عكس انتعاش أسواق المال بعد تخفيف قيود الإغلاق والذي أعقب موجات بيع كبيرة أثارتها أزمة الوباء، هيمنة شركات التكنولوجيا العملاقة إذ جاءت نتائجها عكس توقعات معظم المحللين بأن الركود الاقتصادي سيضع حدا لنهم المستثمرين لشراء الأسهم سريعة النمو رغم أسعارها الباهظة. نيويورك - يتفق المحللون في قطاع التكنولوجيا أن عمالقة وادي السيليكون باتوا الأكثر حظا زمن كورونا بعد أن بدأت آثار أزمة الوباء تظهر بوضوح على أعمالهم ولكن عكس باقي القطاعات التي ضربتها رياح فايروس كورونا. وحفزت التحوّلات السلوكية خلال فترة تفشي كورونا مستوى القطاع إلى حدود عليا لتترك بذلك سوق الأسهم الأوسع يلهث خلفها. وفي ظل الهجمة الكبيرة من المستثمرين يترقب كبار المسؤولين التنفيذيين في عمالقة التكنولوجيا مآل القضايا المرفوعة ضدهم بشأن الاحتكار في السوق، والتي يبدو أنها لن تؤثر على خططهم أو حتى أرباحهم. ورغم أنهم قد تلقوا سيلا من الأخبار السارة خلال العام الماضي بعد أن تجاوزت قيمة تلك الكيانات التريليون دولار، لكنهم اليوم يعلقون الكثير من الآمال على هجمة المستثمرين على أسهم شركاتهم. وباتت مجموعة فاانغ، التي تضم فيسبوك وأمازون ونتفليكس وغوغل، وأضيفت مايكروسوفت وأبل إليها لاحقا، رمزا لاندفاع سوق الأسهم الأميركية التي ظلت تحركها التكنولوجيا في فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية 2008. وسجّل مؤشر ناسداك المركّب الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا مستويات قياسية عند الإغلاق في جلساته الأخيرة، ما انعكس على ثقة المستثمرين بأن الشركات تستفيد من قواعد التزام المنازل التي شكّلت ضربة لقطاعات الطيران والفنادق والمتاجر. ويرى المحلل لدى ويدبوش سكيورتيز دان إيفز، الذي يعتقد أنه لا يزال بإمكان كبرى شركات التكنولوجيا تحقيق مكاسب إضافية بنسبة 30 في المئة هذا العام “هناك رابحون وخاسرون واضحون في السوق حاليا”. ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى إيفز قوله إن “من وجهة نظر الرابحين، هناك ضوء مسلّط بوضوح على أسماء في قطاع التكنولوجيا”. وتعني الارتفاعات الأخيرة أن خمس شركات فقط ضمن مجموعة فاانغ باتت تشكّل أكثر من 20 في المئة من قيمة مؤشر أس.آند.بي 500. وقالت كبيرة الخبراء في استراتيجية السوق لدى برودنشال فاينانشال كوينسي كروسبي إن “شركات التكنولوجيا هي جانب اليقين في فترة الضعف الاقتصادي”. وبحسب محللين، في حين يبدو أن ارتفاع عدد الإصابات بفايروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة شكّل محرّكا للارتفاع الأخير، إلا أن السياسة هي على الأرجح أكبر مصدر قلق لهذه الصناعة. ومن المقرر أن يمثل الرؤساء التنفيذيون لكل من أبل وغوغل وفيسبوك وأمازون أمام كابيتول هيل الاثنين المقبل في جلسة استماع بشأن قضايا مكافحة الاحتكار، ما يثير مخاوف على الأرجح من إمكانية تجاوز مصالح الحكومات إحداث ضجيج سياسي فحسب. وقال إيفز إن “يوم 27 يوليو يوم مهم لرؤية ما إذا سيكون مناسبة سياسية للفت الأنظار أم مجرّد بداية تحرّك أوسع بكثير في ما يتعلّق بتفكيك هذه الشركات”. وتتفق كروسبي بأن السياسة لا تزال عاملا لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ففي حال فاز المرشّح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل، فقد يزيد ذلك من فرص اتّخاذ واشنطن خطوات أكثر تشددا. ويتوقع أن تكون شركات التكنولوجيا الكبرى في وضع جيّد في فترة إعلان الإيرادات المقبلة أي بعد نهاية الربع الثالث من العام الجاري. وبحسب محللي وول ستريت، بينما تراجعت عائدات شركات الطيران والسياحة البحرية بنسبة 90 في المئة أو أكثر خلال فترات من الربع الثاني من العام، يتوقع أن تحقق شركات تكنولوجيا عملاقة على غرار أمازون ونتفليكس مكاسب بنسبة تتجاوز 20 في المئة. وأعلنت نتفليكس الجمعة الماضي أن صافي أرباحها سجل ارتفاعا فاق الضعف في الربع الثاني ليصل إلى نحو 720 مليون دولار وكذلك ازداد رقم أعمالها بنسبة 25 في المئة ليسجل 6.15 مليار دولار، أي أكثر بقليل من المتوقع وهو 6.08 مليار دولار. وجذبت المنصة خلال الربع الثاني 10.1 مليون مشترك جديد في المجموع ليبلغ عددهم منذ بداية العام أكثر من 26 مليون مشترك جديد في خدماتها المدفوعة خصوصا بفضل مضامينها المنوعة المؤلفة من آلاف الساعات من البرمجة، في مرحلة أرغم وباء كوفيد – 19 خلالها الملايين على ملازمة منازلهم.وينوّه المؤسس المشارك لشركة كامبرلاند أدفايزرز ديفيد كوتوك إلى أن ارتفاع مؤشرات ناسداك يعكس كذلك المكاسب التي حققتها شركات التكنولوجيا الحيوية التي تعمل على تطوير لقاحات وعلاجات لكوفيد – 19. وقال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن القطاع بات “صفقة رابحة اليوم. تنفق شركات الرعاية الصحية اليوم وستأتي العائدات غدا”. وأضاف كوتوك “لا أعتقد أنها مجرّد فقاعة”. وبينما يعد نجاح ناسداك المؤشر الأوضح على تحسّن قطاع التكنولوجيا، يعكس مؤشر أس.آند.بي 500 المتنوع كذلك ازدياد أهمية القطاع. ومع تفشي فايروس كورونا، أزال المؤشر شركة هارلي ديفيدسون لتصنيع الدراجات النارية ومتجري نوردستروم ومايسيز واستبدلها بأسماء أقل شهرة على غرار تايلر للتكنولوجيا ومختبرات بيو – راد. ويؤكد كبير المحللين لدى مؤشرات أس.آند.بي داو جونز هاوارد سلفربلات أن وتيرة التغيير قد تتسارع إذا تفاقمت تداعيات أزمة فايروس كورونا المستجد. وقال “على المؤشر في مرحلة ما أن يتفاعل مع السوق والاقتصاد”. وتسيطر مجموعة فاانغ لتكنولوجيا المعلومات حاليا على نحو 28 في المئة من أس.آند.بي 500، مقارنة بنحو 16 في المئة عام 2010. ورفض سلفربلات التعليق على التكهنات بأن تسلا ستدرج قريبا في أس.آند.بي وتشمل شروط إضافة الشركات إلى المؤشر نشر أرباحها على مدى أربعة فصول متتالية، وهو أمر تستوفيه تسلا عندما تعلن نتائجها الأربعاء المقبل. وارتفعت أسهم الشركة المصنّعة للسيارات الكهربائية بشكل كبير مؤخرا، لتتفوق على غيرها من شركات التكنولوجيا، إذ باتت أسهمها تتداول بمستويات أعلى بأربع مرّات عن مستوياتها في منتصف مارس الماضي. ورغم أن شركة إيلون ماسك واجهت صعوبات في البداية في تحقيق أرباح، إلا أن التحسن الذي حققته جعل منها أكبر شركات سيارات في العالم لجهة القيمة السوقية، لتتفوّق بشكل كبير على تويوتا وجنرال موتورز وغيرهما من شركات تصنيع السيارات التقليدية العملاقة التي تتجاوز مبيعاتها بشكل كبير مبيعات تسلا. لكن يعتقد البعض أن التحسّن الذي حققته تسلا خرج عن السيطرة، من بينهم محللون لدى جي.بي مورغان تشيس، الذين أشاروا إلى “تقديرات قيمة ترافقها توقعات كبيرة من المستثمرين ومخاطر تنفيذ عالية”.
مشاركة :