاصمة فكان يتعين عليهم قطع المسافة برًّا باستخدام الدواب حتى "شبراخيت" ثم الإبحار في النيل، أو الاستمرار برًّا عبر مسار الطريق الزراعي الحالي. في ملحمة سابقة لقناة السويس أعاد محمد على عام 1820 حفر الترعة القديمة التي سُميت بالمحمودية على اسم السلطان العثماني "محمود الثاني" تيمنًا به. بلغت تكلفة شقّ الترعة مليونًا ونصف مليون دولار. شارك 250 ألف مصري في حفر هذه الترعة نفق منهم 25 ألف. طول الترعة نحو 46 ميلًا وتتصل بالنيل عند قرية العطف. كان الغرض الرئيسي لحفر الترعة هو جلب المياه الحلوة إلى الإسكندرية، لكن أعمال الملاحة البسيطة بدأت تنتشر على صفحتها متمثلة في القوارب الصغيرة لأنّ عمقها لم يكن كبيرًا. كانت هذه القوارب تحمل المسافرين إلى قرية العطف في نحو تسع ساعات، وهناك يستقلون السفن الكبيرة التي تأخذهم جنوبًا أو "قبلي" كما يُقال. في الستينيات من القرن التاسع عشر قام والي مصر، محمد سعيد باشا، بتوسيع ترعة المحمودية. جعل سعيد باشا على إدارتها خمسة أجانب الأمر الذي ساهم في نقل البضائع والركاب عبر النيل. لاحقًا عمّق الوالي "عباس الأول" الترعة ومدّ عام 1851 خدمة النقل النهري بين القاهرة وأسوان، وهي الخدمة التي زادت عليها شركة "توماس كوك" Thomas Cook عام 1870 الدهبيات البخارية الجديدة. يصف "بارتليت" السفر من الإسكندرية للقاهرة قبل توسيع وتعميق الترعة قائلًا: "في زيارة سابقة وقبل دخول البواخر الخدمة بين الإسكندرية والقاهرة كنتُ مضطرًا أنْ أخوض المتاعب التي تبدأ في المدينة الأولى، وأعني استعمال خادمٍ واستئجار قاربٍ ثم تدبير سجادة وحَشْية فراش والعديد من المؤن وأوعية الطهي وأصناف أخرى صغيرة أحتاج لصفحة أو اثنتين لحصرها." أما "س. سميث" فقد حدد ثلاثة طرق للوصول إلى العاصمة في منتصف القرن التاسع عشر وهي: "الولوج من البحر في فرع دمياط أو فرع رشيد ثم الصعود أو عن طريق البر على ظهر الخيل وهي رحلة منهكة ولا خير يأتي من ورائها أو عن طريق الترعة التي يصل طولها إلى أربعين ميلًا وتفتح على النيل عند القرية القذرة البائسة المعروفة بالعطف." عام 1854 تم مدّ خط السكك الحديدية بين الإسكندرية وكفر الزيات. والجدير بالذكر أنّ هذا الخط الذي أشرف عليه "ستيفنسون" نفسه، مُطوّر القاطرة البخارية، هو أقدم ما عرفت القارة الأفريقية. يقول "وليم برايم" في كتابه "حياة القوارب في مصر والنوبة": "لقد مُد خط السكك الحديدية فقط حتى كفر عيسى على النيل، ومن هناك توجهنا إلى القاهرة بالباخرة. أنشأ المهندسون الإنجليز هذا الخط الحديدي تحت إشراف رجل اسكتلندي. أقولها بكل اطمئنان إنه لا يوجد في أمريكا خط سكك حديدية يضارع هذا الخط في مصر من حيث الأمان والإنجاز ومتانة الإنشاء. يُعتبر هذا الخط ملكية خاصة للوالي. هذا وحقيقة أنّ خط السويس كاد يكتمل يجعل صاحبي رؤوس المال يحكمون على مدى جدية سعيد باشا في طرح مشروع القناة، وهو الأمر الذي من شأنه إيقاف الشحن إلى القاهرة والإسكندرية." على أي حال بعد وصول خط السكك الحديدية إلى القاهرة عام 1856 تحوّل القادمون من أوروبا إلى مصر عبر ميناء الإسكندرية إلى ركوب القطار عِوضًا عن الملاحة في النيل فهو أكثر راحة، كما ساهم في تقليل زمن الرحلة. يصف "صمويل ماننج" انطلاق هذه الرحلة بقوله: "في أغلب الأوقات يتم قطع المسافة بين الإسكندرية والقاهرة حاليًا، وقدرها مائة وواحد وثلاثين ميلًا عن طريق السكك الحديدية. يبدأ الخط محاذيًا لبحيرة مريوط التي تزخر بحشود لا تُحصى من طيور البجع والبط البري وطيور بحرية أخرى تسبح أو تخوض في مياهها المالحة قليلًا، وأخرى تُحلّق في الأعلى قريبًا من السحب. يقطع القطار سريعًا الشريط الصحراوي الضيّق الذي يمثل خط الساحل الشمالي لمصر ومعه نلج إلى الدلتا." سجّل العديد من الرحالة تفاصيل هذه الرحلة التي تبدأ بالنزول في الإسكندرية مرورًا بالحجر الصحي والجمارك ثم قضاء بعض الوقت بالمدينة قبل مواصلة التقدم نحو القاهرة سواء بواسطة القارب أو القطار، كل حسب توقيت زيارته لمصر كما أسلفنا. ولأهمية هذه الرحلة المحددة زمانًا ومكانًا رأينا أنْ نقدم للقارئ والباحث طائفة من الفصول المترجمة التي تناولتها بأقلام أنجلو – أمريكية، آملين أنْ يمثل هذا الكتاب إضافة إلى المكتبة العربية. تمتد الأعمال المنتقاة للترجمة هنا إلى نيف وقرن مع الأخذ في الاعتبار تمثيل كل عشرية كلما أمكن بكتاب على الأقل حتى نتمكن من متابعة التغيرات الطارئة عليها من كثب. يُجمل أحد الرحالة الإنجليز، "ريتشارد بيرتون" (1821 – 1890)، مراحل تطور هذه الرحلة بقوله في كتابه "الحج إلى مكة والمدينة – سرد ذاتي": "اعتاد الرحالة أثناء سفرهم النهري من الإسكندرية إلى القاهرة على تسجيل انطباعاتهم عن سكان البلاد على الضفتين. بعدها بقليل تمادى المسافرون من الرجال والنساء في إسباغ النعوت الشعرية على الدهبيات التي تقلهم بامتداد قنال المحمودية. ثم حلّ عصر الباخرة وتلتها السكك الحديدية التي خيبت آمال هذا النوع من الجوّالة، لكنها نزلت بردًا وسلامًا على طائفة أخرى تحرّقت شوقًا لقطع المسافة البرية بأقل قدر من العنت والنصب لأنفسهم وللآخرين. وهكذا سينحصر دور المحمودية، أقبح الترع وأشقها على النفس، في نقل الأقطان والحبوب، وسوف تُغفلها المذكرات تمامًا وتُسقطها فصول الكتب من عناوينها."

مشاركة :