«قوة الطبيعة».. بلامنطق أو جاذبية

  • 7/22/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مارلين سلوم تثق بقدرات النجوم الذين تحبهم وبطريقة أدائهم؛ لكنك لا تثق باختياراتهم جميعاً لأعمالهم، فهناك من تدخل الصالة لمشاهدة أي شيء يقدمه، وأنت متأكد بأنه لا شك سيعجبك بكل ما فيه أو ببعضه مع إبداء ملاحظات على البعض الآخر، وهناك من تتردد وتسأل وتدقق في نوعية العمل وقصته ومدى جودته، ولا تكتفي باسم النجم المتصدر لملصقه الدعائي. ميل جيبسون من النجوم البارعين، لكن ليست كل خياراته السينمائية جيدة، و«قوة الطبيعة» حديث الظهور سينمائياً والمعروض في صالات الإمارات، يعد اختياراً سيئاً لجيبسون، وفيلماً فاقداً للمنطق ولمعايير الجذب والتشويق التي قد تدفعك لمشاهدته.الملصق و«التريلر» يوحيان لك بأن ميل جيبسون هو البطل الأول ل«قوة الطبيعة»، أو «فورس أوف نيتشر»، تنتظر ظهوره بشغف لتفاجأ بأنهم خدعوك وأن التركيز عليه هو مجرد وسيلة لجذب الجمهور، بينما وجوده الفعلي في الفيلم يشبه حضور أي ضيف شرف؛ والمؤسف أنه لا يقدم أو يؤخر في مجرى الأحداث، ورحيله المبكر لا يترك أثراً نفسياً أو معنوياً؛ بل تكمل القصة مجراها بشكل طبيعي، ولا يذرف الجمهور دمعة على رحيل راي (ميل جيبسون) الشرطي السابق.يختار المخرج مايكل بوليش أن يبدأ فيلمه من منتصف الأحداث، فيقتطع مشهداً من العمل، ويضعه في المقدمة؛ حيث نرى جيبسون ومعه الشرطية جيس بينا (ستيفاني كايو) في مطاردة مع عصابة داخل مبنى سكني، وأثناء عاصفة قوية تضرب بورتوريكو، يحاولان إنقاذ ضابط شرطة زميل لها من بين يدي أحد أفراد العصابة، نسمع إطلاق نار، ليقف المشهد ونعود إلى الوراء ثماني ساعات؛ ومن هنا تكون البداية الفعلية للفيلم.ثلاثة ملايين ونصف المليون أمريكي يعيشون في بورتوريكو المعرضة لعاصفة من الدرجة الخامسة، والمطلوب من الشرطة إخلاء جميع المباني من السكان وإيوائهم في أماكن أكثر أماناً. قبل وصول العاصفة تبدو المدينة هادئة، باستثناء بعض الأحداث المتفرقة؛ حيث نرى سيدة كبيرة في السن تتعرض لملاحقة من رجلين مسلحين، يجبرانها على تسليمهما رسماً لفان جوخ كانت تحتفظ به في خزنة أمانات في أحد المصارف، وتعطيهما عنوان الرجل العجوز مقتني الرسومات واللوحات. جون المعمدان (دايفيد زاياس) هو زعيم العصابة التي تقوم بأعمال سرقة ضخمة من دون أن تتمكن الشرطة من اللحاق بها أو الإمساك بأحد عناصرها، وهو رجل بلا رحمة، لا يتوانى عن قتل السيدة ومعاونه بعد الانتهاء من عملية السرقة هذه. في المقابل نرى الضابط كارديلو (إميل هيرش) يائساً يفكر في الانتحار ثم يتراجع، يرتدي ملابسه ويخرج إلى عمله بلا أي حماس أو رغبة في الإخلاص للعمل، توكل إليه مهمة إخلاء السكان ومعه الشرطية الشابة جيس في أول مهمة لها في هذا المركز، وهي على عكسه تماماً مفعمة بالنشاط والإخلاص والاندفاع لأداء الواجب. يلبيان نداء لحل خلاف في أحد المتاجر؛ حيث نشبت مشادة بين رجلين أحدهما أبيض والثاني أسود يدعى جريفين (ويليام كاتليت)؛ بسبب شراء هذا الأخير كل كمية اللحوم المتوفرة في المتجر ما يعني حرمان الرجل الآخر من شراء لحم الهمبرجر لابنه. يضطر الشرطيان إلى مرافقة جريفين إلى مسكنه؛ لفهم مبرراته لشراء كل تلك الكمية خصوصاً أنه رفض الإفصاح عن السبب الحقيقي.يتركنا الكاتب كوري ميلر نتكهن الأسباب، قبل أن نفهم أن الرجل يقتني حيواناً «أليفاً» في منزله عليه إطعامه كميات كبيرة من الطعام خصوصاً اللحوم. كيف يكون أليفاً ويشكل خطراً كبيراً على الآدميين حتى أنه كاد يلتهم صاحبه؛ بسبب الجوع؟ وكيف يكون أليفاً وهو يحبسه في غرفة محكمة الإغلاق بعدة أغلال؟ هذه بداية اكتشافنا لغياب المنطق عن الفيلم، وبداية رحلتنا مع الأحداث المفبركة والساذجة والقصص اللامنطقية، وال«أكشن» المصطنع الذي لا يقطع الأنفاس على الرغم من محاولات المخرج حصر العمل داخل مبنى واحد؛ حيث يسكن جريفين وتروي (كايت بوسوورث) ووالدها المريض راي (ميل جيبسون) وجارهما العجوز الألماني بول، وحيث يذهب جون وعصابته من أجل سرقة اللوحات الثمينة التي يقتنيها بول.العاصفة تصبح خلفنا؛ بل هي مجرد خلفية تساعد المؤلف والمخرج على حصر الأحداث في مبنى واحد، وإضافة بعض التشويق مع أجواء المطر الشديد. لم يكن منطقياً أن تكون العاصفة من الدرجة الخامسة، وكل ما نراه مجرد أمطار غزيرة تتدفق. ساعة ونصف الساعة مدة الفيلم، مرت من دون أن تصاب المدينة بكارثة طبيعية حقيقية؛ بل هدأت العاصفة ربع ساعة، وسمعنا من جون أنها ستعود أقوى، لكننا لم نشاهدها أو نلمس آثارها؛ بل بقينا مع صراعات الشخصيات ولعبة الكر والفر و«الشرطة والحرامية» والاختباء بين الشقق والسلالم، وتقسيم الشخصيات إلى مجموعات؛ بل إلى ثنائيات كل منها في شقة، وتخرج مداورة إلى الممرات وعلى السلالم.. حتى وصلنا إلى النهاية الأكثر سذاجة وسطحية، داخل غرفة في المستشفى الذي تعمل فيه الطبيبة تروي، وقد تعافى جريفين كما تعافى كارديلو من عقدته النفسية.لا عمق في القصة، كل ما في الأمر، أن راي رجل عنيد رفض مغادرة المبنى، كذلك صديقه بول ما اضطر الشرطيان إلى محاولة إقناعهما، وصادف وصول عصابة جون، ما حوّل الأمر إلى حرب «شرطة وحرامية». قصة تختصرها بكلمات قليلة، بلا رسالة أو هدف. ميل جيبسون استعاد نشاطه كشرطي وحاول القتال، بأداء أكبر من حجم وقيمة العمل، ابنته الطبيبة استخدمت مهاراتها؛ لإنقاذ المصابين من دون أن تتمكن من إنقاذ والدها. إميل هيرش هو البطل الأول للفيلم.ال«أكشن» يفتقد عنصر التشويق، كما تفتقد كتابة ميلر لأسلوب الإقناع المنطقي للمشاهدين؛ حيث يدفعنا لطرح مجموعة تساؤلات نستغرب فيها التعامل مع الجمهور بهذه السطحية، مثل إقحام «التمييز العنصري» من دون أي دوافع حقيقية تجبرنا على التأثر أو التفاعل مع المواقف التي من المفترض أن تكون إنسانية، والتي تتجسد بعنصرية «النازية» البالية، والأزمة المستمرة في أمريكا بين «الأبيض والأسود»؛ حيث جمع الكاتب بين جريفين الأسمر البشرة، ووجود العجوز بول الألماني الذي ورث اللوحات الفنية الثمينة لكبار الرسامين العالميين عن والده «النازي»؛ لكنه لم يرث عنه العنصرية؛ بل يخاف من اكتشاف أمره. كذلك نتساءل عن وجود الحيوان الأليف الذي لم نفهم طبيعته ولا شكله ولم نره فعلياً، والذي تم إقحامه في العمل؛ من أجل إيجاد مخرج وحل للمعركة الدائرة بين الشرطة واللصوص، ثم كيف تمكن جريفين من تدريب هذا الحيوان على الانقضاض على أي شخص يرتدي زي الشرطة فقط؟ كُلفة الإنتاج 23 مليون دولار وعائد الإيرادات نحو 79 ألف دولار فقط! صحيح أن الفيلم ما يزال في أسابيعه الأولى، مع غياب الإقبال الشديد عالمياً على الصالات، لكنه فاشل ليس بمعايير الإيرادات فقط؛ بل بكل المعايير. marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :