الهيمنة الإيرانية تعرقل عودة العراق إلى محيطه العربي

  • 1/26/2023
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل‭ ‬ترغب‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬اختراقا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العراق؟ حين‭ ‬نقول‭ ‬العراق‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نقصد‭ ‬عراق‭ ‬العراقيين،‭ ‬بل‭ ‬عراق‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬موالية‭ ‬لإيران‭ ‬وتستند‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قراراتها‭ ‬إلى‭ ‬المشيئة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬حيث‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الإيرانية‭ ‬هو‭ ‬الأصل،‭ ‬فيما‭ ‬المصالح‭ ‬العراقية‭ ‬تراوح‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬النسيان‭.‬ بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العراقيين‭ ‬فإنهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬جدار‭ ‬العزلة‭ ‬عن‭ ‬محيطهم‭ ‬العربي‭ ‬وهو‭ ‬جدار‭ ‬نفسي‭ ‬شُيد‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬فيها‭ ‬الدبابات‭ ‬العراقية‭ ‬الأراضي‭ ‬الكويتية‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬1990‭. ‬ذلك‭ ‬الجدار‭ ‬ازداد‭ ‬صلابة‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬وعملت‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬تكريسه‭ ‬باعتباره‭ ‬واقعا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬عملائها‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬دستورا‭ ‬جديدا‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬عربيا‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭.‬ كان‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬العرب‭ ‬السنة‮»‬‭ ‬أكبر‭ ‬إهانة‭ ‬وجهت‭ ‬إلى‭ ‬العراقيين‭. ‬فمن‭ ‬خلاله‭ ‬تم‭ ‬اعتبار‭ ‬العرب‭ ‬مجرد‭ ‬أقلية‭ ‬مهاجرة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬يسكنه‭ ‬الأكراد‭ ‬والشيعة‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬حصة‭ ‬إيران،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬متداولا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلامين‭ ‬الإيراني‭ ‬والعراقي‭ ‬الرسمي‭.‬ العراقيون‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬مشاعرهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬محيطهم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عراق‭ ‬سليم‭ ‬ومُعافى‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬الاحتلالين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإيراني‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الرغبة‭ ‬لا‭ ‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬صنعته‭ ‬إرادة‭ ‬لا‭ ‬تحوم‭ ‬حولها‭ ‬شبهات‭ ‬الارتباط‭ ‬بإيران‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الدلائل‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬واجهة‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭. ‬لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬زيارة‭ ‬زعيم‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬الإيراني‭ ‬إسماعيل‭ ‬قاآني‭ ‬متزامنة‭ ‬مع‭ ‬زيارة‭ ‬الوفد‭ ‬الأميركي‭ ‬المبعوث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬ليؤكد‭ ‬دعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للحكومة‭ ‬العراقية‭.‬ ولأن‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬الحالية‭ ‬هي‭ ‬حكومة‭ ‬غير‭ ‬شرعية،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬معارضوها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬لم‭ ‬تُقم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬زورت‭ ‬إرادة‭ ‬الناخبين‭ ‬وذهبت‭ ‬أصواتهم‭ ‬إلى‭ ‬الكتلة‭ ‬المهزومة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬كانت‭ ‬قلقة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬مستوى‭ ‬الدعم‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الحكومة‭. ‬ وكما‭ ‬يبدو،‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استشعرت‭ ‬القلق‭ ‬الإيراني‭ ‬لذلك‭ ‬سارع‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬وفده‭ ‬لطمأنة‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬التسوية‭ ‬التقليدية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬ ولكن‭ ‬إيران‭ ‬صارت‭ ‬تطمع‭ ‬بغطاء‭ ‬عالمي‭ ‬أكثر‭ ‬سعة‭ ‬من‭ ‬الترضية‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭. ‬فرئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬محمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬دُفع‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬المنصب‭ ‬بقوة‭ ‬تأثير‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬المرتمي‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬إيران‭ ‬باعتباره‭ ‬زعيما‭ ‬طائفيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬دورا‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬انفتاح‭ ‬العالم‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬محرجا‭ ‬لكل‭ ‬الأطراف‭ ‬الراعية‭ ‬للملف‭ ‬النووي‭.‬ صار‭ ‬السوداني‭ ‬يقول‭ ‬كلاما‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬به‭ ‬المليشيات،‭ ‬ولكن‭ ‬المليشيات‭ ‬وهي‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬تعلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الكلام‭. ‬الأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لم‭ ‬تعترض‭ ‬وظلت‭ ‬صامتة‭.‬ وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الشك‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أستصغر‭ ‬السوداني‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة،‭ ‬ولكني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنه‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬الذي‭ ‬رسمته‭ ‬له‭ ‬إيران‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‭. ‬لا‭ ‬لأنه‭ ‬مرشح‭ ‬تحالف‭ ‬الإطار‭ ‬التنسيقي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مجموعة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لأنه‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالعراق‭ ‬ولا‭ ‬بعروبته‭ ‬ولا‭ ‬بوجوده‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭.‬ هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬السوداني،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬السوداني‭ ‬لن‭ ‬يجيب‭ ‬عليها‭. ‬يضحك‭ ‬الأوروبيون‭ ‬ومن‭ ‬خلفهم‭ ‬الأمريكيون‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولكن‭ ‬العراقيين‭ ‬يظلون‭ ‬يسبحون‭ ‬في‭ ‬أوهامهم‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬جزءا‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الفلك‭ ‬الإيراني‭.‬ كل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬عودة‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬محيطه‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬شعارات،‭ ‬تسعى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬للتهدئة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عبور‭ ‬المرحلة‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭. ‬أما‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬فإنه‭ ‬يقول‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭. ‬ فحكومة‭ ‬السوداني‭ ‬هي‭ ‬واجهة‭ ‬للأحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭. ‬وهي‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬حرية‭ ‬قرار‭ ‬سيادي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬منها‭ ‬قوتها‭.‬ تحتاج‭ ‬عودة‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توقع‭ ‬حدوثه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬منظور‭.‬ { كاتب‭ ‬عراقي

مشاركة :