آمال موسى لـ"العرب": الإسلاميون يزايدون ببورقيبة والحداثيون يضغطون به أيديولوجيا | صغير الحيدري | صحيفة العرب

  • 10/15/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يثير حضور الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، في الساحة السياسية جدلا واسعا رغم مرور عقود على رحيله حيث احتدم التنافس على توظيف اسم بورقيبة وإرثه للتموقع السياسي. وفي هذا الصدد تؤكد الباحثة والشاعرة آمال موسى في حوار مع “العرب” أن الإسلاميين يستشهدون ببورقيبة من باب المزايدة بينما يضغط الحداثيون أيديولوجيا. تونس - بالرغم من مرور أكثر من 20 سنة على رحيله، لا يزال الزعيم التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، حاضرا وبقوة على الساحة السياسية والمشهد العام في البلاد حيث تتبنى العديد من الأحزاب سياساته وتدعو إلى مواصلة البناء عما حققه الرجل الذي قاد البلاد بعد فترة الاستقلال عن فرنسا عام 1956. وإلى أمد غير بعيد، كان خصوم بورقيبة من الإسلاميين يمقتون أفكار الرجل ويتهمونه بـ”اللائكية” إثر الإصلاحات الجذرية التي اتخذها في مجالي حرية المرأة وتحجيم نفوذ رجال الدين (مشائخ الزيتونة) وغيرها من الإجراءات التي لا تخلو من جرأة في مجتمع إسلامي. وبالرغم من الصراعات التي خاضها الإسلاميون مع بورقيبة، التي وصلت حد التلميح لكفر بورقيبة على لسان زعيمهم التاريخي راشد الغنوشي، فإن هؤلاء يعودون اليوم للاستشهاد بما قدمه بورقيبة لتونس ما يشكل مدعاة للتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء عودة “المجاهد الأكبر” إلى الساحة السياسية بعد عقود على رحيله. وفي هذا الصدد أكدت الباحثة آمال موسى في حوار مع “العرب” أن استحضار إنجازات بورقيبة والدولة الوطنية من قبل الإسلاميين يدخل في باب المزايدة لسحب البساط من تحت قدمي خصومهم الذين يحملون لواء الدفاع عن الدولة المدنية والوطنية. وأضافت موسى وهي شاعرة وباحثة وأستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع وتدرس في جامعة منوبة أن استحضار بورقيبة بعد ثورة 14 يناير سببه الأساسي هو شعور النخبة في تونس بخيبة أمل جراء تراجع مكاسب التحديث ومحاولات المساس بمنجزات دولة الاستقلال. المزايدة ببورقيبة رغم مرور عقود على رحيله لا تزال صور بورقيبة تتصدر البرلمان التونسي وكذلك قصر الرئاسة وغيرها من مؤسسات الدولة وهو ما يسترعي الانتباه خاصة بعد أن تحولت مواقف خصومه (الإسلاميين) من نبذ تصورات “باني الدولة الحديثة” إلى تبنيها والإشادة بدوره. في 1999، خرج الزعيم التاريخي لحركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، عبر قنوات الجزيرة القطرية ليؤكد عداءه لبورقيبة الذي “طعن في الدين” على حد تعبيره وذلك في سياق مقارنة بين الرئيس بورقيبة وزين العابدين بن علي. لكن الغنوشي بدا وكأنه يقدم تنازلات ويقوم بمراجعات بعد الثورة حيث هاجم في 11 يونيو 2013 بورقيبة قائلا إنه “لم يحترم الدين الإسلامي”، ليعود بعد ذلك ويشدد على أنه لا يمكن “لأي كان أن يمحو الزعيم الحبيب بورقيبة من تاريخنا”. وفي تعليقها على إشادة الإسلاميين ببورقيبة تقول آمال موسى إن “هؤلاء يسعون إلى سحب البساط من تحت قدمي البورقيبيين وذلك من باب المزايدة” في إشارة إلى الأحزاب التي تتبنى الخط السياسي البورقيبي بعد الثورة وأبرزها حزب نداء تونس الفائز في انتخابات 2014 وحركة مشروع تونس والحزب الدستوري الحر. وتُضيف آمال موسى “العودة إلى بورقيبة بعد سنوات من رحيله متوقعة بسبب توجس النخبة الموصوفة علمانية من المجهول خاصة وأن المشروع البورقيبي يرتكز على التحديث والعقلنة وإلغاء التعليم الزيتوني والمحاكم الشرعية وإقامة المحاكم المدنية، إلى جانب إرسائه لمجلة الأحوال الشخصية”. وبالفعل، حاول الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي تعزيز مكاسب المرأة التونسية التي وردت في مجلة الأحوال الشخصية التي تم إرساؤها عام 1956 ودخلت حيز التنفيذ عام 1957. وشملت المجلة إصلاحات جذرية تتمثل في إلغاء تعدد الزوجات واشتراط رضا الزوجين لإتمام الزواج ووضع مسار قضائي للطلاق وهو ما جعلها تعد بمثابة ثورة على السائد في تونس. آمال موسى تشدد على أن بورقيبة لم يكن حاضرا في أدبيات مشروع الإسلام السياسي بل انتقد الإسلاميون بورقيبة حيث عارض هؤلاء مجلة الأحوال الشخصية آمال موسى تشدد على أن بورقيبة لم يكن حاضرا في أدبيات مشروع الإسلام السياسي بل انتقد الإسلاميون بورقيبة حيث عارض هؤلاء مجلة الأحوال الشخصية وحاول قائد السبسي الاستلهام من المشروع البورقيبي لتعزيز منظومة الحريات ومكاسب المرأة من خلال تبني المساواة في الميراث وبعث لجنة في 2017 لإصدار مشروع قانون في الخصوص. وتقول موسى في هذا الصدد “من يستدعي بورقيبة اليوم هو يستدعي المكاسب التي حققتها الدولة الحديثة.. هو يحاول تدعيم المنجزات في مجال الصحة (مجانيتها وعموميتها).. هو يدافع عن المرأة وحقوقها.. وهو دفاع عن مشروع بدأ يتآكل”. ولكن موسى تشدد على أن خصوم النخبة التحديثية يستحضرون بورقيبة من باب المزايدة فقط “لماذا لا نقول هناك توظيف لبورقيبة.. لأن بورقيبة مثلا لم يكن حاضرا في أدبيات مشروع الإسلام السياسي بل أكثر من ذلك الإسلاميون انتقدوا وبشدة بورقيبة.. كانت الحركة الإسلامية ضد مجلة الأحوال الشخصية ونادت بقيام استفتاء حولها.. وصفت المشروع البورقيبي بأنه لائكي ويسير على خطى كمال أتاتورك وينسف الخصوصية الثقافية التونسية”. وتُضيف “لذلك لا نستطيع أن نتحدث عن أن تبني الإسلام السياسي للمشروع البورقيبي قائم على المراجعة بل هو توظيف سياسي ربما أيضا لأن الإسلاميين مشاركون في الحكم وأين يمارسون هذا الحكم؟ يمارسونه في إطار الدولة الوطنية الحديثة ومؤسساتها”. مبرزة في مقابل ذلك “أن توظيف النخبة التحديثية لبورقيبة هو أيضا توظيف مركب ومعقد يقوم على المناورة والاستدعاء الأيديولوجي بدل التركيز على روح المشروع البورقيبي بالدفاع عن الديمقراطية الاجتماعية البورقيبية بالحلول والبرامج”. وفي سياق آخر، ترك بورقيبة مفاهيم تؤطر الحياة الاجتماعية والسياسية في تونس على غرار رفضه “إسلامية الدول واقتصاره على التنصيص على مدنية الدولة التونسية التي يعد الإسلام دينها”. حضور تشريعي وتُشدد آمال موسى على أن “بورقيبة اخترع هذا المخرج حيث يسميه مثلا محمد الشرفي بـ’الغموض المقصود’ بالنسبة للبند الأول من الدستور التونسي حيث كان محل نزاع وخصومات كبيرة”. وتُضيف “هناك فرق بين استعمال دينها الإسلام والعربية لغتها (…) وبين دولة إسلامية أي تستند في تشريعاتها وقوانينها على الدين الإسلامي في حين أن دولة دينها الإسلام يترك متسعا لديانات أخرى يمكن اعتناقها.. وهذا الفصل رفضه محمد الشادلي النيفر وهو من مؤسسي الحركة الإسلامية في تونس وهو ما يعكس موقف الإسلاميين آنذاك من هذا البند والمخرج الذي أراده بورقيبة”. وتؤكد الباحثة التونسية أن الإبقاء على صيغة الفصل الأول كما كانت في الدستور الأول لتونس بعد الاستقلال يعد في حد ذاته تغيرا نوعيا في مواقف الإسلاميين من الحقبة التي ترأسها بورقيبة خلالها البلاد. وتُضيف أن “الحركة الإسلامية عرفت بعض التغيرات الأخرى أيضا في علاقة بالمشروع البورقيبي في محاولة للاستلهام منه حيث لم تعد النهضة تعترف فقط بالنساء المحجبات داخلها بل أصبحت تضم الأخريات وهو تغير أيضا يبقى في علاقة بالمشروع البورقيبي”. وتؤكد موسى أن “تطبيع الإسلاميين دستوريا مع بورقيبة في رؤيته لمسألة المرأة كما رأينا في السنوات الأخيرة تم التدليل عليه من خلال العديد من المواقف الدستورية مثل المصادقة على قانون المساواة بين الجنسين وحرية المعتقد وحرية الضمير إضافة إلى ترشيح نساء من الحركة في مواقع هامة مثل نائب رئيس مجلس النواب ورئيسة أكبر بلدية في تونس”. شهدت مرحلة ما بعد الثورة، وهي مرحلة أرادها العديد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في تونس أن تقطع مع ما قبل 2011، موجة تسفير كبيرة للشباب التونسي نحو الجماعات الجهادية في سوريا وغيرها وهو ما شكل مدعاة للتساؤل بشأن أسباب ذلك ودور حقبة بورقيبة وبعده بن علي في ذلك. وبالرغم من نجاحها منذ سنوات في توجيه ضربات قاصمة للإرهاب غير أن السلطات التونسية تفطنت في الفترة الأخيرة لعودة استقطاب المتطرفين للشباب في المساجد وذلك بعد عمليات إرهابية أحدثها الذي استهدف دورية أمنية الشهر الماضي في ولاية (محافظة) سوسة الساحلية. وتؤكد موسى، التي اشتغلت على علاقة الشباب بالدين، أن الشباب التونسي لديه علاقة متعددة بالدين حيث يتنامى البعد الفرداني في هذه العلاقة. وتقول “للفرد اليوم في تونس الحرية في نسج علاقته بالدين وغيره وهو ما يجعله ينسج هويته بنفسه.. ولكن العلاقة بالدين تبقى علاقة ليست عالمة كما يجب به حيث تغيب المعرفة العالمة بالدين”. وتُضيف “جزء كبير من المعارف بالدين تُستقى من القنوات المشرقية وهي قنوات ذات مرجعية دينية بعيدة عن المرجعية الزيتونية التونسية لذلك نجد أنفسنا أحيانا أمام ممارسات لا تمت بصلة للخصوصية التونسية والمنوال الزيتوني في فهم مقاصد الدين (…)”. ولا تُخفي آمال موسى وجود عوامل أخرى تشكل علاقة التونسي بالدين حيث تبين أن هناك “علاقة تعويض” إذ هناك طبقات مهمشة على حد تعبيرها ماديا واجتماعيا وثقافيا تلجأ إلى الدين لإتمام “عملية إشباع روحي” لمقاومة التهميش الاقتصادي والثقافي وغيره. ومؤخرا، كشفت عملية إرهابية استهدفت دورية أمنية في مدينة سوسة وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن عودة الاستقطاب داخل المساجد حيث تسعى الجماعات المتطرفة لانتداب عناصر تونسية جديدة بعد توقف دام لسنوات. وتشترط آمال موسى لضمان نجاح الدولة في تجفيف منابع التطرف أن يقع الالتفات للشباب المهمش ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. وتقول “نظام بن علي نجح مثلا في مكافحة الإرهاب من خلال المعالجة الأمنية فقط لكن المعالجة الحقيقية لا تكون إلا اقتصادية وثقافية لظاهرة الإرهاب لأن معظم الدراسات مثلا التي أعدت بشأن الشباب الذي يقع استقطابهم لفائدة الجماعات الجهادية هم بالضرورة شباب يعانون من إكراهات اقتصادية ومن فراغ من المعرفة الدينية العالمة”. وتضيف موسى بأن هذا الشباب تحول إلى قنبلة موقوتة في وجه الدولة نجحت الجماعات الجهادية في توظيفها لغسيل الدماغ “ونجحوا في ذلك لأن هؤلاء الشباب كانوا في وضع نفسي صعب سمح للجماعات الجهادية في استقطابهم”. وتختم بأن “الإرهابي هو مريض ومهمش.. إذا انتفى السبب فإن من الصعب أن تنجح الجماعات الإسلامية في استمالته لأنه سيذهب إلى الموت.. الحل يكمن في الاستثمار في الجهات وتنميتها اقتصاديا وتطوير المجال الثقافي وهي حلول طويلة الأمد لكنها ناجعة لقطع الطريق أمام الجماعات الجهادية”.

مشاركة :