لم يعد بالإمكان إخفاء الأهداف الحقيقية لإيران في العراق، وتدخلها في شؤونه، ومحاولة سلخه من المنطقة العربية، وذلك أدَّى إلى تمركز القوة السياسية ضمن دائرة ميليشياتها الإرهابية المنتشرة، وإدارتها قدراً كبيراً من الصراعات على أرض العراق، ولكن مع انطلاق العملية العسكرية لضبط الحدود الإيرانية العراقية والسيطرة على منفذين، أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أنه لن يسمح بسرقة المال العام في المنافذ الحدودية. وأضاف من منفذ مندلي الحدودي أن «مرحلة إعادة النظام والقانون بدأت، ولن نسمح بسرقة المال العام في المنافذ».رغم تغلغل النفوذ الإيراني في العراق لسنوات، فإنَّ هذا الأمر بقي غريباً عن جسد بلاد الرافدين، ولفظه الشعب، باستثناء الموالين لإيران والداعمين لمشروعها بالمنطقة؛ لكن بنهاية المطاف يعود العراق لعمقه العربي؛ لأنَّ هذا هو السياق الطبيعي، ويتوج هذا التغيير بالتعاون الاقتصادي وتعزيز العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن اتفاق بين العراق والولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، لدعم مشروع هيئة الربط الكهربائي. وعقد اجتماع بين الأطراف الثلاثة لبحث الطرق الفعالة لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي.وتتوج هذه العلاقة باختيار الكاظمي السعودية محطة خارجية أولى له، وإن أرجئت الزيارة لأسباب أخرى، فهذا له دلالة كبيرة على أنه سيعيد توجيه بوصلة العراق إلى العمق العربي؛ علماً بأنه سيزور إيران لاحقاً؛ لكن اختيار المملكة كأول محطة يعتبر رسالة مهمة جداً للمرحلة القادمة من قبل حكومة العراق، وأيضاً يُعد نجاحاً للسعودية في لم شمل العرب، ومن هذه العلاقات يبدأ التبادل الاقتصادي، فالعراق سوق ضخمة ويحتاج استثمارات كبيرة من أكبر اقتصاد بالمنطقة، والمملكة قادرة على دعم خطط الإصلاح الاقتصادي في العراق. فمهما حدث هناك من تغيير حاد في الاقتصاد الإيراني، وضعف البنية التحتية بكل ما يتعلق بالمقومات الأساسية في الداخل، وتشتت بذلك تركيزها، غير ذلك الكثير من نفوذها وسيطرتها على مفاصل الدول التي عبثت بسيادتها وأمنها.ويجدر بنا القول إنَّ الفرصة مواتية الآن لدحر هذه الميليشيات، وتنقية الأجواء العراقية من التدخل الإيراني، بكل أوجهه ومرئيات سياستهم التدميرية.لا شك أنَّ الكاظمي يواجه حملة شرسة من قبل عدد من الفصائل الموالية لإيران، وذلك يثير الانتباه الدولي لهذه الإجراءات، والنيات المبطنة الكامنة وراء الشغب والتفجيرات في مناطق مختلفة من البلاد، وتحديد الخطر النابع من هذه الفصائل، بتنفيذ جهاز مكافحة الإرهاب عدة مداهمات جنوب بغداد، أدت إلى اعتقال عدد من عناصر كتائب «حزب الله»، على خلفية هجمات الصواريخ، التي طالت مناطق فيها قواعد عسكرية أميركية أو منشآت أميركية.ويواجه الكاظمي وضعاً اقتصادياً سيئاً، ولا يمكن تحميل حكومته ما يمر به العراق، فهو يعمل على تقويته من خلال موارد غير نفطية.رغم أن أزمة العجز كبيرة، والخسائر التي تسببت فيها إيران فادحة، فإن عودة العراق إلى محيطه العربي واستعادة أمنه وسيادته، لا بدَّ من أن يتزامن مع بداية ضعف الدور الإيراني، وأن تكون المرحلة القادمة مفصلية؛ في تحديد العلاقة مع إيران، ووضع حد لتدخلها في شؤونه، وتفكيك ميليشياتها في الساحة العراقية. وإذا ما أمكن ذلك، فإن الفرص متهيأة أمام العراق للنهوض من جديد.ينبغي لذلك الحدث أن يشكل موضوع اهتمام عاجل، فالوطء الذي تئن تحته طهران من جراء العقوبات، وتدهور الاقتصاد، لا شك أنهما يحدَّان من تهديداتها وتدخلاتها التي تعاني منها أربع عواصم عربية واقعة في القبضة الإيرانية، والكف عن العبث وتهديد أمن الدول العربية. فاليوم ثمة سبل أو وسائل لكبح جماح التدخل الإيراني ووضعه عند حدوده.مع ذلك، فقد آن الأوان لاستغلال الفرص الممكنة، ونزع فتيل ذلك الخطر من خلال المرحلة القادمة، بعد أن شرعت حكومة الكاظمي في معالجة المشكلات الداخلية العويصة، والبحث عن الثروات الهائلة التي سرقت من قوت الشعب العراقي. والأمر الأكثر أهمية تقدير الاحتمالات المستقبلية لهذا البلد العربي الغني بثرواته ورجاله، فلطالما كان الهاجس الوحيد للأمة العربية عودة العراق لمحيطه العربي بعد طرد الدخلاء من أرضه. ويعتبر هذا تطوراً آخر ذا أهمية أخرى تاريخية، ينبئ على الأرجح بالعودة الميمونة.هاجس السعودية الدائم هو لمّ الشمل العربي ولم تأل جهداً في هذا المضمار، لذا، فهي تسعى لإنجاح مساعي الحكومة العراقية الجديدة، والتغيير المنشود في السياسة، فهناك من الأسباب والدوافع المنطقية ما يدفع إلى نتائج مرضية؛ وخصوصاً مع الزيارة التي ستفضي إلى تعاون سياسي واقتصادي، وإيجاد فرص كبيرة لاستثمار القطاع الخاص السعودي، بعد توقيع اتفاقيات مهمة خلال زيارة الرئيس الكاظمي للسعودية، وافتتاح المنافذ مع المملكة للتبادل التجاري.
مشاركة :