ميليشيا «الحشد الشعبي» مرة أخرى

  • 7/24/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

80 % من هذه الميليشيات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإيران وتحديدًا بالحرس الثوري الإيراني   لا يختلف عاقلان في أن من أسباب أزمة العراق الحالية عمل بعض الأحزاب على أن يبقى العراق دائمًا أسير القرار الإيراني، وحديقة خلفية لحرس إيران الثوري حتى يعيث في الأرض فسادًا وينفذ خطط التمكين الإيراني بأرذل الوسائل وأكثرها انحطاطًا، ولا أظن عاقلاً يُجادل في أن ميليشيات «الحشد الشعبي» هي من أبرز تجليات العبث الإيراني في الساحة العراقية. وفي هذا الإطار لا بأس من التذكير بهوية هذه الميليشيات التي يقدر عددها بـ67 فصيلاً ميليشياويًا، بحسب ما جاء في دراسة من اغتالته الميليشيات، المرحوم هشام الهاشمي، 80% من هذه الميليشيات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإيران وتحديدًا بالحرس الثوري الإيراني. هذه الأعداد الهائلة من التنظيمات العسكرية المارقة عن سلطان الدولة وضع نواتها سيئ الذكر والأثر نوري المالكي بتواطؤ مع مجموعة من قادة هذه الكتائب المسلحة الموالية لإيران ولاءً مطلقًا حتى من قبل أن تنشأ تحت مسمى «الحشد الشعبي». الهدف المعلن لهذا الحشد عند تنشئته كان كما قيل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق، أما الهدف المضمر فهو الدفاع عن المصالح الإيرانية وتكريس نفوذها وإبعاد العراق وشعبه عن محيطه العربي. وقد أخذ هذا الحشد شرعية وجوده في العراق من فتوى أصدرتها المرجعية الدينية في النجف قبل أن يعتمد جزءًا من المؤسسة العسكرية العراقية. لقد وصف علي خامنئي متبجحًا الحشد الشعبي أمام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم الثلاثاء الماضي بالنعمة التي وهبها الله، والحال أنه لعنة سماوية تترجم كل يوم على يد منتسبيه اغتيالات وخطفًا وتهجيرًا وانتهاكًا مستمرًا لرمزية الدولة وقوتها.  في يناير من العام 2017 كتبت مقالاً بعنوان: «ميليشيا الحشد الشعبي»، وأجدني اليوم أسير في هذا الاتجاه مجددًا حديثي عن هذه الميليشيات على خلفية اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي الذي تشير الأنباء وكثير من القرائن إلى تورط «أبي علي العسكري» المسؤول الأمني بكتائب «حزب الله العراقي» في اغتياله. وللتذكير فحسب، فـ«حزب الله العراقي» واحد من «الأحزاب العراقية» الأكثر جرأة في إظهار تبعيته المطلقة لإيران، والتباهي بانغماسه حد النخاع في خدمة المصالح الإيرانية. عمومًا، من المؤكد الآن أكثر من أي وقت مضى أن ميليشيا «الحشد الشعبي» هي أحد المعوقات الرئيسة لعودة العراق إلى حضنه العربي وتحديد مكانته المهمة بين الدول العربية في صوغ السلام والاستقرار في الخليج العربي. كل هذه الحقائق جعلتني أعود إلى مقالي السابق وقد قلت فيه: «عند الحديث عن هذه الميليشيات أجد، شخصيًا، صعوبة في وصفها بالشيعية كما يرد في أكثر التقارير والأخبار والكتابات، ولكني وجدتني مع الأيام أتكيف مع هذا التوصيف، ليس لصحته بكل التأكيد، ولكن لأني شخصيًا أنزه معتنقي المذهب الشيعي كثاني أكثر المذاهب انتشارًا في العالم عن أن يكونوا كارهين للمذاهب أو الطوائف الأخرى التي يتشكل منها المجتمع العراقي، وفي اعتقادي أن في إبعادهم عما ترتكبه هذه الميليشيات من ممارسات تقطر حقدًا وكراهية ضد المكونات الاجتماعية الأخرى وخصوصًا المذهب السني، وحصر هذه الممارسات في أوساط من تشوهت دواخلهم من هذه الجماعات الميليشياوية التي ارتضت بيع أوطانها في سوق النخاسة نظير أوهام سياسية لن يحصدوا منها إلا الحصرم، واجبًا إعلاميًا أجده أحد السبل الفعالة في التصدي للمؤامرة التي تفتك بالعراق والمنطقة حاليًا باستعمال سلاح التفتيت المذهبي والطائفي». باستثناء عدد قليل من الميليشيات، يتضح من هوية الشخصيات المؤسسة لهذا الحشد والمكونة من رؤساء كتائب مسلحة موالية لإيران، وعلى رأسها نوري المالكي الذي دانت له الفرصة ليكون رئيسًا للوزراء لفترتين متتاليتين وكان عنوانهما الأبرز فسادًا عطّل مشاريع تنموية كثيرة وكرّس الفقر سمة اجتماعية واقتصادية للعراقيين وأسهم في توتير العلاقات الاجتماعية بين مكونات الشعب العراقي، والإيراني سليماني قائد فيلق القدس، وهادي العامري، والمهندس، وقيس الخزعلي.  إن الهدف الأساس الذي أنشئت الميليشيا من أجله طائفي يرمي إلى تهميش المكونات الأخرى التي قد تعترض على التوجه الذي تأخذ هذه الميليشات الدولة العراقية إليه، وهو الارتماء الكلي في الحضن الفارسي. منذ اليوم الأول لتأسيس الحشد تجلى واضحًا الخطر الذي يشكله على العراق؛ فهذه الميليشيا حالت، ومازالت، دون تطبيع علاقات الدولة العراقية بمحيطها العربي وعمقها الاستراتيجي الذي لا يمكن أبدا أن يكون إيرانيًا؛ لأنه ببساطة ضارب في أعماق العروبة. وهذه هي المهمة التي ينبري لها اليوم رئيس الوزراء الكاظمي الذي يحظى بقبول داخلي وخارجي باستثناء الـ 80% من الميليشيات الـ 67 التي تحمل السلاح وبه تهدد الدولة العراقية في كل حين. الفرصة كبيرة أمام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ليخطو بالعراق خطوات واسعة نحو الإصلاح الداخلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي اتجاه ترميم العلاقات العربية العراقية والنأي ببلد الرافدين عن أن تكون إيران قوة حاسمة في رسم القرار العراقي الداخلي، إذا ما عمل على تجريد كل الميليشيات، بدون استثناء، من السلاح وجعل حيازته حكرًا على الدولة... عند ذاك فحسب سيسهل تنفيذ البرنامج الحكومي الذي وعد به الكاظمي الشعب العراقي.

مشاركة :