السلطة الجزائرية تعيد صياغة علاقتها مع المعارضة | صابر بليدي | صحيفة العرب

  • 7/24/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر – أوحى السجال داخل جبهة القوى الاشتراكية، أعرق أحزاب المعارضة السياسية في الجزائر، حول موقفها من الوضع السياسي بأن صياغة جديدة بين السلطة والحزب بصدد التشكل، مما يطرح إمكانية تطويع السلطة لهذا الحزب الذي انطلق سريا بعد الاستقلال وظل معارضا راديكاليا في ذروة الأزمات الكبرى التي عاشتها البلاد. وينفي الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حاجته لحزام سياسي داعم ويفضل خيار المجتمع المدني بديلا لذلك تفاديا لتجربة حقبة بوتفليقة، لكن تسريع وتيرة ترتيب الأوراق الداخلية في عدد من الأحزاب الكبرى يوحي بأن السلطة بصدد صياغة علاقة جديدة مع الأحزاب السياسية. وأعطت رسالة مناضلين مخضرمين وقيادات سابقة بجبهة القوى الاشتراكية للهيئة الرئاسية الجديدة الانطباع بأن الحزب يتواجد في مفترق طرق كبير، بين الوفاء لمبادئه الثابتة وبين الانخراط في مسار جديد يقرب بينه وبين السلطة بعدما شدد هؤلاء على ضرورة البقاء في ما يعرف بـ”تكتل البديل الديمقراطي” المعارض في حين تتهيأ القيادة الجديدة لإعلان انسحابها منه. وتشكل البديل الديمقراطي في خضم الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي، وطرح نفسه كنسيج يدعم المطالب الأساسية للاحتجاجات السياسية الداعية لرحيل النظام وإحداث تغيير سياسي شامل في البلاد. وضم هذا التكتل عدة أحزاب من بينها حزب العمال اليساري والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني، والاتحاد الديمقراطي الاجتماعي الاشتراكي، إلى جانب جبهة القوى الاشتراكية. وكانت تصريحات سابقة لقياديين في الحزب قد ألمحت إلى “انسحاب قريب من التكتل والعودة إلى مبادرة الإجماع الوطني” التي تم إطلاقها عندما كان الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لا يزال على رأس النظام، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة بداية الانشقاق في صفوف المعارضة. وأثار السماح لجبهة القوى الاشتراكية بعقد مؤتمرها الاستثنائي الأسبوع الماضي، رغم أن البلاد لا تزال تخضع لحظر على الأنشطة السياسية والثقافية وكل الفعاليات التي لا يمكن أن يحترم خلالها إجراء التباعد الاجتماعي، تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذا القرار الذي سمح لأحزاب معينة بتنظيم فعاليات لانتخاب قيادات جديدة، وشمل أيضا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي المحسوبين على السلطة. وأكد حكيم بلحسل، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية، على “عدم حياد الحزب عن خطه السياسي التاريخي الرامي إلى بناء دولة القانون والحريات وتمكين الشعب الجزائري من تقرير مصيره بنفسه دون قيود وحدود”. لكن عقد مؤتمر الحزب في ظروف استثنائية والتلويح بالانسحاب من تكتل البديل الديمقراطي، عزز التوقعات بأن جبهة القوى الاشتراكية بصدد إعادة صياغة لبرنامجها السياسي. ولفت بلحسل إلى أن “المؤتمر الوطني الاستثنائي مكن الحزب من تخطي الأزمة الداخلية التي أعاقت عمله منذ قرابة سنة، ولذلك يعتبر إنجازا هاما في تاريخ جبهة القوى الاشتراكية، كونه قد حقق إجماعا كبيرا في اختيار هيئة رئاسية جديدة بعد انتخابها بطريقة شفافة وديمقراطية”. واعتبر مراقبون أن غياب القيادي البارز في الحزب علي العسكري عن المؤتمر وعدم إعادة الاعتبار للعديد من الشخصيات التي أقصيت في وقت سابق كالنائب سليمة تلمساني، أكد على هيمنة التيار المهادن للسلطة على مقاليد الحزب. ولا يستبعد هؤلاء أن يفقد الحزب الكثير من الزخم الذي تميز به منذ تأسيسه في مطلع الاستقلال من طرف المناضل التاريخي البارز، الراحل حسين آيت أحمد. ويبدو أن مسألة انسحاب الحزب من تكتل البديل الديمقراطي قد تم حسمها بشكل كبير. وأرجأ بلحسل الفصل في مسألة الانسحاب إلى الهيئة الرئاسية الجديدة، التي فوّضها المؤتمر لإعادة الاعتبار للحوار والنقاش العميقين داخل هيئات الحزب التي كانت مغيبة بسبب الأزمة الداخلية”. وتم الإعلان عن عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للجبهة في الأسابيع القليلة القادمة لدراسة كل القضايا السياسية والتنظيمية العالقة بما فيها حصيلة نشاطها السياسي خلال الأشهر الماضية من أجل اتخاذ القرارات اللازمة. السماح لجبهة القوى الاشتراكية بعقد مؤتمرها الاستثنائي الأسبوع الماضي، يثير تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لهذا القرار الذي سمح لأحزاب معينة بتنظيم فعاليات لانتخاب قيادات جديدة ويشير ذلك إلى أن الحزب بصدد مراجعة بعض مواقفه، خاصة كتلك التي اتخذت ضد إرادة قواعده ومؤسساته، وعلى رأسها الانضمام إلى التكتل المعارض. ويبدو أن الطلاق المنتظر بين جبهة القوى الاشتراكية وقوى البديل الديمقراطي، سيقدم خدمة ثمينة للسلطة، كونه سيفكك التكتل الراديكالي الذي قطع كل قنوات الحوار مع السلطة، والتزم بتبني مطالب الحراك الشعبي. ويبدو أن السلطة تراهن على هذا الانفصال المرتقب من خلال السماح لجبهة القوى الاشتراكية بعقد مؤتمرها الاستثنائي، في ظروف يسودها احتقان سياسي غير مسبوق في البلاد. وبضمان عودة أكبر الأحزاب الإخوانية (حركة مجتمع السلم) وحزبي السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) وتعزيزهما بتحييد جبهة القوى الاشتراكية عن صفوف الراديكاليين تكون السلطة قد حققت إنجازا مهما، يكفل لها تمرير أجنداتها القادمة وعلى رأسها الاستفتاء الشعبي على الدستور. وإذ عبر الرئيس تبون، في تصريحه الأخير لوسائل إعلام محلية، حول “عدم حاجته لحزام سياسي داعم” كما دأبت عليه السلطة السابقة، وتركيزه على المجتمع المدني كشريك للسلطة، فإن التصريح ينطوي على صياغة جديدة لعلاقة جديدة للسلطة بأذرعها السياسية ومع الطبقة الحزبية بشكل عام، لأن حاجتها لها تبقى قائمة مهما كانت المبررات المقدمة.

مشاركة :