الحكومة والمحكمة الدستورية ترسمان خطوط المواجهة بين قيس سعيد والغنوشي | صغير الحيدري | صحيفة العرب

  • 9/6/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حالة من الترقب تشهدها تونس بعد أن باتت المواجهة بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة الإسلامية مفتوحة لاسيما بعد خطاب سعيد الأخير وهو ما يشكل مدعاة للتساؤل عن خطوط المواجهة بين الطرفين خاصة في ملف المحكمة الدستورية التي تختص في النظر في قانونية بعض المشاريع وكذلك في تمشي حكومة هشام المشيشي في المرحلة المقبلة. تونس – فتحت جلسة منح الثقة لرئيس الحكومة التونسية الجديدة، هشام المشيشي، فصلا جديدا من فصول الصراع بين حركة النهضة الإسلامية وحلفائها مع قيس سعيد بعد جلسة بدت وكأنها محاكمة للرئيس التونسي خاصة وقد بثت مباشرة على التلفزيون. والمؤكد أن ما قبل الفاتح من سبتمبر ليس كما بعده خاصة أن الرئيس رد على جلسة منح الثقة للمشيشي بطريقة بدت متشنجة لكنها واضحة حيث أكد أن هناك من يستهدفه في شخصه من برلمانيين وجهات سياسية لم يسمّها. ويدفع المشهد السياسي الجديد في تونس، وهو بصدد التشكل، إلى التساؤل عن حدود المواجهة بين الرئيس وخصومه الذين هم من الإسلاميين أو من يتوددون إليهم على غرار حزب “قلب تونس” أو “ائتلاف الكرامة” الشعبوي. ويرى مراقبون أن الحكومة تبقى كلمة السر في معركة الرئيس والبرلمان من ناحية والرئيس وحركة النهضة من ناحية أخرى، كما أن للمحكمة الدستورية دورا آخر ستسعى من خلاله الحركة الإسلامية لتكبيل قيس سعيد وتطويق تحركاته ولم لا حتى استغلالها في حال ذهبت المواجهة للأقصى للإطاحة به وعزله. فصل جديد من المواجهة ’’البرلمان مصدر السلطة وهو القادر على منح الثقة أو سحبها‘‘ بهذه الكلمات دشن رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي فصلا جديدا من فصول المواجهة مع الرئيس سعيد الذي كانت له رغبة جامحة في إبعاد الأحزاب عن الحكومة الجديدة. طيلة فترة تشكيل حكومة هشام المشيشي نجح إسلاميو تونس والقريبون منهم في الانحناء أمام العاصفة بعد تصريح رئيس الحكومة بأنه سيشكل حكومة كفاءات مستقلة تستثني الأحزاب وهو ما يعني أن الرجل بات يأتمر بأوامر الرئيس. لكن هذا الطرح سرعان ما تم تقويضه من خلال محاولة حركة النهضة الإسلامية استمالة المشيشي، وبدت هذه المحاولة ناجحة إلى حدّ ما حيث تمّت إثارة الرئيس سعيد الذي تكلم بغضب كبير عند أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية وحديث حلفاء النهضة عن تغييرات مرتقبة في الفريق الحكومي. وفي وقت سابق، قال عياض اللومي، وهو برلماني عن حزب “قلب تونس” (ليبرالي، 27 نائبا) إن حزبه لن يقبل أن يكون هشام المشيشي وزيرا أول، في إشارة إلى محاولة قيس سعيد تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، مضيفا أن قلب تونس سيطالب بتغيير الوزراء الذين تم فرضهم من قبل رئيس الجمهورية. أحمد نجيب الشابي: الصراع بين النهضة وسعيد مدمر والتونسيين غرباء عنه أحمد نجيب الشابي: الصراع بين النهضة وسعيد مدمر والتونسيين غرباء عنه وأوضح اللومي أنه إذا لم يجر هشام المشيشي تعديلا وزاريا فإن حزب “قلب تونس” سيصدر لائحة لوم ضد الوزراء المعنيين. وتخشى الدوائر المقربة من الرئيس قيس سعيد أن يكرر المشيشي نفس سيناريو رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد عندما تمرد على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وبالفعل تضغط النهضة والأحزاب المتحالفة معها نحو هذا السيناريو لكي تستعيد زمام المبادرة أمام الرئيس وكذلك تضمن تمثيلية في حكومة أرادها سعيد والمشيشي حكومة كفاءات مستقلة. وتوالت المطالبات للمشيشي بالتعاون مع الأحزاب لتفادي مصير سلفه إلياس الفخفاخ الذي اختار التصعيد مع حركة النهضة عندما طالبته بتوسيع الائتلاف الحكومي فانتهى به ذلك إلى تقديم استقالته قبل أن يتم حجب الثقة عنه في البرلمان. وفي هذه الصدد، نفى خليل البرعومي، المكلف بالإعلام بمجلس شورى حركة النهضة، أن تكون هناك تحركات حالية من أجل تغيير بعض الوزراء. وقال البرعومي في تصريح لـ”العرب” إن “التعديلات الوزارية في حد ذاتها ليست هدفا، رئيس الحكومة هو المعني بذلك والبرلمان كذلك.. من صلاحيات البرلمان القيام بلوائح لوم ضد وزراء أو حتى ضد الحكومة.. لكن أعتقد أنه من المبكر الحديث عن ذلك”. ولم تستعبد دوائر سياسية في تونس أن يكون المشيشي قد عقد تفاهمات مع حركة النهضة وحلفائها من أجل ضمان تمرير حكومته التي حصلت على 134 صوتا في جلسة الثلاثاء الماضي. وفي تصريح لـ”العرب” قال أحمد نجيب الشابي رئيس الحركة الوطنية “الواضح أن التقلب الذي شهده مسار تشكيل حكومة المشيشي أضعف رئيس الجمهورية وجعل النهضة تستعيد أنفاسها”. ويضيف الشابي “ما ننتظره من المشيشي أن يحافظ على استقلاليته وأن يجمع المجتمع المدني والأحزاب في مؤتمر من أجل الاتفاق على خارطة طريق اقتصادية واجتماعية بدرجة أولى”. وبموازاة ذلك، شمل الحديث عن أبعاد الصراع بين الرئيس قيس سعيد والنهضة وحلفائها المحكمة الدستورية التي أخفقت الطبقة السياسية في إرسائها منذ سنوات ما جعل هذا الهيكل يدخل في حسابات الأحزاب المتنافسة. محكمة لتكبيل الرئيس النهضة تسعى لتسريع وتيرة تركيز المحكمة الدستورية لتطويق تحركات قيس سعيد ومنع تأويله للدستور ولم لا، في حال ذهب الصراع إلى أقصاه، إلى عزل الرئيس النهضة تسعى لتسريع وتيرة تركيز المحكمة الدستورية لتطويق تحركات قيس سعيد ومنع تأويله للدستور ولم لا، في حال ذهب الصراع إلى أقصاه، إلى عزل الرئيس في جلسة منح الثقة لحكومة هشام المشيشي خرج رئيس حزب “قلب تونس” المتحالف مع النهضة بتصريح مثير بعد هجماته المتتالية على قيس سعيد ليفصح، ولأول مرة، عن إمكانية عزل الرئيس وهي عملية لا تتم إلا بعد تركيز المحكمة الدستورية وفقا لخبراء. وقال نبيل القروي “سحب الثقة من رئيس الجمهورية أمر وارد”، وإنّ “هذا الأمر فرضية دستورية”. وأضاف “نحن نريد رئيسا يملأ مكانه ونريد أن نرى فريقا متكاملا من المستشارين في رئاسة الجمهورية”. وفي تعليقه على تصريحات القروي يقول القيادي والنائب عن حركة الشعب هيكل المكي “من المؤسف أن نبيل القروي يتحدث بهذه الطريقة عن قيس سعيد رمز الطهورية والوطنية” مضيفا “واهم من يدّعي أن قيس سعيد يعيش عزلة.. هناك التفاف شعبي كبير حوله لا تملكه الأحزاب مجتمعة”. ويوضح المكي في تصريح لـ”العرب” أن “صراع قيس سعيد مع النهضة ليس صراعا شخصيا بل هو صراع بين مشروع وطني واجتماعي حقيقي ومشروع ليبرالي لبس ثوب الدين، وبين مشروع تقدمي حقيقي للخط الوطني والذي يمثله سعيد وحركة الشعب وغيرها من الأحزاب وخط آخر غريب ويخدم أجندة دولية”، في إشارة إلى النهضة. وفي رده على الحديث عن وجود صراع علني لقيس سعيد مع حزبه نفى خليل البرعومي، المكلف بالإعلام في مجلس شورى النهضة ذلك. وقال البرعومي لـ”العرب” إن “النهضة دعت للتصويت لسعيد وهو شخص نزيه ووطني لكن خطاباته هي التي تطرح أسئلة.. إذا كانت لديه ملفات ضد النهضة له الحق في كشفها للرأي العام أو تحويلها إلى القضاء.. المشكل في خطابات سعيد، خطابه الأخير مثلا مخيف وفيه الكثير من الغموض ولا يطمئن المستثمرين والطبقة السياسية”. ومع تطور الأحداث وتسارعها، دخلت المحكمة الدستورية على الخط حيث تعتبر هذه المحكمة، وفقا للدستور التونسي في فصله الـ120، الجهة الوحيدة المخوّل لها مراقبة دستورية مشاريع القوانين المعروضة عليها من قبل الرئيس أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب، ومشاريع القوانين الدستورية التي يعرضها رئيس مجلس نواب الشعب، إلى جانب المعاهدات التي يعرضها رئيس الجمهورية وغيرها من المشاريع. ويرى مراقبون أن النهضة تسعى إلى تسريع وتيرة تركيز هذه المحكمة من أجل تطويق تحركات قيس سعيد ومنع تأويله للدستور ولمَ لا في حال ذهب الصراع إلى أقصاه إلى عزل الرئيس. وفي تصريح لـ”العرب” يقول المكلف بالإعلام في مجلس شورى النهضة “هدفنا الآن إرساء محكمة دستورية مهما كان شكلها ومهما كانت الأسماء التي فيها.. نريد تركيز مثل هذه المؤسسات التي تمتّن الانتقال الديمقراطي وتحميه”. وأمام الرغبة الجامحة في تركيز هذه المحكمة، ستسعى النهضة إلى تنقيح القانون المتعلق بعدد الأصوات التي ينبغي توفيرها من أجل انتخاب أعضاء المحكمة والبالغ 145 صوتا. وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي في وقت سابق إنه بالإمكان تخفيض عدد الأصوات من أجل انتخاب أعضاء المحكمة. وفي هذا السياق، يقول خليل البرعومي “نحن ساعون لتركيز المحكمة سواء بالقوانين الحالية أو بعد تنقيحها”. وعلى صعيد آخر، تتعزز المخاوف من هيمنة النهضة أو غيرها من الأطراف على هذه المحكمة التي ستكون الفيصل في المعارك السياسية. ويقول أحمد نجيب الشابي “ليست هناك أيّ إرادة سياسية لإرساء هذه المحكمة التي تلعب دورا كبيرا في التعديل. هذه المحكمة اصبحت حلقة من حلقات الصراع. حركة النهضة حريصة مع حلفائها أو ما بات يسمى بكتلة الـ120 صوتا (النهضة، قلب تونس وائتلاف الكرامة ومستقلون) من أجل إرساء المحكمة وتنقيح قانون المحكمة والنزول بعدد الأصوات وذلك لإضعاف الرئيس ومنعه من تأويل الدستور كما يشاء ولمَ لا المضي في عزله في حال تسجيل خرق جسيم للدستور”. حوار وطني جاهز للمواجهة جاهز للمواجهة في مواجهة هذه الأزمة الحادة التي باتت تشهدها تونس في ظل مشهد محتقن بين الرئيس قيس سعيد والنهضة والبرلمان تُطرح من جديد فرضية الذهاب نحو حوار وطني جامع يعيد النظر في مشكلات عالقة على غرار النظام السياسي والدستور والتوصل إلى هدنة اجتماعية كذلك تعبد الطريق أمام الحكومة للعمل. وفي هذا الصدد، دعا محسن مرزوق رئيس حركة “مشروع تونس” إلى تغييرات تنهي ما وصف بـ”الاستعمار الداخلي”. وقال مرزوق في تصريحات لإذاعة محلية “من أهم هذه التغييرات التي ستنهي الاستعمار الداخلي تغيير النظام السياسي وتغيير النظام الانتخابي وتغيير البيروقراطية من أجل ضرب الفساد”. ولا يعدّ مرزوق الوحيد الذي يطالب بضرورة الذهاب في مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية تنتهي بعقد اجتماعي وسياسي تكون من ضمن أولوياته إرساء هدنة سياسية وتغيير النظام السياسي والانتخابي. ويقول أحمد نجيب الشابي لـ “العرب” إن “الصراع بين قيس سعيد والنهضة هو صراع نفوذ وهو صراع مدمر.. التونسيون غرباء على هذا الصراع”. ويرهن الشابي حلحلة الأزمة السياسية في بلاده بالعمل على خارطة طريق ذات بعد سياسي من أجل إصلاح نظام الحكم والقانون الانتخابي، وهي مطالب نادى بها كذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، أعرق منظمة نقابية في تونس.

مشاركة :