هل ترغب إيران في أن تحقق اختراقا على المستوى العالمي والعربي من خلال العراق؟ حين نقول العراق فنحن لا نقصد عراق العراقيين، بل عراق الطبقة الحاكمة التي هي موالية لإيران وتستند في كل قراراتها إلى المشيئة الإيرانية، حيث الحرص على المصالح الإيرانية هو الأصل، فيما المصالح العراقية تراوح مكانها في منطقة يغلب عليها النسيان. بالنسبة إلى العراقيين فإنهم يرغبون في كسر جدار العزلة عن محيطهم العربي وهو جدار نفسي شُيد في اللحظة التي دخلت فيها الدبابات العراقية الأراضي الكويتية منتصف عام 1990. ذلك الجدار ازداد صلابة بعد الغزو الأمريكي وعملت إيران على تكريسه باعتباره واقعا عن طريق عملائها الذين كتبوا دستورا جديدا فرض على العراق ألا يكون عربيا حين لم ينص على أنه دولة عربية. كان تعبير «العرب السنة» أكبر إهانة وجهت إلى العراقيين. فمن خلاله تم اعتبار العرب مجرد أقلية مهاجرة إلى العراق الذي يسكنه الأكراد والشيعة الذين هم في جزء كبير منهم من حصة إيران، بحسب ما صار متداولا في وسائل الإعلامين الإيراني والعراقي الرسمي. العراقيون في حقيقة مشاعرهم يرغبون في أن تكون عودتهم إلى محيطهم العربي من خلال عراق سليم ومُعافى من أمراض الاحتلالين الأمريكي والإيراني. غير أن تلك الرغبة لا تتسق مع الواقع الذي صنعته إرادة لا تحوم حولها شبهات الارتباط بإيران وحسب، بل إن كل الدلائل تؤكد أن النظام السياسي الحاكم في العراق الآن هو واجهة للحرس الثوري الإيراني. لذلك جاءت زيارة زعيم فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني متزامنة مع زيارة الوفد الأميركي المبعوث من قبل الرئيس بايدن ليؤكد دعم الولايات المتحدة للحكومة العراقية. ولأن الحكومة العراقية الحالية هي حكومة غير شرعية، ذلك ما يقوله معارضوها، فهي من وجهة نظرهم لم تُقم إلا بعد أن زورت إرادة الناخبين وذهبت أصواتهم إلى الكتلة المهزومة في الانتخابات فإن إيران كانت قلقة من جهة مستوى الدعم العالمي الذي يمكن أن تحظى به تلك الحكومة. وكما يبدو، فإن الولايات المتحدة كانت قد استشعرت القلق الإيراني لذلك سارع بايدن إلى إرسال وفده لطمأنة إيران إلى أن الأمور تجري في سياق لن يخرج عن إطار التسوية التقليدية بين الطرفين. ولكن إيران صارت تطمع بغطاء عالمي أكثر سعة من الترضية داخل العراق. فرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي دُفع به إلى المنصب بقوة تأثير نوري المالكي المرتمي في أحضان إيران باعتباره زعيما طائفيا لا بد أن يؤدي دورا تحتاج إليه إيران من أجل تحقيق شيء من انفتاح العالم عليها بعد أن صار وضعها في سجل حقوق الإنسان محرجا لكل الأطراف الراعية للملف النووي. صار السوداني يقول كلاما لا تؤمن به المليشيات، ولكن المليشيات وهي القادرة على قلب الأحوال في العراق لم تعلق على ذلك الكلام. الأدهى من ذلك أن إيران هي الأخرى لم تعترض وظلت صامتة. وفي ذلك ما يدعو إلى الشك. لا أريد هنا أن أستصغر السوداني وهو رئيس حكومة، ولكني على يقين بأنه لن يخرج عن الإطار الذي رسمته له إيران قيد أنملة. لا لأنه مرشح تحالف الإطار التنسيقي الذي هو مجموعة الأحزاب الموالية لإيران فحسب، بل لأنه عضو في حزب الدعوة الذي لا يؤمن بالعراق ولا بعروبته ولا بوجوده كدولة مستقلة. هناك الكثير من الأسئلة التي لا توجه إلى السوداني، بل إلى إيران بشكل مباشر. وهو ما يعرف الجميع أن السوداني لن يجيب عليها. يضحك الأوروبيون ومن خلفهم الأمريكيون لأنهم يعرفون الحقيقة، ولكن العراقيين يظلون يسبحون في أوهامهم. ذلك لأن جزءا منهم لا يزال يراهن على إمكانية الخروج من الفلك الإيراني. كل ما يُقال عن إمكانية عودة العراق إلى محيطه العربي هو مجرد شعارات، تسعى إيران من ورائها للتهدئة من أجل عبور المرحلة الصعبة التي تمر بها. أما واقع الحال، فإنه يقول غير ذلك. فحكومة السوداني هي واجهة للأحزاب الطائفية الموالية لإيران. وهي لذلك لا تملك حرية قرار سيادي يمكن أن يضعها في مواجهة المليشيات التي تستمد منها قوتها. تحتاج عودة العراق إلى المحيط العربي أولا أن يتحرر العراق من الهيمنة الإيرانية. وهو ما لا يمكن توقع حدوثه في زمن منظور. { كاتب عراقي
مشاركة :