دول الخـليـج قــادرة عــلى الـتـعـافـي وستخـرج من الأزمة أقوى 

  • 7/24/2020
  • 01:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في ظل الظروف التي تواجهها دول العالم عمومًا، ودول الخليج خصوصًا، لا بد من تسليط الضوء على التحدي المزدوج الذي تواجهه دول الخليج اليوم والمتمثل في تفشي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، وما رافقه من ركود اقتصادي. لكن ماذا عن التبعات الأخرى لهذه الأزمة؟ يعتمد المُحللون عادة على أسعار النفط التي تحقق تعادلاً بين الكلفة والربح لقياس مدى قدرة الدول المُصدرة للنفط الخام على التعامل مع مشكلة انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر بمثابة السلعة الحيوية التي يقوم عليها اقتصاد هذه الدول، حيث إن الدول ذات تكاليف الإنتاج المنخفضة (وهي دول الخليج في الغالب) عادة ما تكون قادرة على التعامل بشكل أفضل مع مشكلة انخفاض الأسعار مقارنة بغيرها، كمنتجي الصخر الزيتي عالي الكلفة في الحوض البرمي الواقع في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال. وعلى الرغم من كون ذلك مقياسًا مفيدًا، إلا أن أسعار النفط التي تحقق تعادلاً بين الكلفة والربح لا تعكس مدى الارتياح والاطمئنان اللذين يحققهما قطاع الطاقة القوي في المنطقة. ولا حاجة للاعتماد على منصة بلومبرغ للاطلاع على أداء خام برنت أو بورصة تداول، إذ يكفي أن تأخذ جولة في مول الإمارات، أو ربما كان ذلك بالإمكان قبل ان نعلم معنى التباعد الاجتماعي. لعب النفط دور المُحرّك الرئيسي للاقتصاد الخليجي، من خلال التشجيع على الاستثمار في البنية التحتية، والإنفاق على قطاع العقارات، ما عاد بالنفع الكبير على تجارة التجزئة وقطاع الضيافة في المنطقة. كما ساهمت قوة أسعار النفط في تمكين المنطقة من تحقيق ازدهار اقتصادي كبير جنى الجميع ثماره دون استثناء. لكن منذ عام 2014 بدأت دول المنطقة بإعادة النظر في العلاقة القائمة بين النفط والازدهار الإقليمي، وتشكّلت لديها قناعة بضرورة تغيير هذه العلاقة. وفي ظل مشكلة الاحتباس الحراري التي يواجهها العالم اليوم وما يرافقها من ارتفاع في مستوى وعي الناس بالتحديات البيئية الراهنة، تسارعت وتيرة استخدام مصادر الطاقة البديلة عوضًا عن الهيدروكربونات، وأصبحت المركبات الكهربائية أكثر شيوعًا، وبدأ المستثمرون يبدون اهتمامًا أكبر بشركات الطاقة البديلة. ومع انتشار أزمة فيروس كورونا، برزت هذه التطورات وتبعاتها بوضوح شديد، وتسببت بتعقيد الأمور أكثر في منطقة الخليج العربي. وعندما تحوّلت أسعار النفط الأمريكي إلى السالب لفترة وجيزة لأول مرة في تاريخها في شهر إبريل، أصبح واضحًا للجميع أننا على عتبة مرحلة جديدة مجهولة تمامًا. لكن، ولحُسن حظها، فإن دول الخليج مُحصنّة مسبقًا ضد هذا النوع من الصدمات الاقتصادية، إذ تتبع بعض الدول الخليجية خطط تنويع اقتصادي مفصّلة يجري تنفيذها حاليًا للعمل بها على مدار العقد المقبل. لذا، ما نحتاجه للتعامل مع هذا الوضع هو تغيير الأساليب والمنهجيات المتبعة عوضًا عن تغيير المنظومات. تعتبر قدرة اقتصادات دول الخليج على الاستجابة بسرعة وإدخال تغييرات تشريعية سريعة ملائمة لأنشطة الأعمال إحدى أهم وأبرز نقاط القوة التي تتمتع بها هذه الاقتصادات. وخير مثال على ذلك نجاح كلّ من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤخرًا المملكة العربية السعودية، في إلغاء الإجراءات البيروقراطية غير الضرورية في أنظمتها، وهو نهج آخذ في الانتشار بشكل سريع في دبي استجابة لوباء كوفيد-19. وفي الوقت الذي هدّدت فيه إجراءات الإغلاق والحظر بإيقاف التعاملات العقارية في الإمارة، استعانت دائرة الأراضي والأملاك في دبي بتقنية الاتصال بالفيديو لإنجاز معاملات نقل الملكية بسهولة ويُسر خلال دقائق معدودة. وهذا ليس سوى مثال بسيط على التحسينات التي تم إدخالها على الإجراءات، والفائدة التي جناها المستثمرون نتيجة الأزمة، وعلى الأرجح سنشهد المزيد من هذه التحسينات في الأيام القادمة. وقد شهد العالم على مدار التاريخ العديد من التحولات الاقتصادية غير المتوقعة التي حولت المحن إلى منح، ابتداءً من صعود اليابان بعد الحرب العالمية الثانية كقوة اقتصادية عالمية تعتمد على التكنولوجيا، وصولاً إلى بروز اقتصادات النمور الآسيوية. لذا، على الرغم من المصاعب التي ستواجهها العديد من الشركات على مدار الأسابيع والأشهر المقبلة، والتحديات التي سيفرضها الواقع الجديد على الناس – دون إغفال أثرها على الجانب الشخصي لحياتهم – إلا أن لهذه الأزمة جوانب إيجابية سنلحظ أثرها في قادم الأيام.وتعتبر منطقة الخليج الآن في وضع يسمح لها بالاستجابة لمثل هذه التحديات والاضطرابات الهائلة بفضل الجهود الاستثمارية التي بذلتها دول المنطقة بشكل مستمر على مدار العقود الماضية، إذ تضمّ هذه المناطق، كدبي والدمام، العديد من الموانئ والمطارات والمراكز المالية، وغيرها من البنى التحتية الرائدة على مستوى العالم. وكانت دول الخليج بدأت تُطبّق بالفعل مبدأ التنويع الاقتصادي حتى قبل ظهور الوباء وانهيار أسعار النفط، وقد تعلق ذلك بصورة رئيسية على التنبؤ بالتضاؤل التدريجي لقيمة الهيدروكربونات كمصدر للطاقة على مستوى الاقتصاد العالمي.لا شكّ أن تفشّي الوباء وانهيار أسعار النفط سيفرض تحديات على العديد من الشركات وقطاعات الاقتصاد في المنطقة، إلا أن التغلّب عليها لن يكون مستحيلاً. هذا التغيير ليس مفاجئًا لنا، وقد توقعنا قدومه، لكننا غفلنا عن حقيقة أن الأزمات لا تأتي فرادى. ‭{‬ الرئيس العالمي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في شركة إندوسويس لإدارة الثروات 

مشاركة :