لاجئون يعيدون الحياة إلى قرية إيطالية مهجورةعلى عكس العديد من البلدان الأوروبية التي تواجه مشاكل كبيرة في إدماج المهاجرين الذين يصلون إليها، نجحت قرية إيطالية في أن تكون نموذجا يحتذى للتعايش مع الوافدين إليها عبر تبني مجلس البلدية لمشروع يعيد إعمارها ويعود بالنفع على السكان والمهاجرين معا.العرب [نُشر في 2017/04/18، العدد: 10606، ص(20)]ترحيب غير منتظر من أهالي القرية باللاجئين سانت أليسيو في أسبرومونتي (إيطاليا) - على سفح جبال أسبرومونتي في جنوب إيطاليا، تكسر ضحكات مجموعة من اللاجئين الرتابة التي تلف قرية منسية كانت على وشك الاندثار. وتستقبل قرية سانت أليسيو الصغيرة العائلات والمهاجرين منذ ثلاث سنوات في مشروع لا يهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية فحسب، بل يأتي كذلك بفوائد اقتصادية واجتماعية. وتقلص عدد سكان القرية الإيطالية خلال السنوات الماضية إلى 330 شخصا فقط، بينهم الكثير من كبار السن. وهجرت شوارعها الشديدة الانحدار والمرصوفة بالحصى فيما أغلقت غالبية نوافذ البيوت التي غادرها قاطنوها سعيا إلى الحصول على فرص أفضل في مدن إيطالية كبيرة مثل تورينو وميلانو وروما، أو حتى أبعد من ذلك في أستراليا. وفي محاولة لإعادة الحياة إلى القرية، بدأ المجلس البلدي بتأجير ثمان من هذه الشقق الفارغة لإسكان ما يقارب 35 مهاجرا في وقت واحد كجزء من مشروع “نظام حماية طالبي اللجوء”. ويحاول المجلس البلدي تقديم كل مساعدة ممكنة إلى القادمين الجدد من دروس اللغة الإيطالية إلى المساعدة القانونية والطبية والنفسية، والتدريب الصوتي والنشاطات الاجتماعية مثل دروس زراعة الحدائق والطبخ والرقص. وفي القرية حاليا عائلة عراقية كردية، وعائلة غامبية وشباب من غانا ونيجيريا ومالي والسنغال. وهناك مشروع خاص للفئات الأكثر ضعفا مثل مرضى الإيدز والسكري وضحايا شبكات الدعارة وزوجين أصمين أبكمين، إضافة إلى امرأة قتل طفلها بالرصاص في ليبيا ويعتقد أن زوجها قد غرق. ويؤكد ستيفانو كالابرو، الشرطي البالغ من العمر 43 عاما والذي يشغل منصب عمدة قرية سانت أليسيو منذ عام 2009، أن “مهمتنا إنسانية، وهذا الأهم بالنسبة إلينا. لكن للمشروع كذلك فائدة اقتصادية واجتماعية كبيرة”.يقدم المشروع دروسا في اللغة والزراعة والطبخ والرقص لمساعدة الوافدين الجدد على الاندماج في القرية المهجورة وتخصص الدولة قرابة 45 يورو (47 دولارا) في اليوم لكل مهاجر، يذهب معظمها إلى المنظمين لتغطية النفقات. وأسفر المشروع عن وظائف جديدة بدوام جزئي أو كامل في سانت أليسيو لـ16 شخصا بينهم سبعة من السكان المحليين تتنوع أعمالهم بين المجال الاجتماعي وتدريس اللغة الإيطالية. كما ساهم هذا المشروع الإنساتي كذلك في تجنب توقف الخدمات الأساسية بالقرية سواء الحانة أو المتجر الصغير أو عيادة الطبيب والصيدلية. ومع توافر الأموال المتاحة للخدمات، نجح مجلس البلدية في فتح صالة رياضية لجميع السكان والاعتناء بساحة تطل على القرية، حيث يتبارى المهاجرون بشكل دوري مع فريق من نزلاء مركز قريب لإعادة تأهيل مدمني المخدرات. وبعد قضائهم بنحو ستة أشهر إلى سنة في القرية، نجح بعض اللاجئين في إيجاد فرص عمل بالمنطقة فيما انطلق آخرون إلى أماكن أخرى. لكن الغاني ساليفو البالغ من العمر 23 عاما قرر البقاء في القرية حيث يحصل على لقمة عيشه من خلال المساعدة في القيام بأعمال في الحقول. وقد لا تكون سانت أليسيو مدينة للأضواء أو المكان الأمثل لبدء الحياة العملية إلا أن ساليفو يقول مسرورا “لن أذهب إلى أي مكان آخر”.مشروع إنساني ينقذ ما تبقى من سكان القرية وبعد قضاء أشهر في معسكر “مينيو” للاجئين بجزيرة صقلية، تعدّ أمور صغيرة كالحصول على موعد لدى الطبيب بشكل سريع ترفا. يجلس أنتونيو ساكا البالغ 89 عاما، وقد أمضى 54 منها عاملا في مصنع بتورينو قبل عودته إلى القرية، مستمتعا بالشمس في حديقة منزله الأمامية. ويعبر عن تقديره لجيرانه قائلا “يتصرفون بشكل جيد. يعيشون حياة مستقلة إلا أنهم غالبا ما يمدون يد المساعدة”. وأوضحت صاحبة الحانة، الأرملة سيليستينا بوريلو البالغة من العمر 73 عاما أن “القرية بدأت تفرغ من سكانها، فمن الجيد أن يكون هناك القليل من الحركة حاليا”. وأضافت سيليستينا التي غادرها ابنها منذ أعوام بحثا عن عمل في بلجيكا “نعرف ما يعنيه أن نترك أرضنا”. وشجع نجاح المشروع المجموعة التي تقف خلفه مؤسسة “كوبسيا” على إطلاق غيره في أربع قرى قريبة. وهناك فائدة أخرى وهي أن المنضمين إلى شبكة “نظام حماية طالبي اللجوء” الذين يستقبلون أعدادا صغيرة من اللاجئين، لن يتعين عليهم استضافة مركز استقبال كما في بلدة غامباري القريبة حيث يكتظ أحد الفنادق بـ120 لاجئا. ومع توافر نحو 26 ألف مكان فقط، تشكل الشبكة جزءا صغيرا من المنظومة الإيطالية لاستقبال اللاجئين. وتستقبل إيطاليا أكثر من 176 ألف شخص، يتم إسكانهم في مجموعات كبيرة ما يغضب السكان المحليين، لكن نموذج القرية الهادئة يشكل نجاحا. ويقول رئيس “كوبسيا” ليغي دي فيليبيس إن مشروع “سانت أليسيو كان نموذجا مبدئيا” مشيرا إلى إمكانية انتشار المشروع في عديد المدن الأخرى وحتى خارج إيطاليا. وأضاف “هناك مناطق واسعة تعاني من قلة عدد السكان في شمال إيطاليا وأماكن أخرى في أوروبا”.
مشاركة :