الدراما التراثية... ليست «نوستالجيا» فقط!

  • 7/23/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هكذا هي الدراما المحلية التراثية، تحيك بخيوطها أثواب الزمن الجميل، والمشاهد بحاجة إلى تراث يذكّره بحياة الأجداد، حيث تسيطر النوستالجيا العالية حنيناً للأماكن العتيقة والحياة القديمة، فتثير فيهم شجن الذكريات وتعيدهم لزمن جميل يفتقدونه كانت المحبة حقيقية والمشاعر واضحة والمجتمع مترابطاً ومتحاباً برغم الفروقات الاجتماعية، والجيل الجديد يتابع هذه الأعمال بشغف لأنه زمن عاش فيه الآباء والأجداد ويتحدثون ويتحسرون عليه وكأنه شريط سينمائي يعيد لهم تفاصيل حياة وزمن لم يعشه.في السنوات الأخيرة، توجهت عجلة الإنتاج أكثر نحو الأعمال التراثية وحتى التاريخية. إلا أنها اصطدمت بحاجز النقد الذي وجّه أصابع الاتهام إلى الكتّاب والمخرجين والمنتجين بأنهم يحاولون تشويه أو تزييف الحقائق.«الراي» استطلعت آراء أهل الاختصاص من كتّاب ومخرجين وممثلين، الذين أجمعوا على أن الاعتماد على النوستالجيا وحدها لا تصنع عملاً قوياً وناجحاً، بل لا بد من قصة قوية تقدم المتعة، ولهذا لا تنجح كل الأعمال التراثية. وفيما رأى البعض أن الكثير منها لا يشبهنا ولا يشبه لهجتنا ولاعادات وتقاليد ذاك الزمن، رأى البعض الآخر أنه لا بد من العودة إلى هذا النوع من الأعمال.في البداية، قال الفنان القدير جاسم النبهان «لا شك أن الأعمال التراثية تجد مشاهدة عالية إذا تم الاشتغال عليها بشكل صحيح وعلى مستوى كل العناصر الفنية، ابتداء بالنص الذي هو الأساس وتتلقفه يد مخرج مبدع الرؤية يثري النص، ولهذا تطلبها القنوات الفضائية من المنتجين».وأضاف النبهان: «وعلى أكثر من مستوى يحبها الناس، فالكبار يتعلقون بها في نوستالجيا (الحنين إلى ماض مثالي) عالية للأماكن العتيقة والحياة القديمة فتثير فيهم شجن الذكريات وتعيدهم إلى زمن جميل يفتقدونه كانت المحبة حقيقية والمشاعر واضحة والمجتمع مترابطاً ومتحاباً برغم الفروقات الاجتماعية، والجيل الجديد يتابع هذه الأعمال بشغف لأنه زمن عاش فيه الآباء والأجداد ويتحدثون ويتحسرون عليه وكأنه شريط سينمائي يعيد لهم تفاصيل حياة وزمن لم يعشه».ونوّه النبهان إلى أن «الاعتماد على النوستالجيا وحدها لا تصنع عملاً قوياً وناجحاً، ولكن لا بد من قصة قوية تقدم المتعة، ولهذا لا تنجح كل الأعمال التراثية فالكثير منها لا يشبهنا ولا يشبه لهجتنا ولا عادات وتقاليد ذاك الزمن»، مضيفاً «لا تستطيع أن تقدم عملاً معاصر الفكرة واللهجة ويلبس فيه الممثلون الثياب التراثية القديمة، وتعتقد أنك نجحت. ونجاح العمل التراثي صعب، أما الأعمال المعاصرة فالأفكار فيها مكررة ومستهلكة والمشاهد ملّ من التصوير في الفلل والشركات ومن المرأة الأرستقراطية التي يدور حولها العمل، ومن الحب البريء الذي لا أحد يصدقه في زمن الماديات».من جانبه، قال الفنان عبدالرحمن العقل إن المسلسلات التراثية والحقبة التاريخية أكثر صدقاً ونظافة من الأعمال المعاصرة التي تعرض على شاشات التلفزيون حالياً، موضحاً أنه يتخلل تلك الأعمال التراثية حوارات إنسانية وفي داخلها لمسات اجتماعية تلامس جوارح الناس بالمعنى الشيق والمثير لديهم، وهذا ما تفتقر إليه الأعمال المعاصرة الحالية التي في غالبيتها حوارات سخيفة وتتضمن الخيانات والابتذال. وبالرغم من أنه من الممكن أن يكون موجوداً في المجتمع، إلا أنه يجرح المشاعر والأحاسيس للمشاهد وهو غير محبب له.وأشار العقل إلى أن تلك الأعمال التراثية هي المطلوبة حالياً في تلفزيون الكويت، موضحاً أن «التركيز على هذه الأعمال بكثرة وعرضها في آن واحد، من الممكن أن يسبب ربكة للمشاهد بالرغم من حبه لتلك المسلسلات».وأضاف العقل أن تلك الأعمال تشبه تلك المسلسلات الصعيدية في مصر التي تحافظ على الأصول والعادات والتقاليد عن غيرها من الأعمال الأخرى.وقال الكاتب والمخرج بدر محارب إنه «يجب على الكاتب للأعمال التراثية أن يتحرى ويبحث ويتحقق قبل كتابة الأحداث الدرامية التراثية عن الفترة التي يكتب عنها حتى يكون لدية صدق ومصداقية في الطرح».وأضاف محارب أن الأعمال التراثية تحتاج إلى مراجعين متخصصين في اللهجة الكويتية القديمة التي تتغير وتتطور من وقت إلى آخر، بالإضافة إلى اختيار مصمم الأزياء الذي يملك خبرة في الحقبة التي كتبت فيه القصة، ما يؤثر ذلك على مصدقية العمل. وكذلك مهندس الديكور ومنسق المناظر كل منهما يتحمل مسؤولية نجاح العمل، فلا بد من ظهور البيوت والمقاهي والشوارع بشكلها الصحيح والذي يتناسب مع الفترة التي يتصدى لها الكاتب.ونوّه محارب إلى أن هناك أخطاء عدة وقع فيها المؤلفون خلال عرض بعض المسلسلات التراثية في الفترة الأخيرة، ومنها أخطاء فادحة، خصوصاً في الفترات الزمنية بالثلاثينات والأربعينات، ففي هذه الفترة لا توجد نوافذ على الشارع العام للحارة، وكانت هذه من العادات والتقاليد في تلك الحقبة، وغير مسموح عند العوائل الكويتية، ولكن عند مشاهدة بعض المسلسلات فنلاحظ النوافذ موجودة حتى في غرف النوم، ويرجع ذلك لعدم الرجوع للأرشيف والبحث والتحري بشكل صحيح».وأضاف محارب أنه أيضاً من العادات والتقاليد في تلك الفترة، لا يوجد شباب وبنات يتلاقون في الحارة، وهذه من الأخطاء التي تشوّه الأحداث وتغاير الحقيقة.وتابع «لا بد للممثل أن يبتعد عن (الفيلر) والماكياج المبالغ فيه، موضحاً في بعض اللقطات يوجد ممثل يجسد دور عامل بناء وتلاحظ أظافره مقلمة ومبرودة (بديكير) والبودرة على الوجه ما لايعطي ذلك للشخصية حقها، فلا بد أن يكثف البحث في جميع النواحي والأشياء المرافقة للقصة حتى يدعم القصة نفسها».وعن جذب المشاهد للأعمال التراثية عن الأعمال المعاصرة، أكد محارب لأنها تذكره بالماضي والحنين للأحداث في تلك الفترات المختلفة التي يرغب للرجوع إليها، وهناك حميمية للمشاهد للحقبة التراثية وهي «النوستالجيا»، مضيفاً أن هذه الأعمال لها رونق خاص وتجذب الجمهور بجميع شرائحه.بدورها، قالت الروائية وكاتبة الدراما منى الشمري إنه بعد انتهاء السباق الرمضاني الدرامي، ظهرت بعض الإشكاليات التي تقع فيها الأعمال التراثية والتي تغيب عن الكثيرين من المشاهدين، وما يقع فيه الكاتب صغير السن من أخطاء، موضحة أنه «أولاً، لا بد أن نتفق على أن العمل الدرامي التراثي ليس عملاً تاريخياً ولا أرشيفياً دقيقاً، ويعتمد 90 في المئة منه على مخيّلة الكاتب الذي يبني أحداث عمله على حقبة زمنية معينة وقصص يلتقط خيوطها الهشة من الواقع، وبالتالي ربط العمل التراثي بالتاريخ الحرفي خطأ كبير يقع فيه الكثير من المشاهدين».وأضافت الشمري أنه «من الخطر ربط العمل التراثي بالواقع والماضي بعينه، والدراما لا تقدم صورة مطابقة، إنما ظلال مستوحاة من أيام زمان، لأن اعتبار العمل يمثل التاريخ يجعل مهمة الكاتب صعبة مع الترصد للأحداث. وعلى سبيل المثال، أن البنت لم تكن تقابل الشاب على البحر أو في النهار، وهذا يجرنا لسؤال كيف سنخلق دراما إذاً».وأشارت إلى أن «التحسس الاجتماعي مما يرد في مسلسل والتحريض على الكاتب يسبب له أزمة مع وزارة الإعلام ومع رقابة النصوص، ونحن نود أن نرفع سقف الحريات ونجيز النصوص العميقة التي تُظلم بسبب هاشتاق، ولا بد من النظر للدراما على أنها من مخيلة الكاتب ولسنا في مجتمع ملائكي حيث لا لص ولا فاسد ولا شرير».وأكدت أنه «من الطبيعي مهاجمة الأعمال المسفة والمبتذلة في حواراتها، على أمل أن يتوقف الإسفاف. ومن حق المشاهدين إبداء الرأي ومن حقهم أيضاً التوقف عن متابعة العمل بدلاً من التجريح لفريق العمل المتواضع الذي قدم مشروعاً قد ينجح وقد يمر مرور الكرام».وأوضحت الشمري أنه «لا بد من تقبل الدراما على أنها تقدم المتعة وقضاء وقت جميل وإن كانت تخلو من أي رسالة، فالدراما ليست دوماً وسيلة تعليمية وبعضها قد يترك أثراً وأفكاراً قابلة للنقاش والتأمل»، مشيرة إلى أن الدراما قد تساعد البعض في التغيير الإيجابي، لكن هذا الهدف هاجس الكاتب الواعي والغالبية تقدم حكاية لطيفة لاتحتمل التنمر.وتابعت أن أبرز الأعمال التراثية التي تناولت شخصيات معروفة أو وقائع بعينها صُوّرت ولم تُعرض، لأن هناك اعتراضات من العائلات التي دخلت ضمن أحداث المسلسل، موضحة أنه «من الأفضل الابتعاد عن هذا النوع من الأعمال الذي يؤطر خيال الكاتب ويجعله يتنفس في مربع ضيق وهذا أمر قاتل للإبداع». وأضافت أن تناول أسماء وشخصيات في مسلسل تراثي لا علاقة لهم بصلب القصة وبلا مسوغات درامية، فهو يدخل في مجاملات وتلميع يفسد قيمة العمل ويأخذه إلى خانة لاعلاقة لها بالإبداع ويستفز أسماء أخرى غابت وترى أنها أولى بالذكر العابر وهذه فواتير باهظة لا يتحملها أي عمل درامي ينشد التميز والنجاح والعمق.ومن ناحيته قال المخرج مناف عبدال إن «الدراما التراثية تحسس المشاهد بالأمان والهدوء لمشاهدة بساطة تلك الحياة في تلك الحقبة الزمنية وكيفية المعايشة، فالجار يدخل بيت جاره كأنه من الأهل وهناك مودة وألفة بينهما»، موضحاً أنه حالياً كل شيء اختلف وأصبح كل شيء بسرعة، بالإضافة إلى التعقيدات الكثيرة في عصرنا الحالي.وأكد أن الإخراج لمسلسل تراثي أصعب بكثير من المسلسل المعاصر، ويرجع ذلك لأشياء عدة، خصوصاً المراجعة مع المؤرخين والكتاب والاهتمام بكل شيء صغير وكبير، خصوصاً الديكور حتى ننقل الحدث بدقة أكثر وفي هذه الأعمال التراثية «غلطة الشاطر بعشرة».وأشار عبدال إلى أن هذه الأعمال هي التي تصنع فريق عمل قوياً، خصوصاً إذا نجح العمل بشكل كبير، موضحاً أنه لابد من بعض الانتقاد، ولكن يظل بالذاكرة لفترة طويلة للمشاهد عن الأعمال المعاصرة.ومن جهته قال المؤلف محمد أنور إن كتابة الأعمال التراثية أصعب بمراحل من الأعمال المعاصرة، ويرجع ذلك إلى أنه «قبل البدء بالكتابة، لا بد من البحث في تلك الحقبة الزمنية ما يقارب 3 أشهر وقراءة كتب ومقابلة مختصين في هذه الحقبة من الزمن، وهناك أمور معينة يضطر المؤلف أن يبدع فيها من خياله مثل طبيعة علاقة الناس داخل البيت الواحد، بالإضافة إلى أمور أخرى لم تذكر، فيضطر الكاتب إلى خلق جو معين يتناسب مع القصة». وأضاف أنور أن «الكتابة تأخذ وقتاً طويلاً، بما أن اللوكيشنات محدودة في الكويت، وبسبب ذلك يتم بناء جميع اللوكيشنات لعدم توفرها، مثل البيوت والنقعة بجانب البحر والسوق، وهذا الأمر يعجبني ككاتب لأنه يعطي مجالاً للإبداع ليعمق القصة أكثر والعلاقات بين الشخصيات مثل مسلسل (محمد علي رود)، فالناس شاهدوا أكثر من 23 شخصية رئيسية، وبالنسبة إليّ الأعمال التراثية متعة لأنها تحتاج جواً خاصاً للكتابة».وأوضح أنور أن «الأعمال التراثية ليس هدفها التوثيق، لأننا نخلق دراما، ولابد أن تكون هناك صلاحية للكاتب بأن ينوع بالطريقة التي تتماشى مع الحبكة أو الحقبة نفسها».وتابع أن «المشاهد يفضل الأعمال التراثية لأن هناك تشبعاً من الأعمال المعاصرة، خصوصاً في الوقت الحالي، معظم المشاهدين لم يعاصروا الزمن القديم، فنعطيهم مجالاً ونأخذهم عبر الزمن لقصص لم يسمعوها، وهذه الأعمال تخلق جواً رومانسياً خاصاً بالماضي يشد المشاهد، خصوصاً أن عندنا رومانسية كبيرة في الخليج عندما نذكر الماضي، لاسيما ماضي أجدادنا وكيف كانوا يعيشون في الدولة قبل النفط، وكانت دولة بسيطة وعندنا حنين لهذا الماضي».

مشاركة :