محمود سعد دياب يكتب: ما الذي يخبئه القدر للشقيقة ليبيا ؟ «1»

  • 7/21/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد الأحداث الأخيرة والتفويض البرلماني للجيش المصري لاتخاذ ما يراه صالحًا في إرسال قواته في مهام قتالية بالاتجاه الاستراتيجي الغربي، ضجت وسائل التواصل الإعلامي في مصر ومحيطها العربي والإقليمي بالحديث عن الحرب المتوقعة بين مصر وتركيا –سمها مليشيات مدعومة تركيًا أو الجيش التركي نفسه- على الأراضي الليبية، لكن من وجهة نظري أن تلك الحرب لن تحدث على الرغم من التفويض المماثل الصادر من البرلمان الليبي للجيش المصري ومناشدات عواقل ووجهاء قبائل ليبيا، وذلك ببساطة لأن فكر الرئيس عبد الفتاح السيسي لإيجاد حل نهائي للأزمة المشتعلة في ليبيا قائم على الحلول السياسية وأن يحرر الليبيين بلدهم بأيديهم ويختاروا مصيرهم بأنفسهم بالحوار والتفاوض، وأن مصر ستكون ضامنة لتلك العملية، ودور جيشها سوف يقتصر على تدريب شباب القبائل وتجهيزهم للانضمام لصفوف الجيش الوطني الليبي فقط.إن حديث الرئيس السيسي الأخير مع وجهاء ليبيا أكد مجددًا على أن مصر لا تبغي سوى السلام، وأن يعود الاستقرار لأحفاد عمر المختار ، وأنها رغم امتلاكها جيش قوي إلا أنه جيش رشي لا يعتدي على أحد وليس له أطماع توسعية أو يرغب في سرقة ثروات أحد حتى لو الجارة والشقيقة ليبيا التي تعتبر جزء مكمل لأرض الكنانة على مدار التاريخ، ويرتبط أهل البلدين بوشائج وعلاقات نسب ومصاهرة ممتدة منذ فجر التاريخ حتى الآن.لكنني تعجبت من المتوقعون للحرب المحتملة مع المليشيات التابعة لحكومة الوفاق الليبية والمدعومة من النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، أنهم قد بنوا كلامهم على التصعيد المستمر الذي يتبناه الرئيس التركي ومحاولة استعراض القوة والتهديد، وأظهر عدد منهم خوفًا ومارسوا سياسة جلد الذات ناظرين إلى جيشهم وقيادتهم بدونية غير واثقين من قدرتنا على الانتصار لو حدثت حرب لن تحدث لعدة اعتبارات.العقيدة العسكريةجميع الخبراء الاستراتيجيين يعلمون جيدًا أنه لن تقوم حرب بين مصر وتركيا "سواء كانت مليشيات مدعومة تركيًا أو الجيش التركي نفسه" على أرض ليبيا، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن العقيدة العسكرية المصرية الثابتة بعد حرب 1967 هي عدم خروج الجيش المصري خارج الحدود، لكن تلك القاعدة لها استثناء هي إن فرضت الحرب على الجيش فلابد أن يخرج بناء على وجود خطر يتهدد أمن المصريين وسلامة أراضيهم، وهذا الخطر لم يتحقق حتى الآن.ورقة ضغطالاعتبار الثاني أن وجود أردوغان في ليبيا يستهدف منه ممارسة ضغوطًا على الدول الأوروبية، بتشكيل تهديدًا على خطوط نقل النفط من الهلال النفطي بمنطقة سرت على ساحل المتوسط، إلى أوروبا عبر البحر، وذلك من الموانئ الخمسة التي تصدر النفط للقارة العجوز منذ عهد الملك محمد إدريس السنوسي حتى الآن، مع العلم أن آبار النفط مملوكة بموجب حق الانتفاع لشركات إيطالية وفرنسية وبريطانية وأمريكية، بما يعني أن سيطرة أردوغان عليها وسرقة نفطها مثلما فعل في سوريا والعراق نتيجته إعلانه حرب مباشرة ضد تلك الدول الأوروبية القوية، وفي اعتقاده أن ذلك الضغط قد يؤدي إلى تراجع الموقف الأوروبي والسماح له بالتنقيب عن الثروات في شرق المتوسط، فضلا عن الضغط على مصر بتهديد بوابتها الغربية على أمل أن تتراجع القاهرة عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لكي تضمن له جزء من تلك الكعكة.الاقتصاد التركيالاعتبار الثالث هو أن الاقتصاد التركي سيتعرض لخسارة فادحة إذا ما أعلن الحرب رسميًا على مصر، فبخلاف الاستثمارات التركية في مصر والتبادل التجاري الذي حتمًا سيتعرض للتجميد، تملك مصر وقت الحرب وفقًا لقانون الملاحة والممرات المائية الدولي الحق في منع سفن الدولة التي أعلنت ضدها الحرب من العبور من قناة السويس، ما يعني خسارة جانب كبير من حركة التجارة التركية التي تعتمد على القناة لتصدير منتجاتها لدول إفريقيا والخليج وجنوب وشرق آسيا والصين واليابان، مع الوضع في الاعتبار أن خيار اللجوء لطريق رأس الرجاء الصالح أمر مكلف يأخذ الكثير من الوقت ما يحمل ميزانية الدولة واقتصادها فوق طاقته، فضلا عن أن إغلاق الممر الملاحي العالمي الذي يشق أرض مصر أمام الأتراك أمر يشكل خطر عسكري واستراتيجي على أنقرة التي تمتلك قواعد عسكرية في منطقة القرن الإفريقي خصوصًا في جيبوتي وصوماليلاند، فضلا عن قاعدتها في قطر التي سيكون الوصول إليها مكلفًا أيضًا.انتظروني في المقال القادم

مشاركة :