لا يزال للغناء العربي القديم جمهور عريض، يحتفي به ويحن إليه، وما زال بعض المبدعين من الشباب العرب يقدّمون ألوان هذا الطرب القديم بأشكال فنية جديدة، منها ما تقوم به الفنانة السورية شام كردي ضمن مشروعها الطويل لتكريم قامات غنائية نسوية عربية، كان أحدثها تكريمها للمطربة سعاد محمد في أوبرا دمشق. دمشق- ضمن مشروعها الفني التكريمي للمطربات العربيات أحيت المغنية السورية شام كردي أمسية طربية بمشاركة فرقة “قصيد” بقيادة المايسترو كمال سكيكر، لتكريم المطربة المصرية الراحلة سعاد محمد في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق. وسبق للفنانة السورية أن غنّت ضمن مشروعها الفني الذي يحتفي بقامات طربية نسوية لكل من ربا الجمال وفايزة أحمد وفاتن الحناوي ومها الجابري ودلال الشمالي، ليكون الدور في آخر حفل لها بدار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) مع حفل تكريمي للمطربة المصرية الراحلة سعاد محمد (1926 – 2011). حفل قدّمت فيه شام كردي العديد من الأغاني الشهيرة للفنانة الراحلة سعاد محمد منها: “هلا بالورد” و”مظلومة يا ناس” التي ألفها محمد علي فتوح ولحنها محمد محسن، كما قدّمت رائعة فريد الأطرش “بقى عايز تنساني” تأليف عبدالعزيز سلام وألحان فريد الأطرش. تلتها أغنية “وحشتني” عن زجل لصلاح فايز وألحان خالد الأمير، وأخيرا “أوعدك” عن زجل لمجدي نجيب وألحان محمد سلطان. وشام كردي التي ظهرت في برنامج للهواة قبل سنوات، ثم صارت اسما معروفا في المشهد الغنائي السوري، أكّدت في حفلها الأخير جدارتها وتمكّنها من غناء اللون الطربي الصعب. وهي التي تخصّص جزءا كبيرا من طاقتها ومشوارها الفني لكي تعزّز وجود هذا النمط من الغناء. وأفادت شام كردي في حوارها مع “العرب” بأن على الغناء العربي التقليدي الاستفادة من التطوّر التقني الراهن للوصول إلى أوسع شريحة جماهيرية ممكنة، قائلة “الغناء الطربي العربي الكلاسيكي له ناسه ومحبوه، كما أن للغناء الحديث ناسه وعشاقه، وأرى أنه من الضروري القيام بأعمال غنائية تحمل طاقة دافعة لجمهور الموسيقى والغناء العربي في المستقبل؛ وذلك عبر ترسيخ هذا النمط الغنائي المتميز بما فيه من جودة وإبداع، من خلال العمل على صيغ فنية تحتفي بمثل هذه الأصوات النسائية الفذّة وتعيد تقديمها بكل دقة ومهارة، لكي يتواصل الجمهور الجديد معها وبذلك نُؤمّن استمرارها”. وعن وجود هكذا إنتاج موسيقي في عصرنا الحاضر، تضيف شام “في عصرنا للأسف نفتقد إلى الجزل والألحان الطربية التي تربينا عليها، لا أعلم إن كان لا يزال هناك من يقدّم هكذا نوعا من الغناء حاليا، وأعني الطرب الثقيل. أتمنى ذلك لأنني أرى نفسي ضمن هذا الخط ولن أحيد عنه أبدا، فأنا ترعرعت على هذا النمط من الغناء وأجد نفسي فيه”. وتسعى المطربة السورية من خلال تجربتها الموسيقية إلى تقديم ما يصطلح على تسميته بـ”الطرب الدارج” الذي يناسب هذا العصر بتوجهاته المختلفة والسريعة، وهي متحمسة للعمل على هكذا أسلوب. ومع ذلك لا تخفي قلقها إن كانت ستوفّق في التواصل مع ملحنين وشعراء يعملون على مثل هذا الشكل الجمالي الخاص. وعن حنينها إلى تقديم هذا النمط من الموسيقى والغناء توضّح “أحن كثيرا إلى هذا النمط الغنائي الطربي الأصيل كوني تربيت عليه، وأتمنى أن أعمل عليه من خلال مشاريع جديدة وبالطريقة التي تخصني، عبر طرح جديد ومختلف. وفي الطريق إلى ذلك أستمتع كثيرا بإقامة الحفلات التي تجعلني في حالة تواصل وانتشاء مع الجمهور، لنسترجع معا شيئا من ذاك الزمن الجميل ورقيّه الفني. وهو ما حصل في حفلي الأحدث بدار أوبرا دمشق، حيث تفاعل الجمهور بشكل كبير مع كل أغنية أنشدتها، وكأن سعاد محمد لا تزال بيننا”. وعن الفنانة المصرية المكرّمة في حفلها الأخير، قالت شام كردي “سعاد محمد، هرم من أهرامات الغناء العربي، فهي التي قال عنها الموسيقار رياض السنباطي إنها بعد رحيل أم كلثوم صارت أهم مطربة في الغناء العربي. وهي التي حقّقت على يديه أداءً أسطوريا لدور ‘أنا هويت وانتهيت’ لسيد درويش، الأمر الذي كسر رؤية ملحن الدور ذاته بأن هذا الدور لا يمكن أن يؤديه إلاّ صوت ذكوري قوي. وعن أدائها لهذا الدور تحديدا قال الموسيقار محمد عبدالوهاب مخاطبا إياها: أداؤك لهذا الدور وعلى هذا الشكل أنهاه، لأنه سيكون حتما باسمك والآخرون لن يأتوا بالمزيد”. أفادت شام كردي بأن على الغناء العربي التقليدي الاستفادة من التطوّر التقني الراهن للوصول إلى أوسع شريحة جماهيرية ممكنة وأضافت “شرف كبير لي أن أنشد أغانيها في محاولة مني لإحياء سجلها الفني الاستثنائي، وجعله متسقا مع ذائقة الأجيال الحالية، وهو المشروع الفني الذي أعمل عليه منذ سنوات.. مشروع يحتفي بالسجل الطربي النسائي”. وكانت المطربة سعاد محمد، وهي ابنة رجل من أصول مصرية عاش في لبنان ووالدة لبنانية، علامة فارقة في تاريخ الفن العربي الحديث. غنت أولا في لبنان وتتلمذت على يدي والد المطربة نجاح سلام في بيروت ثم رحلت إلى دمشق وسجلت في إذاعتها متعاملة مع الملحن السوري الشهير محمد محسن صاحب أغنيتها الخالدة “مظلومة يا ناس”. ثم دخلت حلب وصنعت فيها أمجادا كبيرة، إلى أن رحلت إلى مصر وتعاملت مع عمالقة الفن المصري الذين كانوا يقدّمون فنهم لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وهي التي كتب لها بيرم التونسي ومأمون الشناوي وصالح جودت وعبدالرحمن الأبنودي، ولحن لها محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد سلطان، كما غنت لفريد الأطرش. وعملت الراحلة أيضا في السينما فقدّمت فيلمي “فتاة من فلسطين” و”أنا وحدي”.
مشاركة :