شاشات: موائد عامرة وتجارة أعضاء بشرية

  • 7/15/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

* أعتقد أنني كنت جادا أكثر مما يجب خلال حلقات هذا المسلسل التراجيدي الماثل أمامكم. كان علي أن أضحك، كما يقول أحد الزملاء وهو يقرأ نقدي عن «المسلسلات الفاشلة التي تستحق الفشل». كتب: «كلنا نضحك على من يعتقد أنه يضحك علينا ونتركه يعتقد أنه فعل».. وخلص إلى أنه: «عليك أن تفعل ذلك». في واحد من أفلام الكوميدي الرائع بَستر كيتون، الذي عرف في السينما الصامتة بأنه كان يُضحك الجميع بوجه من «حجر» ومن دون أن يضحك هو مطلقا، نراه في مدينة رعاة بقر يلعب الورق ويربح. يرفع أحد اللاعبين مسدّسه إلى وجه كيتون. الحوار المكتوب على الشاشة (كون الفيلم صامتا) يقول: «اضحك عندما تربح». لقطة إلى وجه كيتون وقد ثبّت عينيه على المسدس، ثم ردّه هو مكتوبا: «لا أعرف كيف». * هناك ما يضحك فعلا، لا في بعض المسلسلات فقط، بل في بعض ما يُكتب عنها أيضا. الشغل الشاغل لمعظم الذين يتناولون مسلسلات رمضان هو البحث عن عنوان أو قضية أو طرح ما. يجدونه. يبنون عليه الموضوع. ينتهي الأمر. المسلسلات لا تتقدّم هكذا، والمستويات لا ترتفع عبر مثل هذا النوع من النقد الذي يتناول المضمون من دون الحديث عن المعالجات الفنية للدراما الماثلة. من لاحظ مثلا كيف تحاول بعض المسلسلات استغلال الأماكن التي يتم التصوير فيها، خصوصا إذا ما كانت قصورا أو منازل فخمة، مرارا وتكرارا؟ لا تكفي مرّة ومرّتين، بل في كل مرّة تفتح الكاميرا على مشهد في ذلك المنزل الكبير، عليها أن تنزوي بعيدا لكي تُظهر المكان ومساحته وديكوراته. تلاؤم اللقطة مع مضمون المشهد هو آخر هم صانعي المسلسلات. * وهل كتب أحد عن تلك الولائم التي تعرض في المسلسلات؟ تركت قبل يومين مسلسلا نرى فيه البطل يأكل مع عائلته (المفترض أنها ذات دخل محدود) ما هب ودب من اللحوم الحمراء والبيضاء، وانتقلت إلى مسلسل آخر فاتحني بمشهد طاولة مليئة بصحون من الدجاج المسكين الذي استعين به لكي يظهر لثلاث دقائق ويمضي. * أحيانا مشاهد الطعام تحمل دلالات. ها هو أحمد بدير يحاول كسب رضا وإعجاب زوّاره في «أستاذ ورئيس قسم» بسرد حكاية يقول إنها جمعته مع رئيس الجمهورية: «امتنعت عن الأكل يومين بحالهم»، وفوجئ في النهاية بأن وليمة السيد الرئيس تخلو من اللحوم. هذا للتدليل على هم الشخصية التي يؤديها أحمد بدير وكيف أن هذا الهم يسكن معدته. لكن ما إن يمر هذا المشهد حتى نراه في مشهد لاحق يأكل اللحم بأصابع يديه العشرة. إذا لم يكن وصلك المفاد أول مرّة فلديك فرصة أخرى. * بعيدا عن الطعام هناك مسلسلات جيّدة. وأحدها دخل مؤخرا الحوار الدائر حول محاولة بعض المسلسلات العربية تقديم صورة طيّبة عن اليهود، حسب الوصف الأكثر شيوعا. المقصود بالطبع هو مسلسل «حارة اليهود» الذي، وقد ذكرت ذلك سابقا، لم يهتد بعد - ورمضان يقترب من نهايته - إلى مفاد واضح، لا في المسألة اليهودية فقط، بل في كل المسائل الأخرى. يضع نفسه على مسافة واحدة من عدّة مواقف سياسية واجتماعية، وما إن يميل إلى هذا الجانب حتى يسارع ليميل إلى الجانب الآخر. * المسلسل الجيّد الذي يدخل الحوار حديثا من هذه الزاوية تحديدا هو «ذهاب وعودة»، الذي يكتشف فيه بطله خالد (الجيد أحمد السقا) أن ابنه المخطوف أصبح في إسرائيل. لقد خطفته عصابة تتاجر بالأعضاء البشرية ونقلته إلى هناك. ليس أمام خالد سوى أن يلحق بابنه لإنقاذه. قطع على مشاهد للطبيب الذي سيجري العملية وهو يمانع إجراءها بعدما قامت الممرضة ذات القلب الأبيض بحقن الصبي بمصل لكي ترتفع درجة حرارته. العصابة تضغط على الطبيب لإجراء عملية استئصال الكبد أو سواه، لأنها تريد إنجاز المهمّة وإتمام العملية، لكن الطبيب يرفض. * يستند الكاتب عصام يوسف إلى تقارير صحافية عالمية ذكرت أن هناك عصابات إسرائيلية تتاجر بأعضاء البشر. لكن، دراميا، سار المسلسل في كل الاتجاهات الممكنة، من قبل أن يكتشف، قبل أربع حلقات من نهايته، أن الخاطفين إسرائيليون. اللعبة ذكية. والحلقات مشحونة بالتوتر الدائم، لكن بعض المشاهد مكتوبة بسرعة. مثلا عندما يقع هذا الاكتشاف يعرض صديق خالد أن يسافر معه، ثم يتقدّم منه آخر بالطلب نفسه، وها هي زوجته تصر على مواكبته. هذا مقبول، لكن الموقف نفسه حدث في إحدى الحلقات السابقة عندما قرر خالد أن يسافر إلى قبرص معتقدا أن ابنه هناك. الأشخاص أنفسهم عرضوا عليه مصاحبته، وهو أصر على الرفض. الحوار ذاته يكاد يتكرر كاملا. هذه كانت غلطة الشاطر بلا ريب. * وإذ يقترب الشهر الكريم من نهايته، تتوق المواقع الإعلامية لمعرفة من هو المسلسل الذي شهد أعلى قدر من الإقبال. «ما في حدا بيقول عن زيتو عكر» (أي لا يوجد من يصف زيته بأنه غير صاف). كل محطة تلفزيونية، تقريبا، ستؤكد أن مسلسلها جاء الأول في إحصائية ما. ستتعدد الإحصائيات. ستتكاثر التبريرات. وسيبدو أن كل تلك المسلسلات الكبيرة والتي تناولنا معظمها هنا، سجلت الأرقام العليا. لكن لماذا ينتاب البعض منا أن المسلسل الناجح خسر والمسلسل الخاسر ربح؟ الأول خسر من حيث إنه عزز من المنوال المتداول ذاته من دون تقدّم فني أو إنتاجي أو حتى درامي كبير، والثاني ربح من حيث إنه كان يدرك أنه لن يفوز في سباق رمضان، لكنه حاول وصدقت توقعاته. على الأقل لم يكن عليه أن يجهد ليثبت عكس ذلك. * هذا يشمل العديد من المسلسلات، وليس جميعها، و«ذهاب وعودة» و«غدا نلتقي» و«بعد البداية» استفادت أولا من أنها لم تعمد إلى إلقاء قنابل صوتية مسبقة على غرار ما فعلت مسلسلات أخرى مثل «باب الحارة 7» الذي يستعيد من ماضيه، و«أستاذ ورئيس قسم» الذي يدعي النقد السياسي، أو المسلسلين اللذين تنافسا في ما بينهما على من ينقل فيلم «العراب» أفضل من الآخر. النتيجة واحد - واحد.

مشاركة :