تحليل كتاب «العقل المؤمن.. العقل الملحد» للدكتور عبدالله الغذامي

  • 7/25/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في كتابه «العقل المؤمن.. العقل الملحد: كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد» الصادر في مطلع العام الجاري عن دار العبيكان للنشر، يتناول البروفيسور عبدالله الغذامي مبحث الإلحاد في العقل البشري من خلال تحليل نظريات وأفكار لشخصيات علمية غربية، هم هوكينج و جون لينكس ودوكينز وفرانسيس كولينز وبرتراند راسل وروسو، مركزًا على أسئلة محورية هي: كيف نشأ الكون؟ ما غرض وجود البشر في الكون؟ ما مصير الناس بعد الموت؟ في الفصل الأول أفرد الغذامي الحديث عن هوكينج صاحب كتاب (التصميم العظيم) وأثنى على سهولة لغته ونجاحه في إيصال نظريته لشرائح واسعة، ولكنه عاب عليه عدم وجود سند علمي يثبت نفيه لوجود الخالق سبحانه ووقوعه في الذاتية التي تتنافى مع الموضوعية العلمية، وعدم وضوح نظريته، وتخليه عن الفلسفة وإعلانه وفاتها. وفي الفصل الثاني ينتقل الغذامي للحديث عن الدكتور البريطاني جون لينكس أستاذ الرياضيات صاحب كتاب (هل يستطيع العلم تفسير كل شيء؟) والذي على عكس هوكينج يؤمن بالله سبحانه ويعارض أفكار هوكينج ودوكينز؛ أبرز الملحدين المعاصرين -وفق رأي الغذامي-، ويرى لينكس أن الملاحدة عندهم خلل في فهم طبيعة الإله، كذلك التفسير العلمي للظواهر، وهذا الخلل هو سبب توهمهم بعدم إمكانية الجمع بين العلم ووجود خالق للكون، ويضيف لينكس أن للعلم حدودًا لا يستطيع تجاوزها. وفي الفصل الثالث يتناول الغذامي أفكار العالم البيولوجي الأمريكي الشهير فرانسيس كولينز صاحب كتاب (لغة الإله)، وتكتسب هذه الشخصية أهمية لكونه تحوّل من ملحد ينتمي لى عائلة ملحدة إلى معتنق للمسيحية، ويشير كولينز إلى عجز العلم عن الاجابة عن أسئلة وجودية كبرى، وأن العلاقة بين العلم والإيمان علاقة تكاملية، وينبهنا الغذامي إلى أن هذا الملحد السابق أحاط بنظريات الانفجار الكبير والتطور والجاذبية، وأبطل بحجج دامغة أي إثبات لنفي وجود الخالق من خلال تلك النظريات، فمثلاً نظرية الانفجار الكبير دليل على عجز العلم عن تقديم إثبات على ماهية ما قبله واضطراره للاتكاء على النص الديني، ولكن كولينز يؤكد أن وجود الخالق لا يحتاج إلى فرضيات تثبته، فهو بيّن واضح، ويستوقف الغذامي رأي كولينز عن نظرية التطور وأن الايمان بها لا يعني نفي وجود الخالق، وأن بالإمكان الجمع ما بين الإيمان بها وبالله سبحانه، ويضيف الغذامي أن التناقض الظاهري بين تلك النظرية والكتب المقدسة مردّه إلى سوء فهم عند المتلقي، وليس بسبب التناقض المزعوم. وفي الفصل الرابع يحوّل الغذامي البوصلة إلى الفيلسوف برتراند راسل صاحب كتاب «لماذا لست مسيحيًا» الذي على عكس كولينز تحوّل من الإيمان بالله إلى الشك بوجود الخالق، وأنه اكتفى بالرد على الحجج الكنسية وتجاهل أفكار آراء فلاسفة، معتبرين خاصة ديكارت وروسو وكانط، وقام بمغالطة فكرية تمثلت في قوله إن الفكر الحر يتناقض مع الدين، وبرهن على هشاشة موقفه في محور نشأة الكون وهروبه من الاجابة عن الأسئلة الجوهرية الفلسفية في محاورته الشهيرة مع القس والفيلسوف كوبليستون. ويختم الدكتور في الفصل الخامس بالحديث عن الشك والإيمان ليسلط الضوء على منطقة وسط فكريًا بين المؤمنين بوجود الله والملحدين المتيقنين بعدم وجود خالق للكون، وأنها نقطة بداية قبل التسليم بهذا أو ذاك، وأنه ينبغي إخضاع الأسئلة لهذا الشك المعرفي على الطريقة الديكارتية، ويقدم مثالاً مناسبًا وهو الفيلسوف الفرنسي روسو الذي يحمل تحفظات عديدة على الكنيسة وعلى الفلاسفة، ولكنه يصل إلى الإيمان بالدين المسيحي ويوقن بأهمية الفلسفة، ويبرز الغذامي كراهية روسو للتشدد الديني وأنه يفوق الإلحاد خطورة.ولكن هنالك وقفات عند هذا الكتاب، من بينها أن الغذامي اكتفى بعملية التلخيص لأقوال هؤلاء المفكرين ولم يقدم تفسيرًا ناضجًا متكاملاً لكيفية إلحاد الناس أو إيمانهم على مدار الكتاب، واكتفى في آخر الفصل الأخير بجملة عامة أن الإلحاد يكون محصّلة تغليب العقل على القلب ولم يطوّر الأفكار ليقدم تنظيرًا حول تنامي ظاهرة الإلحاد في العالم، خاصة في عالمنا العربي والاسلامي، وسمات العقلية الملحدة والعقلية المؤمنة وكيفية تشكلها، وأيضًا أنه وقع في إشكالية تسخيف أفكار المفكرين الملحدين وتفريغها من أي بعد عقلاني انتصارًا لموقف ديني يتبناه (وأتبناه طبعًا)، والاكتفاء بتقديم حوار مجتزئ للمفكرين المؤمنين لا يوجد فيه نقاط ضعف، ولا يوجد في المقابل أي رد من الطرف الآخر. كذلك من الناحية المنهجية ففي الفصل الثالث يدلل الغذامي على تمكن كولينز من إثبات الحاجة للعلم في فهم ما حدث قبل الانفجار الكبير من خلال نصوص من الإنجيل، ولكن لم يحدد الغذامي أي نصوص من الانجيل ولا دلالاتها ولا كيفية استدلال كولينز بها، ثم أشار الغذامي إلى آيات قرآنية أقدر على التدليل والتوضيح من تلك النصوص الإنجيلية المفترضة، وفي الفصل ذاته كشف الغذامي عن إشارة خاطفة قام بها كولينز للقرآن الكريم في معرض تحليله لفهم شامل للنص الديني وعلاقته بالنظرية، ولكن الغذامي مجددًا لا يوضح ماهية تلك الإشارة ولا الآية أو الآيات القرآنية، وعوضًا عن ذلك يبادر الغذامي إلى اقتراح آيات تخدم توجه كولينز. وفي الفصل الرابع يبدو أن الغذامي قد وقع في مطب الخلط بين العلماني والملحد واللاديني، فالعلماني هو شخص يقول بالفصل بين الدين والدولة، والملحد هو شخص لا يؤمن بوجود الله، بينما اللاديني هو شخص لا يعتنق أي دين قد يكون ملحدًا وقد لا يكون، وفي تحليله لأفكار رسل أشار إلى موقفه السلبي من الكنيسة ومن المسيحية وعلمانيته، ولكنه لم يقدم دليلاً دامغًا على إلحاده، بل إنه أورد اقتبسات نقلاً عن راسل تشكك في كونه ملحدًا، من بينها حديثه عن راسل «كان التصور عنه أنه ملحد»، و«هذا عكس ما يشيع من كون راسل ملحدا»، ناهيك عن نفي راسل عن نفسه صفة الإلحاد و تصنيفه لنفسه بالمتشكك، وهو ما يؤكد أن الدكتور لم يوفق باختيار راسل في هذا الكتاب لأنه لا يمثل الملحدين وأيضًا لا يمثل المؤمنين، بغض النظر عن اسمه اللامع في الأوساط الأدبية والفلسفية والحداثية، وزاد الدكتور بالاستطراد في الحديث عن راسل في محاور ليس لها علاقة بموضوع الكتاب، كموقفه من المؤسسة السياسية. كذلك بعد أن تناول المؤلف أفكار العلماء الملاحدة والمؤمنين عاد في آخر الكتاب لوضع ملحق عن العقل في الثقافتين الإسلامية والغربية، وكان الأولى أن يبدأ بهذا الملحق في بداية الكتاب مع إعادة صياغته وتدعيمه بتعريفات لكل من الايمان والإلحاد، لتقديم إطار معرفي يكون بوابة انطلاق قبل تناول أفكار هؤلاء العلماء. وأشار الغذامي إلى أن هذا الملحق مقتطع من كتاب السردية الجديدة، وعاد ليشير إلى أنه من كتاب السردية، ويبدو لي أن يشير إلى كتاب «السردية الحرجة: العقلانية أم الشعبوية»، ولعل الدكتور سلم مسوّدة هذا الكتاب إلى المطبعة قبل طباعة ذلك الكتاب، وكان هذا هو عنوان الكتاب، أو لعله خطأ مطبعي. وأختم بتحفظ أكاديمي، فالكتاب هو كتاب علمي أكاديمي قام بتأليفه أستاذ جامعي متقاعد من خيرة الكتاب الأكاديميين العرب وأحد ألمع النقاد والمفكرين في عالم اليوم، ومع ذلك لم يضع الدكتور الغذامي قائمة المراجع في كتابه الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيفه بكتاب خواطر أو مجموعة مقالات، وأقترح على البروفيسور عبدالله إضافة قائمة المصادر ابتداءً من الطبعة الثانية للكتاب.

مشاركة :