يشهد العالم اليوم تطوراً ملحوظاً بالجريمة، فقد أصبحت الجريمة عابرة للحدود والقارات وترتبط بأكثر من دولة، ومن الممكن أن يكون مرتكبوها من جنسيات مختلفة. ويدور الحديث في الوقت الحالي على الساحة المحلية والدولية عن واحدة من أكبر قضايا غسل الأموال والمعروفة «بالصندوق الماليزي»، وهي جريمة مرتبطة بدول عدة حول العالم وأشخاص عدة من مختلف الجنسيات، فقد قامت دول عدة بالتحقيقات وتوجيه الاتهامات للأشخاص المتورطين بهذه القضية، وقد بدأت أخيراً النيابة العامة بالكويت بالتحقيق مع الأشخاص المشتبه بهم في هذه القضية، مما ولّد تساؤلاً مهماً للغاية هنا وهو عن مدى إمكانية التعاون القضائي الدولي بهذه المسألة ما بين الكويت ودول أخرى، كأن تقوم السلطات بدولة الكويت بطلب التعاون القضائي الدولي مع دولة أخرى، كتقديم طلب التحقيق مع شخص متواجد بتلك الدولة، أو تزويدها بأدلة مرتبطة بالقضية، أو استخراج وثائق أو سجلات حكومية أو مصرفية أو مالية أو سجلات شركات من تلك الدولة إن استدعت القضية ذلك، أو أن تقوم دولة أخرى بعرض التعاون القضائي على السلطات بدولة الكويت، إن وجدت تلك الدولة أن لديها من الأدلة والبيانات ما يفيد بالقضية المعروضة أمام السلطات المختصة بدولة الكويت. هذه الطلبات تقع تحت ما يسمى «الإنابات القضائية الدولية» والتي يمكن تعريفها بأنها طلب يقدم من دولة إلى دولة أخرى للقيام بإجراء من إجراءات التحقيق، ويكون ذلك لازماً للفصل بالدعوى، وهي بدورها تهدف إلى التعاون القضائي ما بين الدول، وذلك لتبسيط الإجراءات وتذليل الصعوبات، للوصول إلى ضمان محاسبة مرتكبي الجرائم وتقديمهم للعدالة. ومن المناسب الإشارة إلى أن تنفيذ الإنابات القضائية الدولية يكون على أساس الاتفاقيات الدولية، أو الجماعية الخاصة بالتعاون القضائي الدولي، أو على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وهو مستمد من حسن النية والتعايش المشترك بين النظم القانونية. بالنسبة للاتفاقيات الدولية، نجد أن الكويت قد وقّعت اتفاقيات ثنائية وجماعية عدة بهذا الشأن، ومن الدول التي وقعت الكويت معها اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتعاون القضائي الدولي هي مصر، الأردن، سورية، اليمن، الجزائر، المغرب، تونس، إيران، تركيا، الهند، كوريا الجنوبية، بلغاريا، ألبانيا. وعلى صعيد الاتفاقيات الجماعية، نجد أن الكويت قد صادقت على اتفاقيات إقليمية ودولية عدة بهذا الشأن، منها اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية بدول مجلس التعاون لسنة 1997، والاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية لسنة 2010، والاتفاقيـة العربيـة لمكافحـة الفسـاد لسنة 2010، واتفاقيــة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003. وتشترك جميع هذه الاتفاقيات الثنائية والجماعية في أنها تسمح للدولة الطرف بالاتفاقية بتقديم طلب لأي دولة طرف أيضاً بالاتفاقية بالتعاون معها بالأخذ بشهادة الأشخاص أو إقراراتهم في الدولة المطلوب إليها، تبليغ الأوراق القضائية، إجراء التفتيش والضبط وحجز الأشياء، الإمداد بالمعلومات والأدلة، وغيرها من أمور التعاون القضائي ما بين الدول لتبسيط الإجراءات وتقديم الجناة للعدالة، وعلى الدولة الطرف بالاتفاقية المتلقية للطلب إلزام دولي بتقديم تلك المساعدة متى ما كان محل الطلب متفقاً مع نصوص الاتفاقية، إلا أن تشترك هذه الاتفاقيات بأن للدولة المقدم إليها الطلب من دولة طرف بالاتفاقية، الحق برفض المساعدة القانونية المتبادلة، إذا كان الطلب يمس سيادة الدولة المقدم إليها الطلب أو أمنها أو مصالحها الأساسية، أو إذا كان الطلب يتعارض مع القوانين الداخلية للدولة المتلقية الطلب، وبجميع الأحوال يتعين للدولة الرافضة للطلب أن تبين أسباب الرفض للمساعدة القانونية المتبادلة.إضافة إلى ذلك، تسمح بعض هذه الاتفاقيات بأن تقوم السلطات المختصة في كل دولة طرف بالاتفاقية، فيما لا يتعارض مع قانونها الداخلي ودون أن تتلقى طلباً مسبقاً، أن تحيل معلومات متعلقة بمسائل جنائية إلى سلطة مختصة في دولة طرف أخرى بالاتفاقية متى ما قدرت أن هذه المعلومات قد تساعد تلك الدولة على القيام بالتحريات والإجراءات الجنائية أو إتمامها بنجاح.قد يثار تساؤل هنا، عن مدى إلزامية قبول السلطات المحلية مثل هذه المعلومات المقدمة من دول طرف بالاتفاقية دون وجود طلب مسبق، بلا شك لا توجد أي إلزامية على الدولة بقبول تلقي مثل هذه المساعدات، وذلك لأن جميع الاتفاقيات ألزمت الدول بالقيام بالمساعدة القانونية المتبادلة متى ما طُلب منها ذلك من دولة طرف بالاتفاقية، ولكنها لا تُلزم الدول الأطراف بقبول المساعدات القانونية من غير وجود طلب منها.أيضاً ممكن أن يُقدم للسلطات الكويتية طلب المساعدات القانونية من أفراد بصفتهم الشخصية كالإدلال بشهادتهم بقضية جارٍ التحقيق بها، أو تقديم أدلة ومستندات تتعلق بالقضية. في هذه الحالة لا يوجد ما يمنع من أن تقوم السلطات المعنية بدولة الكويت بقبول مثل هذا الطلب، أو المساعدة متى ما قدرت أن مقدم الطلب يحمل معلومات قد تساعد في التحريات والإجراءات الجنائية أو إتمامها بنجاح، لكن بلا شك لا توجد أي إلزامية على السلطات بدولة الكويت بقبول مثل هذه الطلبات أو المساعدات المقدمة من الأفراد، وذلك لأن كما بينا سابقاً بأنه لا يوجد أي إلزامية على الدولة بقبول المساعدة القانونية إذا لم تتقدم بطلب المساعدة القانونية، ومن جانب آخر، جميع الاتفاقيات المُشار إليها سابقاً تنظم مسألة الطلب الذي يقدم من دولة طرف بالاتفاقية إلى دولة طرف أخرى وليس من الأفراد، حتى وإن كان هؤلاء الأفراد ينتمون لدول طرف باتفاقية مع دولة الكويت. جدير بالذكر أن هناك نيابة متخصصة بدولة الكويت ملحقة بمكتب النائب العام تسمى «نيابة شؤون التنفيذ الجنائي والتعاون الدولي»، ومن اختصاصات هذه النيابة مخاطبة السلطات الأجنبية الدولية بواسطة وزارة الخارجية عن طريق النائب العام لتبادل تنفيذ كافة أوجه التعاون القضائي، وعليه فيمكن للسلطات المختصة بدولة الكويت تقديم طلب لأحد الدول الأطراف بالاتفاقيات الثنائية أو الجماعية بالتعاون القضائي الدولي كسماع شاهد أو تقديم دليل أو مستند أو غيره من الإجراءات التي تسهل عملية التحقيق في ما يعرف بقضية «الصندوق الماليزي» أو أي قضية عابرة للحدود. * أستاذ القانون الدولي الخاص في كلية الحقوق بجامعة الكويت
مشاركة :