في حوار مع “العرب” دعا الفيلسوف التونسي، يوسف الصدّيق، راشد الغنوشي رئيس البرلمان إلى الانسحاب من المشهد وفسح المجال للشباب وذلك رفقا بعجزه وبتونس، مؤكدا أن تحركات الغنوشي أهانت تونس، وتدفع نحو تفكيك دولتها الوطنية. ونوّه الصدّيق بأن الموروث الإسلامي يتهاوى لما يقدمه من تناقضات. تونس – في خضم أزمة سياسية تعصف ببلاده دعا الفيلسوف والمفكر التونسي، يوسف الصدّيق رئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى التنحي رفقا “بعجزه” وبتونس معتبرا مجددا أن الغنوشي الذي يدور حوله صراع كبير داخل مجلس النواب لا يؤمن بالوطن. وأضاف الصدّيق في حوار مطول له مع “العرب” أن الموروث الديني في العالم العربي، على غرار المصحف وصحيح البخاري، يتهاوى يوميا بسبب تناقضاته، مشيرا إلى أن بلاده تشهد تضييقا متفاقما على الحريات الفردية وذلك في تعليق له على الحكم الصادر ضد مدوّنة تونسية بسبب محاكاتها للقرآن. ويُعد الصدّيق أحد أبرز المفكرين العرب في القرن الواحد والعشرين، ومن أبرز مؤلفاته ’’هل قرأنا القرآن أم على قلوبهم أقفال؟’’ و’’الآخر والآخرون في القرآن’’، بالإضافة إلى العديد من الترجمات من بينها ترجمة المصحف إلى اللغة الفرنسية وغيرها. الغنوشي وفوضى البرلمان تعيش تونس على وقع أزمة سياسية حادة مع استمرار تعطل أشغال البرلمان وسط دعوات وتحركات تستهدف إسقاط رئيسه الذي يتزعم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي. وعند سؤاله عن قراءته للأحداث المتسارعة في البرلمان قال يوسف الصدّيق ’’أدعو راشد الغنوشي إلى الانسحاب من المشهد نهائيا رفقا بعجزه وبتونس وبحركته (النهضة).. هناك شباب في النهضة لعله قادر على تسيير الحركة وتولي مهام في الدولة على غرار لطفي زيتون أو عبداللطيف المكي أو عبدالحميد الجلاصي.. الغنوشي قاصر إداريا وثقافيا، وهذا ليس تجنيا فقد درست رفقة الغنوشي في وقت ما وأعرفه.. يمكن أنه اطلع على حسن البنا وتفكيره، ولا شك في ذلك، ولكن لم يطلع على التجارب الأدبية العميقة القادرة على تكوين سياسيين ناجعين’’. ويشرح الصدّيق ’’أنا قلتها وسأكررها للمرة الألف: الغنوشي لا يؤمن بالوطن وهذا يتبيّنه أي شخص بسيط من خلال تحركاته واتصالاته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغيره.. لكن منذ قدومه إلى تونس في 2011 قلت إن البلاد ستدخل في نفق مظلم’’. وكانت كتل برلمانية قد دفعت بلائحة لسحب الثقة من الغنوشي بتهمة الإخلال بنظام المجلس النيابي الداخلي ما تسبب في حالة من الفوضى داخل البرلمان قد عطلت أشغاله بالكامل وأرغمت الرئيس قيس سعيّد على الدخول على الخط محذرا من حل مجلس النواب. ويرهن المفكر التونسي نهاية الأزمة السياسية العميقة بتغيير دستور الجمهورية الثانية الذي تمت المصادقة عليه في 2014. ويقول ’’لقد تم الترويج له بتفاؤل مبالغ فيه على أنه أفضل دستور في العالم.. وعند المصادقة عليه ظنوا أن هذه ثمار الثورة الأولى.. وقتها أصدرت كتاب “الثورة المنقوصة” وقدمت نقدا لهذا الدستور في صفحات على أنه أولا، أُتقن صنعه بما يسميه القرآن بالمتشابه، يعني تستطيع أن تأخذ أي فصل من الدستور وتؤوّله كما تشاء’’. ويضيف الصدّيق ’’هو دستور ثرثار متشابه ودخلت به كل الحكومات وأنجزت باسمه جميع المتناقضات وهو ما أدى بنا في نهاية المطاف إلى ما نعيشه اليوم من أزمات’’. ويعتبر أن ما تشهده البلاد في الظرف الراهن يعتبر أمرا عاديا ’’فعقب كل ثورة تكون هناك بعض الفوضى، وعنصر الحسم يكمن في الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي.. الثورة الفرنسية نجحت بعد 100 سنة وذلك بعد أن تم الفصل بين الديني والسياسي’’. يوسف الصدّيق يعتبر أن مخططات تفكيك الدولة التونسية تبدو ظاهرة في اتصالات الغنوشي الخارجية وإهانة تونس في بعض الأحيان، مستشهدا باستبعاد الراية التونسية عند استقباله من قبل الرئيس التركي في وقت سابق ويستشهد الصدّيق في حديثه بالفصلين الأول والثاني للدستور واللذين يبرزان تناقضا تاما ليس في طبيعة الدولة التونسية ولكن في نظام الحكم قائلا ’’يجب أن نوضح طبيعة الحكم في تونس: حكمها مدني أو عسكري أو غيره وذلك لا يعني تحديد ما إذا كانت تونس دولة مدنية’’. ويضيف أن ’’الحل يتمثل في إلغاء مضمون الفصل الأول والتنصيص على أن الجمهورية لها حكم مدني فقط دون الحديث عن الدين الإسلامي فالإسلام في تونس معطى وجودي’’. كما ينادي يوسف الصدّيق بتغيير القانون الانتخابي في تونس، وهو مطلب يتفق فيه مع العديد من الفاعلين السياسيين، قائلا ’’ما معنى أن ينجح مرشح لغياب الناخبين أو منافسيه بـ200 صوت ويصبح نائبا أو فاعلا رئيسيا’’. من جهة أخرى، تتمثل الأزمة السياسية في تونس في استقطاب ثنائي بين الحزب الدستوري الحر (من أنصار نظام الرئيس زين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة 2011) وتتزعمه عبير موسي وحركة النهضة. في هذا السياق يقول الصدّيق ’’شخصيا ما زلت أعتبر أن عبير موسي الوحيدة القادرة على بناء خطاب سياسي واضح في تونس ولكن لا يمكن أن أكون معها تماما ما لم تراجع ماضي الحزب الذي تنتمي إليه لأننا سنسقط في نفس أخطاء الماضي’’ في إشارة إلى فترة حكم بن علي الذي كانت تسانده موسي. وأضاف ’’تحدثت مع موسي مرتين بطلب منها وأبلغتها بأنه لا يمكن أن أكون معها ما لم تقم بنقد ذاتي بناء للفترة التي ساندتها والتي كانت المرحلة الكارثة التي ترأس فيها بن علي الدولة طيلة 23 عام’’. لكن، الصدّيق يعتبر أن هناك نوعين من الخطاب السياسي في تونس: خطاب جامد وخطاب واضح، الأول يمثله الغالبية الساحقة من الفاعلين السياسيين والثاني تمثله موسي فقط. وعن حديثه عن المخاوف من تفكيك الدولة الوطنية التونسية يقول الصدّيق ’’مخططات تفكيك الدولة تبدو ظاهرة في اتصالات الغنوشي الخارجية و بإهانة تونس في بعض الأحيان.. تابعتم كلكم كيف تم استبعاد الراية التونسية عند استقباله من قبل الرئيس التركي.. كان من المفترض أن يحتج على ذلك.. الرأي العام لن يغفر له ذلك’’. مخاطر محدقة بالحريات قبل أيام، اصدر القضاء التونسي حكما على آمنة الشرقي، وهي مدونة شابة، يقضي بالسجن لمدة 6 أشهر وخطية مالية وذلك بتهمة التحريض ونشر الكراهية، على خلفية نشر الشرقي لسورة أطلقت عليها “سورة كوفيد – 19”. في تعليقه على الحكم يقول يوسف الصدّيق ’’هذا القرار عبث بالبلد.. الكل يعرف أن هناك نصّا يحاول تقليد سورة التكوير مثلا واستدلّ به قيس سعيّد في كلمة له: إذا الدساتير سئلت بأي حبر كتبت..’’. ويضيف أن ’’المتنبي مثلا والمعري قلدا القرآن.. والأهم هو أن الله دعانا إلى أن نحاكي القرآن بالقول ‘فليأتوا بآية من مثله’.. أين تكون آمنة مخطئة إذن.. في اعتقادي عندما تأتي بنص وتقول إنه أفضل من القرآن عندها يكون هناك خطأ’’. ومع هذا الحكم يتجدد الجدل في تونس حول واقع الحريات فردية كانت أو عامة خاصة وأن السلطات دفعت في وقت سابق بمشروع قانون للحريات الفردية والمساواة التامة بين الجنسين. في هذا الصدد يقول الصدّيق ’’لا يوجد ما هو أهش من الحريات والديمقراطية.. إذا تركنا محاكمة الشرقي وغيرها من الشبان تمرّ هكذا فإن كل المكتسبات من 2011 إلى الآن تصبح في خطر’’. وفي حديثه عن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة حمل يوسف الصدّيق مسؤولية فشله لأعضاء اللجنة قائلا ’’عندما تكون عاجزا عن القيام بمهمة ما، لا تقبل بها’’. وأضاف ’’هناك جهل ببعض المعطيات أيضا في مخرجات عمل هذه اللجنة وأبلغتهم بهذا.. لا يمكن أن تخير التونسي في مسألة المساواة في الإرث مثلا.. فإما أن تكون هناك مساواة وحتى أن يمنح الرجل ما هو أكثر لشقيقته في هذا الإطار وهو ليس بمحرم دينيا أو أن تبقى الأمور على حالها أي أن تكون أحكام الميراث حسبما ينص عليه القرآن’’. وعُرف يوسف الصدّيق، عالم الأنثروبولوجيا، بانتقاداته اللاذعة للتعاطي العربي والإسلامي مع الموروث الديني من قرآن وأحاديث نبوية وغيرهما دون القيام بأيّ مراجعات لهذا الموروث. وفي حديثه لـ”العرب” يقول الصدّيق ’’لم يقرأ لا التونسيون ولا غيرهم القرآن لأنه جاء ظرف خطير في تاريخ هذا الدين لم يتم التطرق إليه حتى الآن.. ولم نقدر على استكشاف خطورة هذا الظرف وهي مرحلة تدوين القرآن.. يُقال إن عثمان برئاسة زيد بن ثابت قام بجمع الآيات في مصحف ولكن لا نعرف عن ذلك شيئا.. ومع ذلك نقبله’’. وأضاف ’’بعد ذلك بقي العالم الإسلامي قرنا كاملا إلى حدود قيام الدولة العباسية (الدولة الأموية) لم يصدر أي وثيقة له ولا أي عمل أدبي أو علمي أو غيره.. إذن نحن ليس لدينا تاريخ بل لدينا بؤرة تتمثل في تلك الفترة التي دامت قرنا تقريبا (662 – 750م)’’. ويُطالب يوسف الصدّيق بأن يفتح المسلمون ملف تاريخ ’’هذه البؤرة’’ التي لم ’’يأتنا منها غير النص القرآني’’ منوها بأن ’’الدولة العباسية أيضا جاءت مخلوطة بالعنصر الفارسي بأبومسلم الخراساني صاحب الانقلاب فازدهر التدوين وجاء البخاري ومسلم وسيرة ابن هشام والأشياء المؤسسة بعد انقطاع كبير للتدوين والمعرفة’’. وبلهجة استنكارية يستغرب الصدّيق استغناء المسلمين عن تاريخ 100 سنة تقريبا دون أن يقوم هؤلاء بدراسة معمقة لها قائلا ’’لو كنت رئيسا مثلا أو ملكا لا يمكن أن أبت في قضايا الشيعة والسنة أو هذا حنبلي أو أشعري لأنه ببساطة ليس لدينا أيّ معطيات ووثائق عن تلك الفترة’’. يوسف الصديق يرهن نهاية الأزمة السياسية في بلاده بتغيير دستور الجمهورية الثانية المُصادق عليه في 2014 ولدى إجابته عن التوجس الذي تثيره تصريحاته وغيره بشأن الموروث الديني يقول الصدّيق ’’إنها رقصة الديك المذبوح، هم يستسهلون شتم المستشرقين واتهامهم بالتآمر على الإسلام وغير ذلك، ولكن الآن أصبح أبناؤنا في برلين وباريس وحتى تونس وغيرها من العواصم العربية قادرين على الاقتناع بدراسات جاكلين الشابي وغيرها’’. ويعتبر الصدّيق أن هذا الموروث مليء بالتناقضات متسائلا ’’كيف يمكن أن تدرسني من ناحية أن الرسول في سورة الإسراء والفرقان يتسوق ويأكل الطعام مثلنا، ومن ناحية أخرى تتحدث نفس السورة عن تحديه بأن يكون له بيت من زخرف.. نحن نستطيع أن يكون لنا بيت من زخرف فما بالك بالنبي وهو في النهاية قال لهم: ‘سبحان ربي’ أي ‘لا أستطيع، ما أنا إلا بشرا رسولا’’’. ويُضيف ’’نفس المراجع تُخبرنا بأنه (الرسول) كان ينبع الماء من أصابعه ليشرب الصحابة.. 15 ألف صحابي شربوا من أصابعه؟’’. ويختم المفكر التونسي حديثه بالتأكيد على أن الموروث الإسلامي يتهاوى مستشهدا بـ’’مضامين صحيح البخاري التي تقول إن القرآن أسس لحرية المعتقد وغيره.. ماذا يعني إذن هذا الحديث: أُمرت أن أقاتل الناس حتى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله.. وهذه حجج الإرهابيين لقتل الناس اليوم.. نحن ناس نسعى إلى أن يسلم الجميع ولو بالقوة’’.
مشاركة :