أعادت مجموعة من الفنانين التونسيين الحياة إلى شارع تاريخي مهجور في مدنين، بهدف خلق مسار سياحي جديد داخل المدينة الجنوبية، إلى جانب حث الناس على تحويل كل ما هو مهمل إلى عمل فني. مدنين (تونس) – حوّل عدد من الفنانين التشكيليين التونسيين مكانا مظلما وشبه مهجور في مدينة مدنين التونسية (جنوبي البلاد)، إلى مزار لأهالي المنطقة تنبعث منه ألوان أعادت إليه الحياة. وأنارت لمسات فنية بسيطة عتمة الشارع القديم الذي كان يعرف باسم “رَحْبَة النِّعْمَة”، ليصبح “شارع المظلات” من خلال ألوان المظلات التي تم تركيبها على طوله وفي ساحته. وعلى مدى 20 يوما أعاد الفنان التشكيلي التونسي حمادي الكرمي، رفقة عدد من زملائه الفنانين، تصميم وترميم الشارع، وتركيب المظلات في سقفه. وقال الكرمي “حاولنا ترميم المكان التاريخي من خلال المراوحة بين العصري والتقليدي، فركبنا 150 مظلة، غطت أسقف الشارع على طول 25 مترا، وبعرض 5 أمتار”. وتابع “كما افترشت أرضية الشارع، برسم المرقوم التونسي (فرش تقليدي يستعمل في الجنوب)، إضافة إلى تزويق الجدران بالخط العربي والزخارف”. والشارع الذي يقع وسط مدنين ويربط بين أكبر ساحات مركز المدينة، كان مخصصا في السابق لبيع وشراء القمح والشعير، وكانت وسائل التجارة والتنقل بدائية، تستعمل فيها الدواب من حمير وغيرها لنقل الحبوب والبضائع. وبات اليوم يتزيّن بألوان المظلات الحمراء والزرقاء والخضراء التي تم تركيبها في سقفه، في حين شكلت ظلالها لوحة فنية امتزجت مع ألوان أرضيته الرمادية. ويرى الكرمي أن “لهذا المكان (شارع المظلات) أهمية تاريخية، إذ تم إنشاء أول دار للسينما في ساحته عام 1948، إضافة إلى أول مخبر للتصوير الفوتوغرافي.. كما تم إنشاء أول نيابة لبلدية مدنين، وأخرى لفرع التعليم الزيتوني (نسبة لجامعة الزيتونة) وكان مخصصا لتدريس أصول الشريعة الإسلامية”. ورسمت مجموعة الفنانين بالقرب من شارع المظلات، جداريتين؛ الأولى لشخصية تاريخية تدعى “سعيد رمادة”، وهو أول مصور فوتوغرافي في مدنين، والثانية لفرقة “غبتن الشعبية” وهي فرقة غنائية فلكلورية قديمة جدا في المدينة. وتم في وسط الساحة تشييد مسرح صغير، للقيام بعروض ثقافية أو تنشيطية، للسياحة وغيرها. وعلى جدران الشارع، رسم الفنانون العديد من اللوحات التشكيلية باستعمال الخط العربي، وأخرى تجريدية، إضافة إلى أعمال ذات أشكال هندسية. وقالت الفنانة التشكيلية سهام شرف الدين إنها “ساهمت في هذا العمل (تطوير شارع المظلات)، من خلال الاشتغال على مفهوم تثمين المهمل”. وأوضحت “أخذت بعض الأشياء منتهية الصلاحية في حياتنا المعيشية، وقمت بتثبيتها على حائط الشارع، مع وضع بعض الزهور لحث الناس على تحويل كل ما هو مهمل إلى عمل فني”. ويهدف القائمون على هذه التظاهرة الفنية بالتعاون مع بلدية مدينة مدنين إلى خلق مسار سياحي جديد داخل المدينة، كانوا قد بدأوه بتزيين شارع الحدادين (المخصص لأشغال الحدادة/ وسط المدينة) العام الماضي، وصولا إلى شارع المظلات. وأفاد الفنان التشكيلي مراد عتيق “قمنا في السابق بإنجاز العديد من الأعمال في ساحات أخرى، ونقوم بالتدقيق في مستوى الاختيارات التي ترتكز أساسا على الساحات القديمة (المهجورة) ولا نتدخل في ساحة لا تشكو من الإهمال”. وأكد رئيس لجنة الفنون والثقافة ببلدية مدنين الهادي ديبر، “أردنا أن نعيد الحياة من جديد في هذا الشارع والساحة بصفة عامة”، مضيفا “نسعى إلى تعميم هذه التجربة في بقية المناطق، من خلال ترميم كامل الساحات المهجورة في مدينة مدنين”.
مشاركة :